خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

رئيس الائتلاف السوري.. طبيب دمشقي يمارس مهنته بالعباءة التركية

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال
TT

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

خالد خوجة.. ومهمة السير على الحبال

غم كل المساعي التي يبذلها الرئيس الجديد للائتلاف السوري المعارض خالد خوجة والمجموعة المقربة منه لتظهير انتصار دور سوري محض بعملية انتخابه، لا يمكن لأي متابع لمسيرته إلا ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تجمعه بتركيا التي لجأ إليها منذ ثمانينات العام الماضي، فدرس وعاش فيها حتى تعيينه سفيرا للائتلاف فيها.
خوجة السوري - التركي الجنسية، يأخذ عليه معارضون سوريون أنّه تركي أكثر منه سوريا، زاعمين أنّه انتمى لفترة طويلة للحزب الحاكم، وهو ما ينفيه مقربون منه نفيا قاطعا مؤكدين أنّه لم ينخرط في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان ولم ينشط يوما في الحياة السياسية التركية، رغم إتقانه اللغة التركية، وظلت وجهته ومشروعه سوريا محضا. لكن خوجه تواجهه تحديات جمة في عالم متناقضات سوري تعد مهمة أشبه بالسير على الحبال.
رورغم أن خوجة لم يحظ خلال عملية انتخابه مطلع الشهر الجاري بأكثرية كبيرة من أصوات أعضاء الائتلاف، ففاز بغالبية 56 صوتا في مقابل 50 صوتا لمنافسه نصر الحريري، فإن التفاف معظم الكتل السياسية المكونة للائتلاف حوله، أعطى انطلاقته نوعا من الزخم قد يكون الرؤساء السابقون للائتلاف افتقروا إليه باعتبارهم كانوا إلى حد كبير محسوبين ومن دون أي لبس على محاور إقليمية معروفة ما خلق وبشكل تلقائي عداوة وتنافسا حادا بينهم وبين عدد من الكتل المنتمية إلى المحور الإقليمي المقابل.
وقد خرج عضو الائتلاف سمير نشار، المقرب من خوجة وفور إعلان انتخابه رئيسا، ليعلن خسارة الإخوان المسلمين وفوز القوى الديمقراطية والمدنية والإسلام الوسطي المعتدل داخل الائتلاف، معربا عن تفاؤله بأن الائتلاف مع «القيادة الجديدة سيعمل على إعادة الثورة السورية إلى المسار الصحيح، ويعمل على بناء خط وطني ملتزم بالثورة وبتغيير الأسد وإقامة دولة مدنية تعددية في سوريا بعيدا عن أي إقصاء أو تهميش». ولم يتأخر الرئيس الجديد لأكبر مؤسسة سورية معارضة بإمساك دفة القيادة معلنا وبعد ساعات من عملية انتخابه، رفضه أي حوار مع السلطات السورية في موسكو، لافتا إلى أنّه «لا يمكن الجلوس مع النظام إلى طاولة واحدة إلا في إطار عملية تفاوضية تحقق انتقالا سلميا للسلطة وتشكيلا لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة».
وشدّد خوجة في أولى تصريحاته الصحافية على أن إيران وروسيا هما «أكبر داعمين لنظام الأسد وتسعيان للتسوية والحوار بشرط بقاء الأسد، وهو أمر لا تقبل به القوى الثورية والسياسية التي تمثل غالبية الشعب السوري». وعزا خوجة السبب الرئيسي في تمدد تنظيم «داعش الإرهابي» إلى عدم وجود «استراتيجية سياسية وعسكرية واضحة لدى أصدقاء الشعب السوري في مواجهة آلة القتل لنظام الأسد التي تفتك بالسوريين منذ ما يقارب الـ4 سنوات». وقال إن من الأسباب الأخرى لتمدّد «داعش» عدم تقديم العسكري اللازم للثوار من
أجل مواجهة قوات الأسد، معتبرا أن «نظام الأسد يعاني من تفكك قوته العسكرية وانحسار الدعم من بيئته، وقوته تقتصر اليوم على السلاح الجوي فقط وخاصة البراميل المتفجرة، أما في الميدان فإنّه يعتمد على الميليشيات الشيعية الطائفية».
ولم تلاق بقية مكونات المعارضة بإيجابية التصريحات الأولى لخوجة، فاعتبرها أمين سر هيئة التنسيق الوطنية السورية ماجد حبو «لا تساهم بالتوصل لتوافقات حول حل سياسي للأزمة»، مشيرا إلى أنّه «وضع شروطا فيما يتعلق بمسألة التفاوض، التي تحتاج لمؤتمر وطني عام، تعيق المسار السياسي». وقرأت هيئة التنسيق بنتائج الانتخابات الأخيرة للائتلاف «تشددا إقليميا - دوليا، إن كان من خلال شخص رئيس الائتلاف أو الهيئة السياسية»، منبهة إلى أن الائتلاف بتشكيلته الحالية «يشكل رافعة لمشاريع قطرية - تركية - فرنسية».
ويشدّد عضو الهيئة السياسية أحمد رمضان على أن «انتخاب خوجة جاء بتنافس سوري - سوري بعيدا عن أي تأثيرات خارجية»، مستغربا الحديث عن أن فوزه انتصار لدور أنقرة. وقال رمضان لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن وجود خوجة في تركيا سمح له بنسج علاقة وثيقة مع المسؤولين الأتراك ولكن علاقاته وثيقة أيضا مع باقي الدول الصديقة للمعارضة السورية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والدول الخارجية الرئيسية». ويبدو أن خوجة حدّد باكرا سلم أولوياته، وفي هذا الإطار يتحدث رمضان عن 4 أولويات للرئيس الجديد، أولها، «مواجهة الاستحقاقات السياسية، وقد انطلق بهذه العملية من خلال تشكيل لجنة من الهيئة السياسية مهمتها العمل على تشجيع الحوار الداخلي مع فصائل المعارضة كافة». أما الأولوية الثانية لخوجة فالموضوع العسكري: «من خلال مسعاه لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أن يتم ذلك عبر وزارة الدفاع التي تعمل أصلا على وضع استراتيجية لمواجهة النظام وميليشياته وخطر الإرهاب العابر للحدود». ويأتي تفعيل عمل الحكومة المؤقتة بندا ثالثا على سلم أولويات خوجة، وهو سيسعى، كما يؤكد رمضان إلى توفير الظروف المناسبة لممارسة عملها من داخل الأراضي السورية.
ويبقى تعزيز وحدة الائتلاف والسعي لإيجاد آلية للحوار ما بين الكتل الأساسية المكونة له بندا أساسيا على أجندة خوجة بعدما التمس دعما من «التجمع الوطني السوري»، والذي يُعد أهم كتلة بالائتلاف، بحسب رمضان، وهي الكتلة التي كانت تدعم منافس خوجة، نصر الحريري.
وتعوّل مصادر معارضة على فريق العمل الذي يحيط بخوجة، مرجحة أن يكون أحد عناصر القوة المساعدة للطبيب الـخمسيني. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «انتخاب هشام مروة نائبا للرئيس، وهو شخصية متمرسة بالعمل السياسي والقانوني، من أبرز عوامل النجاح لولاية خوجة كما أن الهيئة السياسية التي تضم ممثلين من كل مكونات الائتلاف تعطي الرئيس رصيدا كبيرا من الخبرة».
ويستبعد باحث في الشؤون التركية أن يكون خوجة بصدد تنفيذ أجندة تركية خلال فترة ترؤسه الائتلاف، لافتا إلى أنّه «ورغم تمتعه بعلاقة ممتازة مع الجانب التركي، وعاش في تركيا ويتحدث التركية بطلاقة، لكنه أيضا شخصية إصلاحية منفتحة على جميع التيارات والتوجهات وهذا ينطبق على علاقاته مع الجماعات ومع الدول». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هدف خوجة الأساسي ليس تمتين علاقته مع دولة محددة، بقدر ما هو حشد علاقاته مع الدول المختلفة من أجل تحقيق الهدف المنشود».
وأشار إلى أن هناك «تحديات كبيرة تنتظر خوجة وقرارات حاسمة قد تتطلبها المرحلة لناحية المسار الروسي والمسار الأميركي والمسار العربي في القضية السورية»، وأضاف: «كما أن هناك بطبيعة الحال الوضع الداخلي المعقد للمعارضة.. لكنّه يمتلك ما يؤهله من قدرات وإمكانات لتجاوز هذه التحديات إذا ما تم العمل معه داخليا بروح الفريق وخارجيا أيضا بتعاون من دول الخليج العربي وتركيا».
وشاءت الصدف أن يكون الرئيس الجديد للائتلاف كخلفه هادي البحرة دمشقيا، فخوجة ولد في العاصمة السورية في يوليو (تموز) 1965، وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية هناك قبل أن يُسافر إلى ليبيا ليكمل تعليمه الثانوي في مدينة أوباري عام 1985 وينتقل بعدها إلى تركيا حيث درس العلوم السياسية بجامعة إسطنبول عام 1986.
ويُمارس خوجة مهنة الطب في تركيا منذ عام 1994 بعد تخرجه في إحدى جامعات أزمير، هو أسس مستشفيين ومستوصفين طبيين كما يعمل مستشار استثمار وتطوير وإدارة بالقطاع الطبي منذ أكثر من 20 عاما.
أما مرحلة النضال فدخلها باكرا جدا، بعدما تعرض خلال مراحل تعليمه لاعتقالين من قبل نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. هو اعتقل للمرة الأولى في عام 1980 لـ4 أشهر متتالية، ثم اعتقل ثانية في عام 1981 لمدة عام ونصف بسبب نشاط والده السياسي في نقابة الأطباء.
ظلّ خوجة يتابع عن كثب من الجارة التركية التطورات داخل بلده حتى اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. فشارك في الحراك الثوري مؤسسا «منبر التضامن مع الشعب السوري». هو يُعد أيضا من مؤسسي المجلس الوطني السوري، كما ساهم في تأسيس الائتلاف السوري المعارض ومشروع المجالس المحلية في سوريا. وتعيينه ممثلا للائتلاف في تركيا، جعله مقربا من دوائر القرار التركية وعلى تماس مع رجال القرار فيها كما مع معظم المسؤولين عن الملف السوري في الدول الداعمة للمعارضة السورية.
وسيكون على الرئيس الطبيب في الأيام المقبلة التعاطي مع استحقاقات كبيرة وأولها مساعي توحيد صفوف المعارضة في مؤتمر مرتقب في القاهرة، وبعدها سيكون عليه تقديم التبريرات المقنعة لقرار الائتلاف التغيب عن اجتماعات موسكو.
ويبقى التحدي الأكبر له قدرته على خلع العباءة التركية لارتداء عباءة سورية يجمع في ظلها كل مكونات المعارضة، على أن يكون الإنجاز الأكبر الذي قد يتحقق في عهده التوصل لصياغة ورقة تفاهمات تتجه بها المعارضة السورية موحدة إلى المحافل الدولية وتفاوض من خلالها النظام القائم باسم الشعب السوري مجتمعا.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.