مقاتلو سوريا.. 70 فصيلا رئيسيا يتحكمون في 60 % من الجغرافيا

قدرات قوات المتشددين تهدد فعالية خطط تدريب المعتدلين

مقاتلو سوريا.. 70 فصيلا رئيسيا يتحكمون في 60 % من الجغرافيا
TT

مقاتلو سوريا.. 70 فصيلا رئيسيا يتحكمون في 60 % من الجغرافيا

مقاتلو سوريا.. 70 فصيلا رئيسيا يتحكمون في 60 % من الجغرافيا

لا ينظر إلى المقاتلين السوريين المعارضين المعتدلين الذين تنوي تركيا تدريبهم على أراضيها، بدءا من أوائل الربيع المقبل، على أنهم القوة الكافية لقتال المتشددين في سوريا.
فالمقاتلون الـ5000 الذين يتحضرون للانخراط في معسكرات التدريب التي ستشرف عليها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، لا يساوون جزءا يسيرا من تعداد المقاتلين السوريين المتشددين الذين يسيطرون على أكثر من 60 في المائة من الجغرافيا السورية، بدءا من الحدود العراقية شرقا، وصولا إلى الحدود التركية شمالا، إضافة إلى نقاط تجمعهم في الداخل والوسط وجنوب البلاد على الحدود الأردنية.
لا تملك قيادة الجيش السوري الحر تقديرات واضحة حول أعداد المقاتلين المتشددين في سوريا، وسط معلومات عن انشقاقات وانضمامات، وتبدل شهري لخريطة الولاءات في البلاد. جلّ ما تملكه، ترجيحات بأن يكون عدد مقاتلي تنظيم داعش «يفوقون الـ20 ألف مقاتل، بعد سيطرة التنظيم على أرياف دير الزور، وإجبار المقاتلين المعارضين المتخاصمين معه، على الانضمام إلى صفوفه أو الرحيل عن المنطقة»، كما تقول مصادر في «الحر» لـ«الشرق الأوسط»، بينما تقدر أعداد المقاتلين المنضوين إلى «جبهة النصرة»، وهي ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، بنحو 15 ألف مقاتل. وتقول المصادر إن أعداد «النصرة»، إذا ما أضيف إليها حلفاؤها، مثل «جند الشام» و«جند الأقصى» وكتائب إسلامية متشددة أخرى موجودة في الشمال وريف دمشق «يضاعف أعداد المقاتلين في محورها، ويجعلها القوة الموازية لـ(داعش) في عدد المقاتلين».
يعقّد انتشار أكثر من 70 فصيلا سوريا معارضا في البلاد، المشهد السوري، ما يصعب مهام الجيش السوري الحر، وقدرته على التأثير، وذلك بعد إقصائه، كما القوات النظامية، من أرياف واسعة من البلاد، وحصر وجوده في المدن، وبعض أرياف المحافظات السورية. ويقول مصدر في الحر: «صحيح أن الجيش السوري الحر يتألف من عدة كتائب وفصائل، لكنهم جميعا يأتمرون من القيادة المركزية، خلافا لفصائل متطرفة متعددة الولاءات، وتنقسم على أنفسها في كثير من المحافظات».
ويتصدر تنظيم داعش القوة العسكرية المعارضة في سوريا، نظرا إلى قدرته المالية وتجهيزاته العسكرية ومعداته وأسلحته، إضافة إلى خبرات مقاتليه، وخصوصا الأجانب منهم، علما بأن التنظيم يعد أكثر الفصائل التي استقطبت مقاتلين أجانب في صفوفها، يزيد عددهم على الـ3 آلاف مقاتل، وينتشرون في مناطق سيطرتها. قدرة «داعش» نفسها، بحسب المصادر: «أهلتها لتكون الأكثر قوة، والأوسع انتشارا وسيطرة في مناطق سورية، إذ تحكم السيطرة على أكثر من 40 في المائة من الجغرافيا المتصلة في البلاد، ولا تزال تقاتل على عدة محاور في الشرق (دير الزور)، وشرق حمص، وشمال البلاد في كوباني (شمال شرقي حلب) ومارع (شمال حلب)، إضافة إلى الشمال (الحسكة) وشمال شرقي حماه».
ولم يكن هذا الواقع قائما، في بداية 2014، قبل أن يتمدد تنظيم «داعش» في شرق البلاد وشمالها، منذ بدء عام 2014. فيما يُرجح أن يسيطر على أراض إضافية في الجنوب والوسط، بعد قضم المساحات التي يسيطر عليها خصومه في المعارضة، وذلك في العام الجديد، في حال لم تُقوّض جهوده التي بدأ التحالف العربي والدولي في ضربها منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وبينما يقاتل التنظيم للحفاظ على مكتسبات ميدانية حققها منذ سيطرته على الرقة في سبتمبر 2013. يتقدم ببطء على محوري شرق حمص وشرق حماه باتجاه منطقة السلمية التي تعد أهم النقاط الاستراتيجية بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كونها خط الإمداد الوحيد لقواته من حمص إلى منطقة حلب، حيث يخوض معارك عنيفة ضد مقاتلي المعارضة في محاولة لاستعادة أحياء واسعة في المدينة. ويقول معارضون إن معارك التنظيم تُدار بنظرة استراتيجية، تؤكد أن المقاتلين على الأرض يواكبون بتخطيط دقيق من وحدة القيادة والسيطرة العسكرية في التنظيم، تتيح للمقاتلين إدارة العمليات في مناطق واسعة، في توقيت واحد.
ورغم أن ضربات التحالف قوضت حركته إلى حد كبير، فإن التنظيم لا يزال بقدرة على خوض المعارك المتفرقة عبر شن سلسلة هجمات متزامنة على مقرات للقوات الحكومية ومعارضيه على حد سواء الحسكة وريف حلب، كان آخرها معارك مع الأكراد في الحسكة وكوباني، ومع الجيش السوري الحر و«جبهة النصرة» في مارع شمال حلب، فضلا عن تمدده حديثا إلى القلمون، والأنباء عن سيطرته على القلمون الشرقي، ما وضع مقاتلين معارضين فروا من دير الزور، وأهمهم فصيل «أسود الشرقية»، في مواجهته في القلمون بريف دمشق الشمالي.
ويقول معارضون إن «داعش» تضاعف كثيرة «نتيجة الولاءات التي اشتراها بالمال من مقاتلين متشددين كانوا يخاصمونه، وإجبار آخرين على الانضمام إليه، مقابل تجميد أحكام القتل بحقهم. وبرز ذلك، على نطاق واسع في دير الزور، كما في القلمون، حيث تشير تقديرات المطلعين إلى ارتفاع أعداد مقاتلي داعش من 300 ظهروا في شهر أغسطس (آب) الماضي في معركة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا، إلى ألف مقاتل في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويرى معارضون سوريون بارزون أن حركة الانضمام إلى «داعش»، ليست جديدة، وهي «في ازدياد بشكل دائم»، كون التنظيم «أثبت أن لديه قدرة أكبر على المواجهة، وأنه تنظيم قوي قادر على استقطاب المقاتلين في سوريا والمهاجرين إليه رغم أن تقويض حركة نزوح المقاتلين المتشددين إليه من دول العالم».
وخلافا لـ«داعش» الذي يسيطر على أراض جغرافية متصلة في شمال وشرق البلاد، تتوزع قوى «جبهة النصرة» في جنوب البلاد وشمالها ووسطها، إضافة إلى ريف دمشق، تمثل كيانات غير منتظمة، وخاضعة لتغيير جغرافي مستمر بين التقدم والتراجع. لكن أكثر المناطق وجودا للنصرة، تقع في ريف إدلب، وفي درعا والقنيطرة (جنوب البلاد)، إضافة إلى القلمون حيث يبلغ عدد الجبهة نحو 3 آلاف مقاتل، مع بعض الوجود في ريف دمشق وريف حمص الشمالي.
ومنذ ظهور التنظيم في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2011. عبر عملية انتحارية في دمشق، بدأ يتمدد على شكل كيانات مستقلة على طول البلاد وعرضها، تأتمر بقيادة واحدة كانت موجودة في دير الزور، وتتبع فقهيا تنظيم القاعدة. قدرة التنظيم المالية، ساهمت في تمدده، وخلق حاضنة شعبية له في الشمال، من خلال التقديمات التي كان يقدمها للجمهور في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وبدأ بشراء ولاءات، سرعان ما ضاعفت عدده، قبل أن ينتقل إلى المرحلة الثانية في الصيف الماضي، وهي إقصاء الجيش السوري الحر من مناطق ريف إدلب، بهدف إنشاء كيان مواز لـ«داعش» في الشمال، وذلك بعد أن أعطى زعيمه أبو محمد الجولاني الأمر بأنه «آن الأوان لأن يكون للتنظيم إمارته» في شهر مايو (أيار) الماضي.
ويقول أتباع التنظيم إنه «اتخذ قرارا بمحاربة جميع الفصائل التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة الأميركية أو حلفائها أو من دول غربية»، من غير أن ينفي أن «النصرة» تتلقى الدعم من «أشخاص في أوروبا أو أميركا، ولكن ليس عبر الحكومات الغربية». ويؤكد معارضون سوريون مناهضون للنصرة، أن التنظيم المتشدد «أتم الإجراءات العملية والعسكرية في ريف إدلب، تمهيدا لإعلان إمارة له في ريف إدلب، من غير أن تشمل الريف الغربي لحلب كيلا يصطدم مع فصائل عسكرية معتدلة ناشطة هناك مثل (حركة حزم) أو سواها». وقال إن قياديي النصرة في إدلب: «يروجون إلى أنهم لن يعلنوا عن الإمارة في هذا الوقت، لكنهم يطبقون قوانينهم ويحكمون السيطرة العسكرية، ما يعني تنفيذ أحكامهم من غير جلبة إعلامية».
ولم تقاتل «جبهة النصرة» وحدها ضد قوات «جبهة ثوار سوريا» التي يتزعمها جمال معروف، و«حركة حزم» المدعومة أميركيا والمتحالفة معها: «بل شاركت كل من ألوية (صقور الشام) و(أحرار الشام) الإسلامية، التابعة للجبهة الإسلامية في ذلك القتال بضراوة»، ذلك أن بعض الألوية الإسلامية «تجد منذ زمن في قوات معروف عقبة أمام وجودها، نظرا لأنها تستحوذ على معظم الدعم الخارجي»، في حين «تجد النصرة في جبهة ثوار سوريا حليفا للغرب الذي يقوم باستهداف مقراتها عبر غارات التحالف»، وأن «خطوة القضاء على معروف هو استباق لضرب حليف الغرب المرتقب الذي يعتقد أنه سيقوم بمهمة القتال برا ضد النصرة وباقي الفصائل الإسلامية الموضوعة على لائحة أهداف التحالف».
وباتت «النصرة» تسيطر على قسم كبير من ريف إدلب، بعد طرد قوات المعارضة المعتدلة في شهر يونيو (حزيران) الماضي من الريف الغربي للمحافظة، وطرد قوات «جمال معروف» التابعة للجيش السوري الحر من الريف الجنوبي للمحافظة وريف معرة النعمان، أوائل الشهر الماضي.
و«حركة أحرار الشام» مجموعة مقاتلة إسلامية متطرفة معارضة للنظام السوري، وقريبة إجمالا من «جبهة النصرة» التي تقاتل النظام على جبهة، بينما انخرطت أخيرا أيضا في قتال ضد «جبهة ثوار سوريا» التي تضم كتائب عدة مقاتلة ضد النظام، وتمكنت من طردها من مساحات واسعة من ريف إدلب. وكان نحو 50 قياديا في حركة أحرار الشام قتلوا في التاسع من سبتمبر (أيلول) في انفجار نتج عن متفجرات وضعت في مكان قريب من قاعة كانوا يعقدون فيها اجتماعا سريا. وتعد من أبرز الفصائل المقربة من تنظيم القاعدة، إذ كان أحد أبرز قيادييها وهو أبو خالد السوري الذي قتل في حلب في عام 2012 أبرز مساعدي زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن.
وبعد الهجمات على المعتدلين، سيطرت «جبهة النصرة» وتنظيم «جند الأقصى» و«حركة أحرار الشام» على معسكر الحامدية بشكل كامل عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام التي انسحبت باتجاه بلدتي بسيدا ومعرحطاط جنوبا. وبهذه السيطرة على المعسكرين، تمكنت «جبهة النصرة» من ربط ريف إدلب الجنوبي بريف حماه الشمالي، وهي المعركة التي عملت عليها «النصرة» منذ الصيف الماضي، وفشلت بعد تمكن القوات الحكومية بقيادة العميد سهيل الحسن (الملقب بالنمر) من صد هجوم شارك فيه 1500 مقاتل للنصرة، قاده زعيمها أبو محمد الجولاني. وعلى الأثر، أبعدت القوات النظامية قوات النصرة من مناطق بريف حماه.
وتسعى «النصرة» في هذا الوقت، للسيطرة على كامل أرياف محافظة إدلب، وتربطها بريف حماه الشمالي، لتكون المحافظة خاضعة لسيطرتها، ونقطة ارتكاز لها في شمال سوريا غرب مدينة حلب، في مواجهة تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق في شرق حلب.
وعلى المقلب الآخر في البلاد، تعتبر درعا في الجنوب، نقطة ارتكاز للتنظيم المتشدد أيضا. وتتفاوت التقديرات حول أعداد المقاتلين المنضوين تحت جناحها، ففي حين تؤكد مصادر الحر أنهم «لا يتجاوزن الألفي مقاتل»، يقول حقوقيون إن أعداد النصرة وحلفائها من كتائب إسلامية «تزيد على 5 آلاف مقاتل»، لكنها «تقاتل إلى جانب قوات الجيش السوري الحر، ما يرفع عدد المقاتلين في درعا إلى أكثر من 25 ألف مقاتل»، في حين «يستطيع نحو 80 ألفا حمل السلاح».
وتسيطر المعارضة على 80 في المائة من أرياف المحافظة، وكان آخرها التقدم النوعي في بلدة نوى الواقعة في الريف الغربي لمحافظة درعا جنوب البلاد، بعد أشهر من الاشتباكات، وهو ما وصفته مصادر المعارضة السورية بـ«التقدم الاستراتيجي» كونه «يقطع خطوط إمداد النظام إلى محافظة القنيطرة في الغرب، ما يمهد للسيطرة الكاملة على المحافظة» الحدودية مع إسرائيل.
ولا تزال درعا، أكثر المناطق إلى جانب المدن، تتضمن مقاتلين معتدلين، إذ يبلغ عدد الفصائل المقاتلة، 27 فصيلا معتدلا، بحسب ما تقول مصادر الجيش السوري الحر في الجبهة الجنوبية لـ«الشرق الأوسط»، فيما تتوزع القوى الأخرى في ريف دمشق، وداخل مدينة حلب، وفي مدينة إدلب، إضافة إلى مدينة حماه وريفها.
ويعد مقاتلو «الحر» الأكثر وجودا في تشكيلات المعارضة السورية: «لكن قدرتهم مفككة، نظرا إلى انتشارهم الواسع، وضعف الإمكانات العسكرية والتقديمات، ما يجعل جهودهم مجمدة»، كما تقول مصادر الحر لـ«الشرق الأوسط». ورغم عددهم الكبير، فمع الانقسامات التي تزداد على ضوء صعود المجموعات المتشددة، لم يعد يسيطر الحر على أكثر من 5 في المائة من الجغرافيا غير المتصلة، تتوزع على كيانات في الجنوب والوسط والعاصمة والشمال، بعدما كان يسيطر على نحو 20 في المائة من الجغرافيا السورية في عام 2013.
وتكمن قوة المعتدلين الأقوى، في الغوطة الشرقية، نظرا إلى «وجود تشكيلات غير متشددة، يناهز عددها الـ25 ألف مقاتل معتدل في الغوطة الشرقية، بينهم جيش الإسلام الذي يتزعمه زهران علوش، وتمكن من طرد (داعش) من مناطق في الغوطة».
ويعد مقاتلو «الحر» الأكثر عرضة للاستهداف من القوات النظامية، كونهم يقيمون غفي مناطق محاذية لسيطرة النظام، حيث «لا تزال مدفعيته وقواته البرية فاعلة، وخصوصا في المدن وأطرافها»، على النقيض من مواقع سيطرة «داعش» التي لا تستطيع القوات الحكومية استهدافها «إلا عبر الطائرات، ما يجعلها أقل عرضة للقصف من غيرها».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.