متظاهرو الناصرية يطالبون المرجعية الدينية والأمم المتحدة بحمايتهم

غداة مقتل وإصابة العشرات في صدامات مع أتباع الصدر

بعض أغلفة العيارات النارية التي أطلقت في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق جمعها ناشطون أمس غداة مواجهات بين أنصار التيار الصدري والحراك (أ.ف.ب)
بعض أغلفة العيارات النارية التي أطلقت في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق جمعها ناشطون أمس غداة مواجهات بين أنصار التيار الصدري والحراك (أ.ف.ب)
TT

متظاهرو الناصرية يطالبون المرجعية الدينية والأمم المتحدة بحمايتهم

بعض أغلفة العيارات النارية التي أطلقت في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق جمعها ناشطون أمس غداة مواجهات بين أنصار التيار الصدري والحراك (أ.ف.ب)
بعض أغلفة العيارات النارية التي أطلقت في ساحة الحبوبي بالناصرية جنوب العراق جمعها ناشطون أمس غداة مواجهات بين أنصار التيار الصدري والحراك (أ.ف.ب)

رغم حالة التوتر الشديدة القائمة منذ أشهر بين مقتدى الصدر وأتباعه من جهة، وجماعات الحراك في عموم العراق من جهة أخرى، فإن كثيرين لم يتوقعوا أن تصل الأمور بينهما إلى لحظة العنف التام والتصادم العلني بعد ما كانت لا تتجاوز حدود الانتقادات المتبادلة، مثلما حدث أول من أمس، وأسفرت عن مقتل وإصابة 94 شخصاً، بحسب مصادر صحية في محافظة ذي قار.
وبحسب المصادر، فإن «الحصيلة النهائية لأحداث الجمعة في مدينة الناصرية ارتفعت إلى 4 قتلى و90 جريحاً، 75 منهم تعرضوا للطعن بآلات حادة و15 بعيارات نارية.
ويقول الناشط أحمد الناصري إن «الصدامات تفجرت بعد قيام اتباع الصدر بنصب منصة للخطابة ورفع صور الصدر بالقرب من جسر الحضارات القريب من ساحة الحبوبي، ما أثار حفيظة جماعات الحراك، ودفعهم إلى الهتاف ضد الصدر وأتباعه ثم تطورت الأمور إلى مواجهة بين الطرفين». ويرى الناصري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «اتباع الصدر كانوا عازمين على ما يبدو على إزاحة الخيام في ساحة الحبوبي، حيث قامت سرايا السلام، الجناح العسكري للتيار باقتحامها ليلاً وتجريفها بالشفلات». ولم يستبعد الناصري «تفجر موجة جديدة من الصدامات في الأيام المقبلة بين أتباع الصدر وجماعات الحراك، فالصدر وأتباعه يريدون السيطرة على الحراك الاحتجاجي منذ أشهر، الأمر الذي يرفضه الحراك». وأضاف أن «جماعات الحراك استعادت السيطرة على ساحة الحبوبي صباح اليوم (أمس)، وقاموا ببناء مخيمات جديدة للاعتصام».
وهاجمت جماعات الحراك في ساحة الحبوبي، أمس، بشدة أتباع التيار الصدري واتهمتهم بارتكاب مجزرة ضدهم، وطالبت مرجعية النجف والأمم المتحدة بالتدخل لحمايتهم. وقالت في بيان إنها «كانت تتحضر لاستذكار مجزرة الزيتون في العام الماضي، التي ارتكبت بحق المتظاهرين العزل، وفي ظل هذا الظرف الحزين للاستذكار تفاجأنا باقتحام ساحة الحبوبي من قبل ميليشيات تابعة لإحدى الجهات الحزبية (التيار الصدري) التي اعترفت بالجريمة عبر بيانات تابعة لقيادتها، وهي محملة بكل أنواع الأسلحة، أقدمت على حرق وتجريف كل الخيام في الساحة دون وجه حق، وراح ضحية اقتحامها الجبان هذا شهداء وجرحى تجاوزوا المائة». وأضافت أن «هذه المجزرة وقعت أمام أنظار القوات الأمنية بكل صنوفها، ولم تقدم أي حماية لساحة الحبوبي، وكأن الأمر تم باتفاق بين الطرفين؛ أن الميليشيات سيطرت سيطرة مطلقة على مركز المحافظة بأسلحتها واستطاعت إسقاط المدينة بيدها». وطالبت «المرجعية الدينية العليا بالتدخل لحماية أرواح الشباب ومعاقبة الميليشيات المجرمة عبر تجريمها شرعياً وببيانات واضحة، والضغط معنا على الحكومة والأمم المتحدة لإيجاد مخرج لهذه الأزمة العصيبة، ونطالب الأمم المتحدة بالتدخل فوراً».
كما طالب البيان حكومة الكاظمي وحكومة ذي قار المحلية بتقديم استقالتهما لفشلهما في «حفظ هيبة الدولة وحماية أرواح الشعب وحماية حق الاحتجاج والرفض والتعبير».
بدوره، أعلن محافظ ذي قار ناظم الوائلي، أمس، تشكيل لجنة تحقيقية لتحديد المقصرين في الأحداث التي شهدتها المدينة. وقال الوائلي في بيان إن «اللجنة الأمنية العليا في محافظة ذي قار تتابع الأحداث التي شهدتها محافظتنا، وهي في حالة انعقاد مستمر، ووجهنا مديرية شرطة ذي قار بتشكيل لجنة تحقيقية لتحديد المقصرين بالحادث».
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمر، أول من أمس (الجمعة)، بفتح تحقيق في أحداث «الحبوبي»، وأقال قائد شرطة محافظة ذي قار وألغى إجازات حمل السلاح.
من جانبه، أدان السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيكي، أمس، أعمال العنف ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية. وقال هيكي في تغريدة عبر «تويتر»: «أدين العنف ضد المتظاهرين في الناصرية والمدن الأخرى، ليس هنالك أي مبرر لمثل هذا القتل اللامسؤول، أدعو السلطات العراقية إلى حماية المتظاهرين السلميين من الهجمات وتحقيق العدالة للضحايا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.