المركز الإعلامي لـ«قمة العشرين»... أدوات تمكينية تتجاوز التغطية الاقتصادية

السعودية جهزته بأحدث التقنيات... واستوعب أكثر من 250 إعلامياً من مختلف الوسائل في العالم

استوعب المركز الإعلامي أكثر من 250 إعلامياً من حول العالم
استوعب المركز الإعلامي أكثر من 250 إعلامياً من حول العالم
TT

المركز الإعلامي لـ«قمة العشرين»... أدوات تمكينية تتجاوز التغطية الاقتصادية

استوعب المركز الإعلامي أكثر من 250 إعلامياً من حول العالم
استوعب المركز الإعلامي أكثر من 250 إعلامياً من حول العالم

يصاحب القمم والمؤتمرات الكبرى التي تكون غالباً على مستويات قادة دول، والتي تناقش قضايا ذات أهمية عالية، تغطيات إعلامية تتواكب مع مستوى الحدث. وفي العادة أيضاً أن تكون نقطة التقاء التغطيات الإعلامية في المراكز الإعلامية لها، التي تتحول إلى «مطابخ» صحافية ضخمة، تبث من خلالها آلاف الأخبار والتقارير والحوارات والقصص الصحافية بمختلف أشكالها، سواءً مكتوبة أو مرئية أو مسموعة، فتكشف تفاصيل ما دار في هذه المناسبات، وأبرز ما نطق به المسؤولين.
الأسبوع الماضي كان ختام قمة «مجموعة دول العشرين»، برئاسة المملكة العربية السعودية، التي عقدت عبر الاتصال المرئي، بسبب تداعيات جائحة «كوفيد - 19»، لكن ذلك لم يحل دون إنشاء مركز إعلامي لتسهيل احتياجات الإعلاميين في تغطية الحدث الاقتصادي الأكبر، وبالأخص، مع ظروف الجائحة.
والحال، أن السعودية أعدت مركزاً إعلامياً متميزاً لهذه القمة، في الفترة من 15 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، استوعب أكثر من 250 إعلاميا من مختلف الوسائل الإعلامية من حول العالم، مع أن القمة كانت تعقد افتراضياً. ولقد جهز المركز، الذي أنشئ في فندق كراون بلازا بالعاصمة الرياض، بأحدث التقنيات والتجهيزات الإعلامية لنقل وتغطية انطلاق أعمال القمة، بالإضافة إلى الاستعدادات الصحية، إذ كانت هناك فرق من وزارة الصحة للتأكد من سلامة الموقع، من ناحية قياس الحرارة وعدد الحاضرين في الموقع والإجراءات الوقائية المتبعة.
من جهة ثانية، لم تنحصر التغطية الإعلامية فقط على الحضور، بل كان هناك موقع إلكتروني يبث الجلسات والإحاطات الإعلامية وما يدور في القمة، وهو ما يمكن تسميته بأنه مركز إعلامي «افتراضي»، جعلت منه الرئاسة السعودية مركزاً إعلامياً مدمجاً (حضورياً وافتراضياً).
ومن ثم، شكل المركز الإعلامي موقعاً يجمع الإعلاميين، ويسهل لهم إنتاج موادهم الإعلامية، بفضل التسهيلات العديدة التي وفرت لمساعدتهم في ذلك، فكان حقاً «مطبخاً صحافياً» ضخماً، تتولد منه الحوارات والقصص والتقارير الصحافية والتلفزيونية، كما تصدر منه أهم الأخبار الاقتصادية التي ترسم مستقبل اقتصاد العالم، والحلول النوعية للمناخ، وغيرها العديد، كون أنها جمعت قادة العالم افتراضياً، بجانب مسؤولين ووزراء حضورياً في مقر المركز. وفي المقر نفسه، نظم المركز سلسلة من المؤتمرات الصحافية وحلقات النقاش للعديد من الوزراء والمسؤولين حول الأعمال والأنشطة المقامة على هامش القمة ومختلف المواضيع والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
ولعل هذا النجاح الذي تحقق بشكله الحضوري والافتراضي، يسلط الضوء على التجربة السعودية في استضافة قمم ومؤتمرات ضخمة. إذ سبق أن شهدت السعودية خلال السنوات الأربع الأخيرة نقلات نوعية في القمم التي استضافتها، والتي شارك فيها قادة عدد كبير من دول العالم، وهي التي صاحبها مراكز إعلامية ضخمة، وتواجد لمختلف الوسائل الإعلامية من حول العالم.

تجربة الإعلام الدولي

في المركز الإعلامي كان هناك إعلاميون، جاءوا من مختلف الوسائل الإعلامية من حول العالم، أحدهم، أيهم القاضي، الذي أثنى خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» على التغطية الإعلامية لـ«قمة العشرين»، وتابع «يمكنني اعتبار التغطية الإعلامية لقمة العشرين نموذجاً ناجحاً جداً يجب اتخاذه مثالاً وتعميمه في الأوساط الإعلامية من حيث أسلوب التغطيات الصحافية عن بعد، وبخاصةً بعد البروتوكولات الجديدة جراء جائحة كوفيد - 19 والتدابير الاحترازية التي تتخذها جميع الدول لمنع انتشار هذا الفيروس». وأردف أن «أي حدث عالمي بمستوى قمة العشرين يتطلب مواكبة صحافية مستمرة لحظة بلحظة وساعة بساعة، وهذا بالضبط ما وفره المركز الإعلامي للقمة».
ومما لفت الإعلامي القاضي، أن المركز الإعلامي «كان مجهزاً بجميع التقنيات المطلوبة، من إنترنت فائق السرعة، ومكاتب عمل، وإضاءة وصوت وشاشات عرض مع قنوات متاحة للترجمة، فضلاً عن أماكن الاستراحة والاجتماعات..... وكل هذه التسهيلات كانت تراعي مبدأ التباعد والتعقيم والحفاظ على الصحة العامة». وتابع قائلاً «إن هذا العمل الناجح لا شك يقف خلفه جيش من المنظمين والتقنيين والجنود المجهولين الذين وفروا كل هذه السهولة للحصول على المعلومة وإرسالها إلى القنوات والمحطات العالمية».

دعم بأحدث التقنيات

وفي سياق متصل، قدمت رئاسة السعودية لـ«قمة مجموعة العشرين» خدمة مجانية للأقمار الصناعية والألياف والتوزيع الرقمي للبث المباشر لقمة قادة المجموعة، إضافة إلى أماكن الوقوف واستوديوهات التلفزيون وأجنحة التحرير في المركز الإعلامي الدولي بالرياض. وكذلك، حرصت على الوصول إلى بث الناقل الإعلامي الرسمي، ووضع حجوزات فردية لأماكن الوقوف واستوديوهات التلفزيون وأجنحة التحرير، مع إرسال إشارة البث إلى كل ركن من أركان العالم، ووفر المركز أيضاً مسؤولي خدمة تواصل لمساعدة الإعلاميين في استفساراتهم، وحجز غرف المقابلات الشخصية، وتوفير الجداول الزمنية المحدثة، وغيرها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المركز الإعلامي للقمة جهز بأحدث وسائل الاتصال من أجهزة كومبيوتر وشبكة إنترنت وأجهزة للفاكس والطباعة. وأيضاً وفر له مكتب ووسائل عرض للمعلومات، وقاعة مؤتمرات صحافية، وغرف اجتماعات، وغرفة إحاطة، ومنشآت، وخدمات الناقل الإعلامي الرسمي، ومكتب حجوزات، ومواقع وقوف داخلية للبث، وكبائن إذاعة وتحرير صوتي، وأماكن عمل. وكل هذا إضافة إلى استوديوهات للبث المباشر جهزت للكثير من القنوات المحلية والدولية كي تمارس مهامها في نقل هذا الحدث العالمي وإبراز من خلال استضافة المسؤولين البارزين للتحدث عن القمة وأهميتها وأبرز المواضيع المطروحة للبحث والنقاش على الصعد كافة. وفوق هذا كله، خصص المركز شاشات عرض داخل إحدى القاعات الكبرى بغرض نقل أعمال القمة لحظة بلحظة من داخل القاعة الرئيسة للقمة وعرضها للإعلاميين في المركز الإعلامي.
أيضاً تجدر الإشارة إلى أن مجموعة «إس تي سي» STC السعودية وفرت الممكن الرقمي لجدول أعمال رئاسة المملكة للقمة مؤمنة خدمة «الجيل الخامس» (5G) للمركز الإعلامي الدولي.
وشاركت «إس تي سي» داخل مقر المركز الإعلامي عبر معرض خاص بمنصة «هذه السعودية» التي تهتم بشكل أساسي بإعادة اكتشاف المملكة وفق منظور جديد، وإبراز المواقع السياحية والتراث الوطني بأسلوب تقني مبتكر، متيحةً بذا فرصة الاطلاع على أبرز المواقع السياحية السعودية للإعلاميين الدوليين المشاركين بتغطية القمة. ثم إنها حرصت على تعزيز تغطيتها التقنية بتوفير أكثر من 11 موقعا مدعوماً بأعلى السرعات، وتغطية جميع المواقع ودعمها بشبكات لاسلكية كي تخدم جميع الاحتياجات الرقمية للاجتماعات واللقاءات الافتراضية، بالإضافة إلى توفير مختلف الخدمات اللوجيستية والتقنية اللازمة لها.
وحول هذا الدور، قال المهندس ناصر الناصر، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إس تي سي»، إن نجاح القمة الافتراضية بالمملكة محفز كبير للمجموعة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات للمضي لكي تمضي قدماً في مسيرة السعودية الرقمية. وأكد الاعتزاز بما تحققه المملكة من إنجازات، كونهم يحرصون على تطبيق استراتيجيتهم في دعم الاستثمار في البنية التحتية وتسخير كل الحلول الذكية، وجميع الإمكانيات لمواكبة المتطلبات الوطنية والتطورات العالمية المستجدة.
وفيما يتعلق بالشق الثقافي التراثي، المشار إليه آنفاً، سعى المركز الإعلامي للتعريف بالثقافة السعودية وما تزخر به من تراث وماض عريق، إضافة إلى النهضة والازدهار في مختلف المجالات، وذلك عن طريق تخصيص جناح «استكشف المملكة العربية السعودية» في المركز الإعلامي. وكان القصد إبراز أثر «رؤية السعودية 2030» على الصعد كافة، والنتائج المتحققة من الرؤية لإيجاد مجتمع يتطلع للمستقبل، بالتوازي مع التراث والماضي العريق.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.