واشنطن تستعد لمعاقبة شركات لـ«ارتباطها بالجيش الصيني»

واشنطن تستعد لمعاقبة شركات لـ«ارتباطها بالجيش الصيني»
TT

واشنطن تستعد لمعاقبة شركات لـ«ارتباطها بالجيش الصيني»

واشنطن تستعد لمعاقبة شركات لـ«ارتباطها بالجيش الصيني»

تستعد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإصدار قرار تنفيذي يضيف أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق الإلكترونية وشركة أخرى لإنتاج النفط والغاز البحري، إلى قائمة الشركات الممنوع التعامل معها بسبب ارتباطها بالجيش الصيني. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر وعن وثيقة اطلعت عليها، إلى أنه ستتم إضافة شركة «إس إم آي سي»، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين ومنتج النفط والغاز البحري الوطني «سي إن أو أو سي» إلى القائمة السوداء للشركات العسكرية الصينية المزعومة؛ مما يحد من وصولهم إلى المستثمرين الأميركيين، ويصعّد التوترات مع بكين قبل أسابيع من تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه.
وكانت «رويترز» قد ذكرت في وقت سابق، أن وزارة الدفاع الأميركية كانت تخطط لتصنيف أربع شركات صينية أخرى على أنها مملوكة أو خاضعة لسيطرة الجيش الصيني؛ ما يرفع عدد الشركات الصينية المتضررة من الأوامر التنفيذية التي وقّعها ترمب إلى 35، ويمنع المستثمرين الأميركيين من شراء أوراقها المالية اعتباراً من أواخر العام المقبل.
وفي حين لم يتضح على الفور متى سيتم نشر اللائحة الجديدة في السجل الفيدرالي، قالت «رويترز»، إنها تضم أيضاً شركة «تشاينا كونستركشن تكنولوجي» و«تشاينا إنترناشيونال إنجينيرينغ». في هذا الوقت أعلنت شركة «إس إم آي سي» أنها تواصل «العمل البنّاء والصريح مع حكومة الولايات المتحدة»، وأن منتجاتها وخدماتها مخصصة للاستخدامات المدنية والتجارية فقط. وأضافت الشركة في بيان، أن «لا علاقة لها بالجيش الصيني ولا تصنع لأي مستخدمين نهائيين عسكريين». وأغلقت أسهم الشركة منخفضة بنسبة 2.7 في المائة أمس (الاثنين).
بدورها، قالت شركة «سي إن أو أو سي» التي انخفضت أسهمها بنسبة 14 في المائة تقريباً بعد نشر «رويترز» تقريرها، في بيان لسوق الأسهم، إنها استفسرت من الشركة الأم وعلمت أنها لم تتلق أي إشعار رسمي من السلطات الأميركية ذات الصلة.
وفي وقت لاحق من يوم أمس، خفضت شركة «برينشتاين ريسيرش» تصنيف أسهم شركة ٍ«سي إن أو أو سي» الأم، إلى «أداء السوق» من خلال تطبيق خصم بنسبة 30 في المائة على أهداف أسعار الأسهم، مشيرة إلى أخطار العقوبات التي تتراوح بين حظر الأموال الأميركية التي تمتلك أسهم الشركة ومنع الشركات الأميركية من التعامل معها.
يذكر أن شركة «إس إم آي سي» التي تعتمد بشكل كبير على المعدات من الموردين الأميركيين، كانت بالفعل هدفاً لعقوبات واشنطن. فقد أبلغت وزارة التجارة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعض الشركات أنها في حاجة إلى الحصول على ترخيص قبل توريد السلع والخدمات إلى تلك الشركة، بعد أن خلصت إلى وجود «خطر غير مقبول» من أن المعدات الموردة لها يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية.
واعتبرت هذه الخطوات أنها تهدف إلى تثبيت إرث الرئيس ترمب تجاه الصين، وإلزام بايدن بسياسات متشددة من بكين وسط مشاعر معادية للصين من الحزبين في الكونغرس.
واعتبرت القائمة الجديدة بأنها جهد أوسع من قبل واشنطن لاستهداف ما تعتبره محاولات من بكين لتجنيد الشركات وتسخير تقنياتها المدنية الناشئة للأغراض العسكرية.
وذكرت وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي، أن إدارة ترمب على وشك تصنيف 89 شركة طيران صينية وشركات أخرى بأن لديها علاقات مع الجيش الصيني؛ مما يقيدها من شراء مجموعة من السلع والتكنولوجيا الأميركية.
ومنذ عام 1999 صدر قانون يطالب البنتاغون بتجميع قائمة بالشركات «العسكرية الصينية الشيوعية» المملوكة أو التي يسيطر عليها جيش التحرير الشعبي. لكن وزارة الدفاع امتثلت فقط في عام 2020، وأضيفت شركة «هيكفيشن» العملاقة مع شركة «تشاينا تيليكوم وتشاينا موبايل» إلى القائمة في بداية هذا العام. ونشر البيت الأبيض هذا الشهر أمراً تنفيذياً، سعى إلى إضفاء مزيد من القوة على القائمة من خلال منع المستثمرين الأميركيين من شراء الأوراق المالية للشركات المدرجة في القائمة السوداء اعتباراً من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.
وقال الخبراء، إنه من غير المرجح أن يوجه التوجيه ضربة قوية لتلك الشركات بسبب نطاقه المحدود وعدم اليقين بشأن موقف إدارة بايدن والممتلكات الضئيلة بالفعل من الأموال الأميركية. لكن الإجراء إلى جانب الإجراءات الأخرى يعمّق بالفعل من الخلافات بين واشنطن وبكين، وهما بالفعل في خلاف حول طريقة تعامل الصين مع فيروس كورونا وحملتها على هونغ كونغ. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، رداً على سؤال بشأن الخطوة المزمعة لواشنطن، إن الصين تأمل ألا تقيم الولايات المتحدة حواجز وعقبات أمام التعاون وتميز ضد الشركات الصينية. وسعى الكونغرس والإدارة الأميركية بشكل متزايد إلى الحد من وصول الشركات الصينية إلى الأسواق الأميركية التي لا تمتثل للقواعد التي يواجهها المنافسون الأميركيون، على الرغم من اعتراض وول ستريت على تلك الإجراءات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟