الأمازيغ في شمال أفريقيا يطالبون باعتراف أكبر بهويتهم

المغرب مضى بعيداً في إعطائهم حقوقاً واسعة تضمنها دستور 2011

طلاب جزائريون يرفعون علم الأمازيغ مع الأعلام الوطنية خلال الاحتجاجات السابقة في العاصمة (أ.ف.ب)
طلاب جزائريون يرفعون علم الأمازيغ مع الأعلام الوطنية خلال الاحتجاجات السابقة في العاصمة (أ.ف.ب)
TT

الأمازيغ في شمال أفريقيا يطالبون باعتراف أكبر بهويتهم

طلاب جزائريون يرفعون علم الأمازيغ مع الأعلام الوطنية خلال الاحتجاجات السابقة في العاصمة (أ.ف.ب)
طلاب جزائريون يرفعون علم الأمازيغ مع الأعلام الوطنية خلال الاحتجاجات السابقة في العاصمة (أ.ف.ب)

إلى جانب مجموعة سيوة الصغيرة في أقصى غرب مصر، يوجد الأمازيغ بغالبيتهم الساحقة في المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس وليبيا)، حيث يطالب هؤلاء السكان الأصليون باعتراف أكبر بهويتهم وثقافتهم، حسبما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وسبق وجود هؤلاء في المنطقة التعريب والأسلمة، ويسمون أنفسهم الأمازيغ، وتعني «الرجل الحر» باللغة الأمازيغية.
في المغرب البلد المغاربي، الذي يضم أكبر عدد من الأمازيغ، مضى بعيداً في إعطاء الأمازيغ حقوقاً واسعة تُوّجت بدستور 2011، الذي أقر الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. ورغم ذلك، تطالب أصوات عدة بمزيد من الحقوق، مثل جعل يوم 13 يناير (كانون الثاني) من كل سنة يوم عطلة؛ باعتباره يوم رأس السنة الأمازيغية.
وحسب إحصاء أجري في 2014، يستخدم أكثر من ربع المغاربة (26.7 في المائة) البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة واحدة من اللهجات الثلاث في البلاد (التاريفيت والتامزيغت والتاشلحيت).
وللدفاع عن قضيتهم، يستند الناشطون إلى اعتراف دستور 2011 بلغتهم كلغة رسمية.
يُذكر أنه في 2019 جرى اعتماد القانون الأساسي المتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية. ويقضي النص القانوني بأن يتم استخدام هذه اللغة في الوثائق الإدارية، وتعميم تدريسها تدريجياً خلال 15 عاماً.
بانتظار ذلك، كانت واحدة من أبرز النتائج ظهور أبجدية «تيفيناغ» على المباني العامة، بالإضافة إلى اللغتين العربية والفرنسية. ومنذ 2010، خصصت قناة تلفزيونية مغربية عامة «تمازيغت تي في» للترويج للثقافة الأمازيغية.
وفي الجزائر، يبلغ عدد الناطقين باللغة الأمازيغية نحو عشرة ملايين نسمة، أي ربع السكان تقريباً. يتركز غالبية أمازيغ الجزائر في منطقة القبائل (شرق الجزائر)، إلى جانب وجود في الوسط والشرق والجنوب. وبعدما حققوا بعض التقدم (الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية ثانية في 2016، وإعلان يوم رأس السنة البربرية عطلة رسمية في 2018)، شكلوا العام الماضي أحد أهداف القمع ضد «الحراك» المناهض للنظام. وحكم على عشرات المتظاهرين بالسجن بعد إدانتهم بالتلويح بالعلم الأمازيغي الذي منعه الجيش في التجمعات.
وفي ليبيا، تعرض الأمازيغ للاضطهاد في عهد معمر العقيد معمر القذافي الذي كان ينكر وجودهم، وهم يطالبون بـ«الحق» في جعل لغتهم لغة رسمية على غرار العربية وفي تمثيل عادل في البرلمان.
ويشكل الأمازيغ في ليبيا حالياً نحو عشرة في المائة من السكان، ويعيشون خصوصاً في الجبال الواقعة غرب طرابلس أو في الصحراء الجنوبية.
ومنذ سقوط القذافي في2011، أصبحت مطالبهم أكثر إلحاحاً. ويرفرف العلم الأمازيغي فوق المباني العامة إلى جانب العلم الليبي، وغالباً وحده في مناطقهم الأصلية. وقد وُضعت كتب مدرسية باللغة الأمازيغية مع أن وزارة التربية (في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً) لم تصادق عليها.
وفي مسودة الدستور التي أقرها البرلمان، ولكنها بقيت حبراً على ورق حتى الآن، تم الاعتراف باللغات التي تتحدثها مختلف المجموعات، خصوصاً الأمازيغية، كجزء من التراث الليبي. لكن اللغة العربية تظل اللغة الرسمية الوحيدة.
في تونس، يبقى الوزن الديموغرافي للأمازيغ غير معروف؛ إذ إن الإحصاءات المتعلقة بالعرق واللغة محظورة. وإلى جانب المناطق الجنوبية فإن الغالبية تقطن في العاصمة.
ويدين الأمازيغ إنكار خصوصياتهم الثقافية من جانب دولة تعرّف نفسها في دستورها على أنها من اللغة العربية والدين الإسلامي.
وقال رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية جلول غاكي إن خمسين في المائة من التونسيين من أصل أمازيغي، لكن أقل من واحد في المائة منهم يتحدثون لهجتهم (الشلحية).
ويريد غالبية الناشطين «إصلاحات صغيرة» حتى «يعترف الشعب التونسي بالثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية التونسية». ومنذ ثورة 2011، أصبحت وسائل الإعلام والمجتمع المدني أكثر انفتاحاً. وكان وزير حقوق الإنسان احتفل بالسنة الأمازيغية في 2017، معبراً لمواطنيه الأمازيغ عن تمنياته لهم بسنة جديدة سعيدة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.