الحريري يستعد لتقديم تشكيلته الوزارية إلى عون

تعويم حكومة دياب المستقيلة مخالفة دستورية

سعد الحريري (أ.ف.ب)
سعد الحريري (أ.ف.ب)
TT

الحريري يستعد لتقديم تشكيلته الوزارية إلى عون

سعد الحريري (أ.ف.ب)
سعد الحريري (أ.ف.ب)

كشفت مصادر سياسية مطلعة أن الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري قرر أن يتقدّم من رئيس الجمهورية ميشال عون، وفور اختتام أعمال المؤتمر الدولي الذي يُعقد اليوم في باريس والمخصّص لتقديم مساعدات إنسانية للبنانيين من خلال هيئات المجتمع المدني، بصيغة وزارية تضم 18 وزيراً، وعزت تريُّثه إلى أنه يحرص في حال عدم موافقة عون عليها، على قطع الطريق على إقحام المؤتمر في الخلاف حول التشكيلة الوزارية وتهيئة الظروف لإنجاحه نظراً للحاجة الماسة للمساعدات الدولية.
وقالت المصادر السياسية إن الحريري ارتأى في نهاية المطاف إخراج مشاورات التأليف التي يجريها مع عون من التأزُّم، في محاولة لإحداث خرق يدفع باتجاه تجاوز الحلقة المفرغة التي تحاصر المشاورات، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن التشكيلة الوزارية التي أعدها الحريري تحاكي المواصفات التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان ووقف انهياره المالي والاقتصادي.
ولفتت إلى أن الحريري يتقيّد بمضامين المبادرة الفرنسية ويترك لباريس التي ما زالت تتحرك محلياً وخارجياً أن تقرر ما إذا كانت التشكيلة الوزارية مطابقة للوصفة السياسية التي طرحها ماكرون في اجتماعه مع أبرز المكوّنات المعنية بولادتها خلال زيارته الأخيرة لبيروت، وقالت إن الحريري أعطى فرصة للمشاورات لعلها تؤدي إلى التوافق على التركيبة الوزارية التي أنجزها بصيغتها النهائية، لكنه بدأ يتلمّس وجود نيّة لتمديدها رغم أن عامل الوقت ليس لمصلحة الإسراع في إنقاذ لبنان.
ورأت المصادر نفسها أن مجرّد مبادرة الحريري إلى التقدُّم من عون بصيغة وزارية متكاملة سيفتح الباب أمام تزخيم التحرُّك الفرنسي بعد أن تبلغ من باريس بأنها لن تترك لبنان وحيداً وستمدّ له يد العون لوقف تدحرجه نحو الزوال، وقالت إنه لا يسعى للابتزاز أو التهويل بمقدار ما أنه من غير الجائز الانتظار طويلاً بلا جدوى، وأكدت أن الصيغة الوزارية ستكون موضع تشاور مع عون، وأن لا مشكلة في إدخال تعديلات على بعض الأسماء، شرط ألا تؤدي للالتفاف على المبادرة الفرنسية وتجويفها من مضامينها بالعودة إلى المحاصصة واقتسام الحقائب الوزارية.
واعتبرت أن الحريري بات على قناعة بأن لا بديل للمبادرة الفرنسية سوى الفراغ القاتل، وقالت إنه لا يتوخّى من التشاور مع عون في التركيبة الوزارية تسجيل موقف بمقدار ما أن البلد لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار. وأكدت المصادر نفسها أن الحريري يدخل من خلال التشكيلة الوزارية التي أعدها بعيداً عن ردود الفعل في أول اختبار للنيات مع عون وعلى خلفية أن لا مجال للاعتذار عن تكليفه بتشكيل الحكومة.
ولفتت إلى أن لا بدائل عن تشكيل حكومة مهمة، وحذّرت من اللجوء إلى قفزة في المجهول بإعادة تعويم الحكومة المستقيلة، وقالت إن من يروّج لخيار من هذا النوع يدرك سلفاً بأنه يُقحم البلد في هرطقة دستورية. وأوضحت أنه سبق قبل اتفاق الطائف أن تقرّر إبان اندلاع الحرب الأهلية في لبنان تعويم حكومة الرئيس الحص الذي استقال تحت وطأة اتساع رقعة الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية آنذاك إلياس سركيس من دون أن يوافق الأخير على كتاب استقالته ويبادر إلى تكليف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة.
وأكدت أن التذرُّع بتعويم حكومة الحص ليس في محله، خصوصاً أن الرئيس حسان دياب تقدّم بكتاب استقالته، وبالتالي أجرى عون استشارات نيابية مُلزمة انتهت إلى تسمية الحريري لتشكيل حكومة جديدة، وأن الأخير أجرى مشاورات مع رؤساء الكتل النيابية، وبالتالي لا يمكن العودة إلى الوراء والتصرّف كأن ما حصل لا يُلزم رئيس الجمهورية.
وقالت إن مجرد التفكير بتعويم الحكومة يعني أن من يُقدم على خطوة غير مدروسة كهذه أراد أن يلتف على تكليف الحريري وصولاً إلى تجاوز صلاحية البرلمان في تسمية الرئيس المكلّف، ورأت أن رئيس الجمهورية لا يستطيع مصادرة التوجُّه العام للكتل النيابية لئلا يخالف الدستور ويدخل في مواجهة نيابية مفتوحة على كل الاحتمالات. ناهيك عن أن تعويم الحكومة يتطلب إعادة طرح الثقة فيها وهذا ما يلقى معارضة نيابية، إضافة إلى ما سيترتب عليها من تداعيات أوّلها بأن الشارع السنّي سيدخل في مواجهة مع عون الذي لن يُقدم على مثل هذه الخطوة.
كما أن دور عون في الاستشارات النيابية المُلزمة يبقى في حدود تعداد الأصوات لتبيان من سيرشّحه البرلمان لتشكيل الحكومة، إضافة إلى أن الإبقاء على تصريف الأعمال لأمد طويل سيلقى رفضاً من الشارع السنّي تحت عنوان أن إعاقة مهمة الحريري باتت مقصودة لتمرير رسالة مفادها أن البلد يمشي في غياب الشريك السنّي في التركيبة الوزارية.
لذلك فإن من يروّج لتعويم الحكومة يتوخّى التهويل على الحريري الذي لن يقدّم اعتذاره على طبق من فضة لعون، وأكدت المصادر أن الإبقاء على تصريف الأعمال سينسحب على عون ويضعه في خانة الاستهداف من قبل خصومه في ضوء إخفاقه في تحقيق ما التزم به.
وعليه يبقى السؤال: كيف سيتصرّف عون إذا قرر الحريري أن يودعه تشكيلة وزارية لا غبار عليها ويراهن على أنها ستُحدث صدمة إيجابية؟ وهل يفتح الباب أمام البحث في أجواء هادئة تمهّد الطريق لولادة الحكومة، أم أنه سيدفع باتجاه عودة المشاورات إلى المربع الأول؟ مع أن احتمال استئنافها لاحقاً لن يكون مضموناً وسيتحول المشهد السياسي تلقائياً من أزمة تشكيل حكومة إلى أزمة حكم أصبحت الآن كأمر واقع وقد تتفاعل، إلا إذا ارتأى عون أن هناك ضرورة لتنعيم موقفه لعله ينقذ الثلث الأخير من ولايته الرئاسية.



مصر: «عفو رئاسي» عن 54 سجيناً من سيناء

رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر: «عفو رئاسي» عن 54 سجيناً من سيناء

رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري في لقاء سابق مع مشايخ وعواقل سيناء (مجلس الوزراء المصري)

قرَّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العفو عن 54 سجيناً من أبناء سيناء، من المحكوم عليهم في قضايا، في خطوة رحّب بها مشايخ وعواقل قبائل سيناء، وقالوا إنها «ضمّت محبوسين في قضايا جنائية».

وذكرت الرئاسة المصرية، في إفادة لها، الثلاثاء، أن قرار السيسي بالعفو عن المحكوم عليهم من أهالي سيناء جاء «استجابة لطلب نواب ومشايخ وعواقل رفح والشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء». وأشارت إلى أنه «يأتي تقديراً للدور التاريخي لأبناء سيناء في جهود مكافحة الإرهاب، وتحقيق التنمية والاستقرار».

ويأتي قرار العفو تفعيلاً لصلاحيات دستورية ممنوحة لرئيس الجمهورية، وفي إطار «الاهتمام والمتابعة للظروف الإنسانية للمحكوم عليهم، في القضايا المختلفة»، وفق بيان الرئاسة المصرية.

وتضم القائمة الجديدة، «مدانين في قضايا جنائية»، وفق الشيخ سالم موسى، أحد مشايخ جنوب سيناء، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القائمة ضمّت أسماء سبق أن صدرت بحقهم أحكام في قضايا خلافية تتعلق بملكية أراضٍ في سيناء، أو بسبب قضايا جنائية أخرى، وليست قضايا مخلة بالأمن في سيناء، مثل القضايا المرتبطة بأحداث الإرهاب سابقاً».

وأوضح موسى، أن كثيراً ممّن تم العفو عنهم قضوا أكثر من نصف العقوبة، مشيراً إلى «سعادة أهالي سيناء بسبب قرار العفو من الرئيس المصري».

وقال شيخ قبيلة «الحويطات» في سيناء، الشيخ فريج سالم حسن، إن «عواقل ومشايخ قدموا التماساً إلى الرئيس المصري، للنظر في الجانب الإنساني لبعض المحكوم عليهم من أبناء القبائل». وعدّ استجابة السيسي «خطوة جيدة، تعزز شعور الاهتمام والاحتواء لدى أهالي سيناء».

وأوضح سالم، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار العفو الرئاسي له مردود اجتماعي وسياسي وأمني، ويعكس تواصل الحكومة المصرية مع أهالي سيناء»، منوهاً إلى «مشاعر الفرحة لدى قبائل سيناء بقرار العفو»، وربط في الوقت نفسه بين القرار وجهود التنمية في سيناء، مشيراً إلى أن «المشروعات التي تنفِّذها الحكومة تغيِّر من وجه سيناء».

وتقول الحكومة المصرية إنها ضاعفت من ميزانية التنمية في سيناء خلال السنوات الماضية. ووفق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال تفقده مشروعات تنموية بشمال سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن «بلاده أنفقت نحو 600 مليار جنيه، على مشروعات التنمية بسيناء خلال الـ10 سنوات الماضية». (الدولار يساوي 50.85 جنيه مصري).

الإفراج عن محبوسين مصريين بعد العفو عنهم في أبريل الماضي (الداخلية المصرية)

ويتوقف الخبير العسكري المصري ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، اللواء نصر سالم، مع توقيت قرار العفو، وقال: «إنه يأتي في مرحلة لم الشمل، وإعمار في سيناء» عادّاً أن «تلك المرحلة تحتاج إلى تلاحم كل القوى، وتكاتف شعبي من أهالي سيناء».

ويرى سالم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «خطوة العفو الرئاسي تستهدف، مع جهود التنمية في سيناء، تعزيز القدرات المختلفة؛ لحماية الأمن بالمنطقة»، مشيراً إلى أن «التدابير والإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية في سيناء تحتاج لإعمارها بالبشر»، وعدّ أن العفو «يعزز من دور أهالي سيناء بوصفهم ظهيراً شعبياً لخطط الحكومة التنموية والأمنية بالمنطقة».

وتطالب منظمات حقوقية مصرية بالتوسع في قرارات العفو، خصوصاً عن النشطاء السياسيين، في ضوء قرار الرئيس المصري، في أبريل (نيسان) 2022، بإعادة تشكيل «لجنة العفو الرئاسي»، لمراجعة ملفات عشرات المحبوسين.

ودعا المحامي المصري وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، إلى أن «تشمل قرارات العفو، المحبوسين كافة في قضايا الحريات»، عادّاً أن «هذه الخطوة، ستمثل فرصةً ذهبيةً لتحقيق مصالحة وطنية شاملة».

وأوضح العوضي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «لجنة العفو، سبق أن رفعت قوائم بأسماء محبوسين للنظر في أمرهم»، مشيراً إلى أن «العفو ليس مجرد قرار سياسي، وإنما رسالة أمل لآلاف الأسر، ويُشكِّل فرصةً تاريخيةً لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من الوحدة الوطنية».