خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

رئيس الائتلاف السوري.. طبيب دمشقي يمارس مهنته بالعباءة التركية

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال
TT

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

غم كل المساعي التي يبذلها الرئيس الجديد للائتلاف السوري المعارض خالد خوجة والمجموعة المقربة منه لتظهير انتصار دور سوري محض بعملية انتخابه، لا يمكن لأي متابع لمسيرته إلا ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تجمعه بتركيا التي لجأ إليها منذ ثمانينات العام الماضي، فدرس وعاش فيها حتى تعيينه سفيرا للائتلاف فيها.
خوجة السوري - التركي الجنسية، يأخذ عليه معارضون سوريون أنّه تركي أكثر منه سوريا، زاعمين أنّه انتمى لفترة طويلة للحزب الحاكم، وهو ما ينفيه مقربون منه نفيا قاطعا مؤكدين أنّه لم ينخرط في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان ولم ينشط يوما في الحياة السياسية التركية، رغم إتقانه اللغة التركية، وظلت وجهته ومشروعه سوريا محضا. لكن خوجه تواجهه تحديات جمة في عالم متناقضات سوري تعد مهمة أشبه بالسير على الحبال.
رورغم أن خوجة لم يحظ خلال عملية انتخابه مطلع الشهر الجاري بأكثرية كبيرة من أصوات أعضاء الائتلاف، ففاز بغالبية 56 صوتا في مقابل 50 صوتا لمنافسه نصر الحريري، فإن التفاف معظم الكتل السياسية المكونة للائتلاف حوله، أعطى انطلاقته نوعا من الزخم قد يكون الرؤساء السابقون للائتلاف افتقروا إليه باعتبارهم كانوا إلى حد كبير محسوبين ومن دون أي لبس على محاور إقليمية معروفة ما خلق وبشكل تلقائي عداوة وتنافسا حادا بينهم وبين عدد من الكتل المنتمية إلى المحور الإقليمي المقابل.
وقد خرج عضو الائتلاف سمير نشار، المقرب من خوجة وفور إعلان انتخابه رئيسا، ليعلن خسارة الإخوان المسلمين وفوز القوى الديمقراطية والمدنية والإسلام الوسطي المعتدل داخل الائتلاف، معربا عن تفاؤله بأن الائتلاف مع «القيادة الجديدة سيعمل على إعادة الثورة السورية إلى المسار الصحيح، ويعمل على بناء خط وطني ملتزم بالثورة وبتغيير الأسد وإقامة دولة مدنية تعددية في سوريا بعيدا عن أي إقصاء أو تهميش». ولم يتأخر الرئيس الجديد لأكبر مؤسسة سورية معارضة بإمساك دفة القيادة معلنا وبعد ساعات من عملية انتخابه، رفضه أي حوار مع السلطات السورية في موسكو، لافتا إلى أنّه «لا يمكن الجلوس مع النظام إلى طاولة واحدة إلا في إطار عملية تفاوضية تحقق انتقالا سلميا للسلطة وتشكيلا لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة».
وشدّد خوجة في أولى تصريحاته الصحافية على أن إيران وروسيا هما «أكبر داعمين لنظام الأسد وتسعيان للتسوية والحوار بشرط بقاء الأسد، وهو أمر لا تقبل به القوى الثورية والسياسية التي تمثل غالبية الشعب السوري». وعزا خوجة السبب الرئيسي في تمدد تنظيم «داعش الإرهابي» إلى عدم وجود «استراتيجية سياسية وعسكرية واضحة لدى أصدقاء الشعب السوري في مواجهة آلة القتل لنظام الأسد التي تفتك بالسوريين منذ ما يقارب الـ4 سنوات». وقال إن من الأسباب الأخرى لتمدّد «داعش» عدم تقديم العسكري اللازم للثوار من
أجل مواجهة قوات الأسد، معتبرا أن «نظام الأسد يعاني من تفكك قوته العسكرية وانحسار الدعم من بيئته، وقوته تقتصر اليوم على السلاح الجوي فقط وخاصة البراميل المتفجرة، أما في الميدان فإنّه يعتمد على الميليشيات الشيعية الطائفية».
ولم تلاق بقية مكونات المعارضة بإيجابية التصريحات الأولى لخوجة، فاعتبرها أمين سر هيئة التنسيق الوطنية السورية ماجد حبو «لا تساهم بالتوصل لتوافقات حول حل سياسي للأزمة»، مشيرا إلى أنّه «وضع شروطا فيما يتعلق بمسألة التفاوض، التي تحتاج لمؤتمر وطني عام، تعيق المسار السياسي». وقرأت هيئة التنسيق بنتائج الانتخابات الأخيرة للائتلاف «تشددا إقليميا - دوليا، إن كان من خلال شخص رئيس الائتلاف أو الهيئة السياسية»، منبهة إلى أن الائتلاف بتشكيلته الحالية «يشكل رافعة لمشاريع قطرية - تركية - فرنسية».
ويشدّد عضو الهيئة السياسية أحمد رمضان على أن «انتخاب خوجة جاء بتنافس سوري - سوري بعيدا عن أي تأثيرات خارجية»، مستغربا الحديث عن أن فوزه انتصار لدور أنقرة. وقال رمضان لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن وجود خوجة في تركيا سمح له بنسج علاقة وثيقة مع المسؤولين الأتراك ولكن علاقاته وثيقة أيضا مع باقي الدول الصديقة للمعارضة السورية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والدول الخارجية الرئيسية». ويبدو أن خوجة حدّد باكرا سلم أولوياته، وفي هذا الإطار يتحدث رمضان عن 4 أولويات للرئيس الجديد، أولها، «مواجهة الاستحقاقات السياسية، وقد انطلق بهذه العملية من خلال تشكيل لجنة من الهيئة السياسية مهمتها العمل على تشجيع الحوار الداخلي مع فصائل المعارضة كافة». أما الأولوية الثانية لخوجة فالموضوع العسكري: «من خلال مسعاه لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أن يتم ذلك عبر وزارة الدفاع التي تعمل أصلا على وضع استراتيجية لمواجهة النظام وميليشياته وخطر الإرهاب العابر للحدود». ويأتي تفعيل عمل الحكومة المؤقتة بندا ثالثا على سلم أولويات خوجة، وهو سيسعى، كما يؤكد رمضان إلى توفير الظروف المناسبة لممارسة عملها من داخل الأراضي السورية.
ويبقى تعزيز وحدة الائتلاف والسعي لإيجاد آلية للحوار ما بين الكتل الأساسية المكونة له بندا أساسيا على أجندة خوجة بعدما التمس دعما من «التجمع الوطني السوري»، والذي يُعد أهم كتلة بالائتلاف، بحسب رمضان، وهي الكتلة التي كانت تدعم منافس خوجة، نصر الحريري.
وتعوّل مصادر معارضة على فريق العمل الذي يحيط بخوجة، مرجحة أن يكون أحد عناصر القوة المساعدة للطبيب الـخمسيني. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «انتخاب هشام مروة نائبا للرئيس، وهو شخصية متمرسة بالعمل السياسي والقانوني، من أبرز عوامل النجاح لولاية خوجة كما أن الهيئة السياسية التي تضم ممثلين من كل مكونات الائتلاف تعطي الرئيس رصيدا كبيرا من الخبرة».
ويستبعد باحث في الشؤون التركية أن يكون خوجة بصدد تنفيذ أجندة تركية خلال فترة ترؤسه الائتلاف، لافتا إلى أنّه «ورغم تمتعه بعلاقة ممتازة مع الجانب التركي، وعاش في تركيا ويتحدث التركية بطلاقة، لكنه أيضا شخصية إصلاحية منفتحة على جميع التيارات والتوجهات وهذا ينطبق على علاقاته مع الجماعات ومع الدول». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هدف خوجة الأساسي ليس تمتين علاقته مع دولة محددة، بقدر ما هو حشد علاقاته مع الدول المختلفة من أجل تحقيق الهدف المنشود».
وأشار إلى أن هناك «تحديات كبيرة تنتظر خوجة وقرارات حاسمة قد تتطلبها المرحلة لناحية المسار الروسي والمسار الأميركي والمسار العربي في القضية السورية»، وأضاف: «كما أن هناك بطبيعة الحال الوضع الداخلي المعقد للمعارضة.. لكنّه يمتلك ما يؤهله من قدرات وإمكانات لتجاوز هذه التحديات إذا ما تم العمل معه داخليا بروح الفريق وخارجيا أيضا بتعاون من دول الخليج العربي وتركيا».
وشاءت الصدف أن يكون الرئيس الجديد للائتلاف كخلفه هادي البحرة دمشقيا، فخوجة ولد في العاصمة السورية في يوليو (تموز) 1965، وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية هناك قبل أن يُسافر إلى ليبيا ليكمل تعليمه الثانوي في مدينة أوباري عام 1985 وينتقل بعدها إلى تركيا حيث درس العلوم السياسية بجامعة إسطنبول عام 1986.
ويُمارس خوجة مهنة الطب في تركيا منذ عام 1994 بعد تخرجه في إحدى جامعات أزمير، هو أسس مستشفيين ومستوصفين طبيين كما يعمل مستشار استثمار وتطوير وإدارة بالقطاع الطبي منذ أكثر من 20 عاما.
أما مرحلة النضال فدخلها باكرا جدا، بعدما تعرض خلال مراحل تعليمه لاعتقالين من قبل نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. هو اعتقل للمرة الأولى في عام 1980 لـ4 أشهر متتالية، ثم اعتقل ثانية في عام 1981 لمدة عام ونصف بسبب نشاط والده السياسي في نقابة الأطباء.
ظلّ خوجة يتابع عن كثب من الجارة التركية التطورات داخل بلده حتى اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. فشارك في الحراك الثوري مؤسسا «منبر التضامن مع الشعب السوري». هو يُعد أيضا من مؤسسي المجلس الوطني السوري، كما ساهم في تأسيس الائتلاف السوري المعارض ومشروع المجالس المحلية في سوريا. وتعيينه ممثلا للائتلاف في تركيا، جعله مقربا من دوائر القرار التركية وعلى تماس مع رجال القرار فيها كما مع معظم المسؤولين عن الملف السوري في الدول الداعمة للمعارضة السورية.
وسيكون على الرئيس الطبيب في الأيام المقبلة التعاطي مع استحقاقات كبيرة وأولها مساعي توحيد صفوف المعارضة في مؤتمر مرتقب في القاهرة، وبعدها سيكون عليه تقديم التبريرات المقنعة لقرار الائتلاف التغيب عن اجتماعات موسكو.
ويبقى التحدي الأكبر له قدرته على خلع العباءة التركية لارتداء عباءة سورية يجمع في ظلها كل مكونات المعارضة، على أن يكون الإنجاز الأكبر الذي قد يتحقق في عهده التوصل لصياغة ورقة تفاهمات تتجه بها المعارضة السورية موحدة إلى المحافل الدولية وتفاوض من خلالها النظام القائم باسم الشعب السوري مجتمعا.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».