تمكن باحثون برازيليون من التوصل إلى ما سموه «كعب أخيل» أحد البروتينات المهمة لفيروس نقص المناعة البشرية، وهو البروتين المعروف باسم (Nef). وكعب أخيل مصطلح مستمد من الأساطير اليونانية القديمة ويستخدم للإشارة إلى نقطة ضعف في بناء قوي. وتوصل الباحثون إلى تحديدها في بروتين (Nef)، وهو الضروري لفيروس نقص المناعة البشرية ويمنحه القدرة على إحداث مرض الإيدز، ويمهد ذلك الطريق لتطوير فئة جديدة من الأدوية لاستهدافها.
وكانت نقطة الضعف المقصودة هي اكتشاف الباحثين بنية تربط هذا البروتين، بآخر يسمى (AP - 2)، ووجدوا أن هذا الالتقام الخلوي، هو الذي يمكّن البروتين من تخريب آليات الدفاع للخلايا البشرية، وتمكين فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر وتقريب أعراض الإيدز.
وخلال دراستين نُشرتا في دورية «الطبيعة البنائية والبيولوجيا الجزيئية»، نجح الباحثون أولاً في الحصول على البنية ثلاثية الأبعاد بين بروتيني (Nef) و(AP - 2)، واهتمت دراسات أخرى بإنتاج جزيء يشغل هذه المساحة لمنع تأثيرات البروتين من التقدم، وهذه «الصورة» يمكن أن تكون بمثابة الأساس لتطوير علاجات أخرى مضادة لفيروس نقص المناعة البشرية.
يقول لويس دا سيلفا بجامعة ساو باولو في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمؤسسة أبحاث ساو باولو، الجهة الممولة للأبحاث، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020: «كان من المعروف أن (Nef) يلعب دوراً حاسماً في تقدم آثار فيروس نقص المناعة البشرية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يستمر إنتاج البروتين من المريض في أثناء العلاج أو عند المرضى الذين لديهم حمل فيروسي صغير جداً بحيث لا يمكن اكتشافه، وهذا مرتبط بحالات مَرضية مشتركة للعدوى لا توجد أدوية لاستهدافها».
ومنذ اكتشاف أن الإيدز سببه فيروس نقص المناعة البشرية منذ ما يقرب من 40 عاماً، تعلم العلماء الكثير عن الآليات المعقدة التي يهاجم بها الفيروس جهاز المناعة، ويغزو الخلايا ويتحكم فيها، لكنهم لم يجدوا حتى الآن طريقة لمنع «Nef» مباشرةً، ويعرفون أنه بروتين متعدد الوظائف بآلية معقدة، وأنه ليس جزءاً من بنية فيروس نقص المناعة البشرية، ولكنه يعدل الخلايا للسماح للفيروس بالتكاثر.
وتعمل عدة فئات من العقاقير المضادة للفيروسات القهقرية على جهاز المناعة لمنع المراحل المختلفة من دورة تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية، وتقليل الحمل الفيروسي، وحتى وقف تطور المرض.
وتشمل مضادات الفيروسات القهقرية الأكثر شيوعاً مثبطات النسخ العكسي (نيوكليوزيد، والمثبطات العكسية الناسخة غير النيوكليوزيد)، والتي تعطل استخدام الفيروس للنسخة العكسية لنسخ مادته الوراثية والتكاثر داخل الخلايا الدفاعية، وهي تشمل أيضاً مثبطات الإنزيم البروتيني والإنترازي، والتي تعيق تكاثر الفيروس وغزو الخلايا على التوالي، ومثبطات الدخول، التي تمنع الفيروس من غزو خلايا الدفاع عن طريق منع مستقبلات مثل «CCR5».
وكل هذه العقاقير أدت إلى تقدم ملحوظ فيما يتعلق بتقليل معدلات الإصابة بمرض الإيدز والوفيات، لكن المقاومة الفيروسية والآثار الجانبية للأدوية تتطلب بحثاً مستمراً عن طرق جديدة لمكافحة الفيروس. وكان نحو 38 مليون شخص مصابين بالفيروس في جميع أنحاء العالم عام 2019 بما في ذلك 1.8 مليون طفل يبلغون من العمر 14 عاماً أو أقل، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز (UNAIDS)، والذي يقول أيضاً إن 67% حصلوا على العلاج المضاد للفيروسات، وفي البرازيل تُظهر إحصاءات وزارة الصحة إصابة نحو 866 ألف شخص بفيروس نقص المناعة البشرية عام 2019.
ونشر سيلفا ومجموعته البحثية في وقت مبكر من هذا العام دراسة توضح كيف يستخدم «Nef» بروتيناً خلوياً آخر يسمى (AP - 1G2) والرابط بين المسارين، وقامت المجموعة بتحليل تأثيرات «Nef» على الأغشية الداخلية للخلية المضيفة، ووصفت الآليات التي ينتهجها لاستخدام بروتين (AP - 1G2)، وإرسال المستقبل «CD4» إلى اليَحْلُول أو الجسم الحال أو المحلل (عضيات الخلية التي تحتوي على إنزيمات تكسر البروتينات والجزيئات الأخرى)، وهذا يساعد على إطلاق الفيروس من الخلايا لنشر العدوى.
والمستقبل (CD4) هو الذي يستخدمه فيروس نقص المناعة البشرية لغزو الخلايا، من أجل إرسال «CD4» و«MHC – I» إلى اليَحْلُول، يخطف «Nef» بروتيناً خلوياً ثالثاً شائعاً في كلا المسارين (AP - 2)، ويمكن أن تساعد هذه النتائج مجموعات بحثية أخرى في إظهار كيفية تفاعل «Nef» بالضبط مع البروتين الثالث.
من جانبه، يرى الدكتور محمد عواد، استشاري الفيروسات والوبائيات بوزارة الصحة المصرية، أن النجاح في التوصل لنقطة ضعف بروتين الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة البشرية، يجعلنا على موعد قريب مع دواء جديد من الأدوية التي يستخدمها المصابون، لكبح جماح الفيروس إلى أقصى حد ممكن، والتقليل من تكاثره، حتى لا يتطور الأمر إلى الإصابة بمرض الإيدز، وهو من شأنه أن يقلل من معدلات الوفاة والمعاناة بسبب الإصابة بالفيروس.
يقول عواد لـ«الشرق الأوسط»: «الدراسة تبشّر بدواء أكثر فاعلية في هذا الإطار، وهو ما من شأنه أن يفيد المريض والمجتمع، حيث إن الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية قادرة على وقف انتشار الفيروس في المجتمع، حيث تقلل من كميته في أجسامهم، مما يجعلهم أقل عرضة لنقله إلى الآخرين».
وأظهرت دراسة واسعة النطاق أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2011 على مستوى عدة بلدان من الشبكة المعنية بتجارب مكافحة فيروس الإيدز، أن هذه الأدوية قادرة على وقف سريان الفيروس بنسبة 96% بين الأزواج في الحالات التي يكون فيها أحدهما حاملاً للفيروس والآخر غير مصاب بعدواه.
الكشف عن «كعب أخيل» فيروس نقص المناعة البشرية
الكشف عن «كعب أخيل» فيروس نقص المناعة البشرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة