عون وبري يرميان «كرة التدقيق الجنائي» في مرمى الحكومة المستقيلة

TT

عون وبري يرميان «كرة التدقيق الجنائي» في مرمى الحكومة المستقيلة

بعد موافقة المجلس النيابي بالإجماع على رسالة الرئيس ميشال عون، التي طلب فيها إخضاع حسابات مصرف لبنان، وسائر الوزارات والمؤسسات، للتدقيق الجنائي من دون التذرُّع بالسرية المصرفية، فإن هذه الموافقة لن يكون لها مردود يدفع باتجاه الالتزام بخريطة الطريق الفرنسية لوقف الانهيار المالي والاقتصادي ما لم تقترن بآلية تنفيذية، وإلا ستبقى حبراً على ورق.
فالجلسة النيابية التي غابت عنها التجاذبات التي حالت دون إقحامها باشتباك سياسي، وأدارها رئيس البرلمان نبيه بري بحرفية عالية، انتهت إلى تبنّي مضامين الرسالة التي بعث بها الرئيس عون بإصدار قرار أو توصية لن تُنشر في الجريدة الرسمية، ولن تقترن بتوقيع صاحبها ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، لأنها خُصّصت للاستماع إلى الرسالة من دون أن تتمدّد باتجاه تحويلها إلى جلسة تشريعية تتيح قوننة التوصية باقتراح قانون تصادق عليه الهيئة العامة في البرلمان.
وتعزو مصادر نيابية السبب إلى التقيُّد بنص المادة 145 من النظام الداخلي للبرلمان، التي تحصر جدول أعمال الجلسة بالاستماع إلى رسالة رئيس الجمهورية، وتؤكد أن الرئيس بري بادر فور إقرار الهيئة العامة للتوصية، استجابة لطلب صاحب الرسالة، إلى فتح جلسة تشريعية خُصّصت لموافقة النواب على اقتراح القانون المقدّم من كتلة «التنمية والتحرير» النيابية برئاسة بري، والرامي إلى اعتبار جميع الضحايا الذين سقطوا في انفجار مرفأ بيروت شهداء الجيش اللبناني.
لذلك فإن تبنّي البرلمان لرسالة عون أعاد الكرة إلى مرمى الحكومة المستقيلة التي يُفترض أن تضع الآلية القانونية والقضائية لتطبيق التدقيق الجنائي المالي الذي لم يعد يقتصر على حسابات مصرف لبنان، وإنما بات يشمل الوزارات وجميع الإدارات والمصالح والصناديق، وبالتالي لا بد من التعاقد مع شركة بديلة لشركة التدقيق «آلفاريز آند مرسال»، التي فسخت العقد مع وزارة المالية لاستحالة الحصول على الوثائق والمستندات المالية.
وفي هذا السياق، قالت مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة المستقيلة ملزمة الآن بقوننة التدقيق الجنائي المالي في حسابات الدولة، مع أن هناك من يعارض إسناد هذه الصلاحية إلى حكومة مستقيلة، لأنها لا تستطيع الانعقاد إلا لظروف قاهرة واستثنائية لا تسري مفاعيلها على التدقيق في الحسابات المالية.
ولفتت المصادر إلى أنه من غير الجائز القفز فوق ضرورة قوننة عملية التدقيق، وهذا ما شهده شاهد من أهله، في إشارة إلى الموقف الذي صدر في نهاية الجلسة عن رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان، الذي كان شكّل رأس حربة في استهدافه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفي الضغط تأييداً لرسالة عون، وقالت إن لا مفر، كما قال، من قوننة التدقيق المالي.
وأكدت المصادر نفسها أنه كان سبق، بعد «اتفاق الطائف»، أن صادق البرلمان على موازنة حكومة مستقيلة، ورأت أن الحكومة الحالية لا تستطيع أن تتقدم بمشروع قانون تريد من خلاله قوننة التدقيق المالي، وعزت السبب إلى أمرين: الأول يعود إلى أن الأولوية يجب أن تُعطى لمناقشة موازنة العام المقبل، وبالتالي ليس في مقدورها أن تتجاهل هذا الأمر مع انقضاء المهلة الدستورية لإحالة مشروع الموازنة إلى البرلمان لمناقشته وإقراره.
أما الأمر الثاني فيعود، حسب المصادر النيابية، إلى أن الحكومة المستقيلة لا تستطيع التوقيع على عقد مع شركة للتدقيق المالي، لأنها في حاجة إلى عقد نفقة جديد لتغطية كلفة هذا التدقيق، وهذا ما يمنع الحكومة من تأمينها، لأنها تتولى تصريف الأعمال على نطاق ضيق.
وعليه، يبقى السؤال، كيف ستتصرف الحكومة؟ ومن أين ستؤمّن المال لشركة التدقيق الجديدة التي يُفترض أن تتعاقد معها؟ رغم أن هناك من يعزو إنهاء خدمات شركة التدقيق «آلفاريز آند مرسال» إلى أن مصرف فرنسا المركزي أوكل مهمة التدقيق إلى فريق تابع له، وكان انتدبه إلى بيروت ليساهم في التدقيق في الحسابات.
ويفتح هذا السؤال الباب أمام ما يتردد في الغرف الضيقة من وجود توجُّه لتعويم حكومة دياب، مع أنه سيلقى حكماً معارضة نيابية، وأشيع أخيراً بأن دياب ليس في وارد السير في تعويم حكومته التي باتت تفتقد إلى حد أدنى من التضامن الوزاري، إضافة إلى أنها تُعتبر قفزة في المجهول، ويراد منها الالتفاف على الجهود الفرنسية لتبديد العراقيل التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة الجديدة.
كما أن تعويم حكومة دياب سيصطدم بمخالفة دستورية، وبرفض دولي سيضطر إلى أن يطبق المزيد من الحصار عليها، مع أن هناك من يبرر مثل هذه الخطوة بوجود سابقة قبل «اتفاق الطائف» أدت إلى تعويم حكومة الرئيس سليم الحص بعد أن قدّم استقالته إلى رئيس الجمهورية آنذاك إلياس سركيس.
وفي ضوء ما تقدّم يمكن القول بأن لا حل أمام عون لتفعيل القرار الخاص بالتدقيق الجنائي المالي إلا بالمبادرة لاستئناف المشاورات مع الرئيس المكلّف سعد الحريري، وصولاً إلى تفاهم لتسريع ولادة الحكومة، بعد أن ثبت أن الإبقاء على تصريف الأعمال سيزيد من تأزُّم الوضع، وسيرتدّ سلباً على «العهد القوي» الذي لن يكون في مقدوره أن يحرّك ساكناً لتحريك التدقيق المالي.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).