من هجر المدن إلى تطور العلوم... هكذا سيؤثر «كورونا» على عالمنا مستقبلاً

لفت بعض المشاركين إلى أنهم يكافحون من أجل تحفيز أنفسهم على العمل أثناء وجودهم بالمنزل (رويترز)
لفت بعض المشاركين إلى أنهم يكافحون من أجل تحفيز أنفسهم على العمل أثناء وجودهم بالمنزل (رويترز)
TT
20

من هجر المدن إلى تطور العلوم... هكذا سيؤثر «كورونا» على عالمنا مستقبلاً

لفت بعض المشاركين إلى أنهم يكافحون من أجل تحفيز أنفسهم على العمل أثناء وجودهم بالمنزل (رويترز)
لفت بعض المشاركين إلى أنهم يكافحون من أجل تحفيز أنفسهم على العمل أثناء وجودهم بالمنزل (رويترز)

كشف تقرير جديد نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، نقلاً عن بعض الخبراء والمحللين، عن التوقعات المستقبلية للآثار التي سيتركها وباء «كورونا» المستجد على عالمنا.
وأكد الخبراء أن هذه آثار تشمل عدة مجالات هي:

- المدن:

لقد اضطر بعض الناس إلى العمل من المنزل بعد تفشي فيروس «كورونا» المستجد، الأمر الذي سلط الضوء على أهمية توفير مساحة مناسبة للمعيشة، تحتوي على مكان مفتوح يتيح للأشخاص التواصل اجتماعياً مع غيرهم دون خوف من أي عدوى.
ونتيجة لذلك، فقد أكد الخبراء حدوث تحول كبير في أولويات الأشخاص؛ حيث بدأ كثيرون يفكرون في الانتقال إلى الريف والقرى؛ حيث تكون المنازل أكبر حجماً وأرخص سعراً ومحاطة بمساحات خضراء واسعة.
ويمكن أن تساعد هذه التغييرات في معالجة أزمة السكن التي يعاني منها كثير من المدن حول العالم.

- التفاعل:

أدى فيروس «كورونا» المستجد إلى تقليل التفاعل بين البشر بشكل كبير؛ حيث مكث ملايين الأشخاص في منازلهم لأشهر مع أسرهم فقط دون استقبال أو زيارة أحد؛ بل اقتصر التواصل بينهم وبين غيرهم على الاتصال بالفيديو، من خلال تطبيقات التراسل ومواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقاً للخبراء، فإن هذا الوضع أثر على كثيرين الذين أصبحوا أكثر رغبة في صنع مساحة شخصية لهم ولأُسرهم، لا يتعدى عليها أحد.
فقد أكد الخبراء أن بعض الأشخاص فوجئوا بقدرتهم على التكيف مع البقاء في المنزل دون استقبال أحد؛ بل إنهم مع الوقت اعتبروا فكرة استقبال الآخرين أمراً غير مقبول، حتى بعد انتهاء الوباء مستقبلاً.
ومع ذلك، فإن الأشخاص بعد الوباء ستكون لديهم رغبة كبيرة في حضور الحفلات والكرنفالات الصاخبة خارج المنازل.
وأشار الخبراء إلى أن التفاعل بين الأشخاص سيتأثر أيضاً بسبب ازدياد معدلات القلق والاكتئاب نتيجة إغلاق «كورونا»؛ حيث إن تجربة العزلة والوحدة أثناء الإغلاق ستكون لها عواقب على العلاقات الشخصية، وهذه العواقب لن تختفي بطريقة سحرية باستخدام اللقاح.

- العلوم:

أدى الفشل في اختبار وتعقب وعزل الأفراد المصابين بـ«كورونا» في كثير من البلدان إلى تراكم أعداد مروعة من الوفيات، بينما تركت عدم القدرة على اقتناء مخزون كافٍ من معدات الحماية الشخصية عدداً لا يحصى من العاملين الصحيين معرضين للخطر والمرض.
وقد دفعت هذه المشكلات كثيراً من العلماء إلى ابتكار وتطوير اختبارات متنوعة للكشف عن الإصابة بـ«كورونا» بشكل سريع ودقيق، وكذلك ابتكار أقنعة وجه مصممة خصيصاً لحماية الأطباء والعاملين في الرعاية الصحية.
بالإضافة إلى ذلك، تسابق العلماء حول العالم لتطوير لقاح ضد الفيروس في أسرع وقت ممكن، وقد أثبتت 3 لقاحات حتى الآن فاعليتها بشكل كبير، هي لقاحات «أكسفورد» و«فايزر» و«موديرنا».

- سياسة:

كشفت استطلاعات للرأي أُجريت على الناخبين الأميركيين، أن أولئك القلقين بشأن زيادة عدد الإصابات الناتجة عن فيروس «كورونا» المستجد صوتوا لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، في حين انحاز الأشخاص الذين أرادوا إعادة فتح الاقتصاد إلى الرئيس دونالد ترمب.
ويعني ذلك أن الوباء كان له التأثير الأكبر على نتيجة الانتخابات الأميركية، وهذا الأمر سيكون درساً كبيراً للسياسيين والقادة العالميين مستقبلاً؛ حيث سيقومون بالتفكير أكثر من مرة عند مواجهة أي أزمة كبيرة لعدم إغضاب شعبهم، ومواجهة المصير نفسه لترمب.

- الثقافة:

يقول الخبراء إن الأزمات تؤدي إلى مزيد من الإبداع الثقافي والأدبي بشكل تلقائي، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يحدث بعد انتهاء وباء «كورونا»؛ خصوصاً مع اشتياق كثير من الأشخاص إلى المسارح والسينمات التي تم إغلاقها بسبب الفيروس.

- العمل:

يمكن أن يغير تفشي فيروس «كورونا» شكل وطريقة العمل بشكل دائم؛ حيث تجد الشركات التي اضطرت إلى اتباع نظام العمل عن بعد بسبب الوباء، أن موظفيها يؤدون مهامهم بشكل أفضل من المنزل.
لكن في الوقت ذاته، قد يشكل إغلاق المكاتب للأبد أزمة لبعض الأشخاص الذين لا يمكنهم أداء أعمالهم عن بعد، مثل عمال النظافة، والذين تأثروا بشدة جراء تفشي الوباء.
ويتوقع الخبراء حدوث زيادة كبيرة في مرتبات بعض الفئات في المستقبل؛ خصوصاً الفئات التي كانت أكثر تعرضاً للخطر أثناء الوباء، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية.


مقالات ذات صلة

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

آسيا قوات أمنية تقف خارج معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (رويترز)

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

حذر خبراء من أن العلماء الصينيين يخططون لإجراء تجارب «مشؤومة» مماثلة لتلك التي ربطها البعض بتفشي جائحة «كوفيد - 19».

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ وسط ازدياد عدم الثقة في السلطات الصحية وشركات الأدوية يقرر مزيد من الأهل عدم تطعيم أطفالهم (أ.ف.ب) play-circle

مخاوف من كارثة صحية في أميركا وسط انخفاض معدلات التطعيم

يحذِّر العاملون في المجال الصحي في الولايات المتحدة من «كارثة تلوح في الأفق» مع انخفاض معدلات التطعيم، وتسجيل إصابات جديدة بمرض الحصبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جائحة كورونا نشأت «على الأرجح» داخل مختبر ولم تكن طبيعية (أ.ف.ب)

فيروس كورونا الجديد في الصين... هل يهدد العالم بجائحة جديدة؟

أثار إعلان علماء في معهد «ووهان» لعلم الفيروسات عن اكتشاف فيروس كورونا جديد يُعرف باسم «HKU5 - CoV - 2» قلقاً عالمياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك عالمة تظهر داخل مختبر معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (إ.ب.أ)

يشبه «كوفيد»... اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في مختبر صيني

أعلن باحثون في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات في الصين، أنهم اكتشفوا فيروس «كورونا» جديداً في الخفافيش يدخل الخلايا باستخدام البوابة نفسها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» بنيويورك (أ.ب)

دراسة: بعض الأشخاص يصابون بـ«متلازمة ما بعد التطعيم» بسبب لقاحات «كوفيد-19»

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن اللقاحات التي تلقّاها الناس، خلال فترة جائحة «كوفيد-19»، منعت ملايين الوفيات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».