شركاء الانتقال في السودان يقتربون من إكمال هياكل الحكم

زيادة عدد الوزارات من 20 إلى 26 لإشراك الحركات المسلحة

TT

شركاء الانتقال في السودان يقتربون من إكمال هياكل الحكم

دخلت الحكومة الانتقالية السودانية مرحلة جديدة، بتوقيع اتفاقية سلام «جوبا»، مع الحركات المسلحة التي كانت تحارب حكومة الرئيس المعزول عمر البشير. وأطلق البعض على هذه المرحلة «تصفير العداد»، وعدّوها آخرون مناسبة لتجديد دماء الحكومة والتحالف الحاكم، ووسط هذه «المآزق» التي تواجه الانتقال، تسربت تقارير وتصريحات بقرب تسمية حكومة جديدة، وتشكيل «المجلس التشريعي» في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
ومن المؤكد أن ست وزارات لا تزال تدار بوزراء مكلفين، ولا يزال «المجلس التشريعي الانتقالي» قيد التكوين رغم مرور عام على توقيع «الوثيقة الدستورية» التي نصت على تكوينه في غضون ثلاثة أشهر من التوقيع، ولا تزال مكونات الحكومة الانتقالية تدخل اجتماعاً لتخرج من آخر، تحت مسمى «إكمال مؤسسات الانتقال».
وأدخل عجز القوى المكوِّنة للحكم عن إكمال المؤسسات الحاكمة للفترة الانتقالية، وتشكيل حكومة «جديدة»، أو تجديد الثقة في الحكومة القائمة، أو حتى إكمال الوزارات التي أقيل وزراؤها منذ أشهر... المرحلة الانتقالية في سلسلة أزمات متتالية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي تبدو أنها بلا حلول حتى الآن، فيما زادت جائحة «كورونا» الطين بلة.
واستحكمت الأزمة، والجميع يبحث عن حل «سريع» دون جدوى، وهو ما دفع أحد قادة «الحرية والتغيير» –رفض الإفصاح عن اسمه– إلى القول بأن المكونات أوشكت على إكمال التوافق النهائي على تشكيل الحكومة الجديدة، والمجلس التشريعي الانتقالي، وإكمال بعد توقيع اتفاق جوبا «مجلس شركاء السلام»، ويضم قوى «الحرية والتغيير» وحركات الكفاح المسلح والمكون العسكري في الحكم.
ويواجه التحالف الحاكم أزمة كبيرة نتجت عن خروج بعض مكوناته عنه، بل أعلن الحزب الشيوعي أنه سيعمل على «إسقاط» الحكومة الانتقالية، يُضاف إليه رحيل زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، بقدراته التوافقية العالية، ما يؤثر على بقائه ومشاركته في الحكم بشكل أو بآخر.
وأوضح المصدر أن التحالف الحاكم كوّن ثلاث لجان: «لجنة تشكيل الوزارة، ولجنة هيكل شركاء السلام، ولجنة المجلس التشريعي»، وأضاف: «اللجان قطعت شوطاً متقدماً في عملها، ويُنتظر أن تقدم تقريرها لاجتماع حاسم يُعقد اليوم –أمس- للوصول إلى قرارات حاسمة». وقال إن اجتماعاً مشتركاً ضم الجبهة الثورية ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عُقد الأسبوع الماضي، أجاز إعادة هيكلة الوزارات لتكون 26 وزارة بعد أن كانت 20 وزارة، وذلك بتقسيم عدد من الوزارات ذات الطبيعة القابلة للتقسيم إلى وزارتين.
وبشأن المجلس التشريعي، أكد المصدر أن الأطراف توافقت على نسب المشاركة، وبعثت برسالة للولايات الثمانية عشر، لتسمية مرشحيها للمجلس، ويُنتظر أن تكتمل الترشيحات في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وأن يتخذ اجتماع حاسم عُقد أمس (الثلاثاء)، قرارات نهائية في قضية المجلس التشريعي. وأضاف أن لجنة تشكيل الوزراء حددت أسس اختيار الوزراء الجدد بالاتفاق مع مجلس الوزراء والمكون العسكري في السلطة الانتقالية، وتبقى أمامها تسمية الأطراف لممثليها في الوزارات المختلفة.
وعلى خلاف الحكومة الحالية، والتي توصف بأنها حكومة «كفاءات مستقلة»، ذكر المصدر أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة «كفاءات سياسية» يدير الوزارات فيها سياسيون يرشحهم شركاء الانتقال، بعد فشل تجربة الكفاءات المستقلة، وكذلك سيتم تشكيل المجلس التشريعي من القوى السياسية ولجان المقاومة والولايات، على أن تتولى الكفاءات المستقلة الوظائف الفنية في الدولة.
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «التيار» المستقلة أمس، عن القيادي في «الحرية والتغيير»، عادل خلف الله، قوله إن الكتل المكونة لـ«الحرية والتغيير» أكملت ترشيحاتها للمجلس التشريعي لتسليمها للجنة الخاصة بالمجلس التشريعي.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».