نصف مرفأ بيروت أرض محروقة... ورائحة الموت تفوح من الإهراءات

خطط لتحديثه ودعوات لتغيير موقعه

سيارات محترقة في مرفأ بيروت (الشرق الاوسط)
سيارات محترقة في مرفأ بيروت (الشرق الاوسط)
TT

نصف مرفأ بيروت أرض محروقة... ورائحة الموت تفوح من الإهراءات

سيارات محترقة في مرفأ بيروت (الشرق الاوسط)
سيارات محترقة في مرفأ بيروت (الشرق الاوسط)

لا يختلف مشهد مرفأ بيروت كثيراً من بعيد عمّا هو من الداخل. فالصورة الكبيرة التي يمكن مشاهدتها من على رصيف «أوتوستراد شارل حلو» هي تقريباً نفسها من داخل المرفأ. ولكن وإن كان المشهد بكليته أكثر فظاعة ورهبة، إلا أن التفاصيل في الداخل، الروائح والوجوه، كلها تسرد قصصاً لا يمكن سماعها إلا عن قرب.
منطقة المرفأ، التي تحوّلت منطقة عسكرية منذ انفجار 4 أغسطس (آب)، لا يمكن دخولها إلا بإذن من الجيش اللبناني الذي يلاقيك عناصره المولجون الحراسة عند المدخل بعشرات القصص لذلك اليوم المشؤوم. يسرد أحدهم لـ«الشرق الأوسط» كيف رماه عصف الانفجار لمسافة كبيرة قبل أن يصطدم بأحد الأسلاك الحديدية التي حالت دون مقتله وارتطامه بالأرض، لتنطلق بعدها الرحلة المريرة للبحث عن رفاقه الذين يقول إن 8 منهم قضوا. ويؤكد العنصر أن الجميع كان يعلم بوجود «مواد كيماوية» في العنبر الذي انفجر، «لكننا اعتقدنا أنها كغيرها من هذه المواد التي تدخل يومياً إلى المرفأ».
تبدو المنطقة من مدخل المرفأ وصولاً إلى إهراءات القمح التي تضررت بشكل كبير واتُّخذ القرار بهدمها، أشبه بأرض محروقة. آلاف المستودعات والسيارات المحطَّمة تماماً والمكدَّسة وتلال من مخلفات الانفجار تملأ الساحات. أما محيط مبنى الإهراءات فتشعر بأنه مساحة للموت حصراً. فكلما اقتربتَ منه فاحت رائحة المواد المنفجرة المختلطة مع رائحة الصرف الصحي والكثير من الدماء التي سالت هناك. باعتبار أن العنبر الذي كان يحوي نترات الأمونيوم كان متاخماً لمبنى الإهراءات ولم يبقَ له أثر، كالعنابر الأخرى الملاصقة. وقد أدى انفجارها لحدوث حفرة كبيرة غطتها مياه البحر وتهافتت إليها آلاف الطيور طمعاً بالقمح المتناثر في الأرجاء.
قد يعتقد الزائر أن هذه هي حال المرفأ، قبل أن يستكمل طريقه باتجاه النصف الثاني المخصص لتفريغ وتحميل البضائع، ليُخيَّل إليه أنه بات في منطقة أخرى أو حتى في بلد آخر، باعتبار أن الأعمال ناشطة هناك ولا أثر على الإطلاق للانفجار. فالآليات الثقيلة العملاقة تنشط بتفريغ البضائع، ومئات آلاف المستوعبات الملونة، تحول المشهد إلى سريالي حيث يختلط الموت والدمار في القسم الأول من المرفأ مع صخب الحياة وألوانها في القسم الثاني.
ولم تتطلب إعادة العمل بالمرفأ إلا أياماً معدودة بعد الانفجار. وهو اليوم يعمل بشكل طبيعي تماماً، كما يؤكد المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت باسم القيسي، فمحطة الحاويات ورغم وجود بعض الرافعات المعطلة، استقبلت منذ 11 أغسطس الماضي ولغاية العاشر من الشهر الجاري 200 ألف حاوية، وهي النسبة الأعلى مقارنةً بالعامين الماضيين، علماً بأنه بوجود «كورونا» تراجعت هذه الأعمال بنسبة 60% في مرافئ العالم. ويشير القيسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أرصفة البضائع العامة استعادت طاقتها بنسبة تتراوح ما بين 65 و70% بحيث يتم نقل الحبوب والمواد الغذائية مباشرة من البواخر إلى المطاحن فيما يتم تخزين المواد الأخرى في مبانٍ صامدة في المنطقة الحرة التي تضررت بشكل كبير ويقوم حالياً أصحاب بعض المباني بتصليحها وصيانتها ما أدى لاستعادتها نشاطها بنسبة تراوحت بين 60 و70%.
وقد خسر المرفأ بشكل أساسي قسماً كبيراً من العنابر والمكاتب جراء الانفجار ومنها مكاتب «التخليص الجمركي»، بحيث تمت إحالة العمل الذي كان يحصل في حرم المرفأ إلى المطار.
ولا يزال الجيش، بالتعاون مع الدفاع المدني، يعمل على مسح المنطقة وفرز وتفقد المستوعبات التي لم يتم تسلمها من قبل أصحابها خصوصاً تلك التي تحوي مواد خطرة. وحسب رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب نزيه نجم يوجد حالياً 52 مستوعباً من أصل 163 عالجها الجيش تحوي بضائع قابلة للاشتعال والانفجار منذ عام 2009، وأوكل المجلس الأعلى للدفاع إلى شركة ألمانية خاصة التخلص منها. ويشير مدير عام المرفأ إلى أن الجيش عزل هذه الحاويات في مكان آمن وقد تم تسليمها للألمان الذين يعملون منذ الأسبوع الماضي على تحليلها وتوضيبها ونقلها خارج البلد.
وبالتزامن مع عملية التخلص من هذه المستوعبات وغيرها وانطلاق عمليات تصليح وترميم بعض العنابر والمباني، بدأ النقاش الجدي بين المعنيين حول مستقبل المرفأ ودوره. ويرى نجم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تكلفة إعادة المرفأ إلى ما كان عليه ليست ضخمة لكن يُفترض بنا أن نحدد أولاً ما الذي نريده من مرفأ بيروت، فإذا أردنا أن يلعب دوراً منافساً في المنطقة بعد التطورات الأخيرة، فيُفترض توسعته ووضع دراسات لتحويل قسم منه إلى سياحي ووضع خزانات البنزين والغاز على رصيف مستحدث، على أن يُبحث كل ذلك في ورشة عمل تطلقها الحكومة فور تأليفها بالتعاون مع شركات عالمية، خصوصاً أن المرفأ قادر على إدخال مليارات الدولارات إلى خزينة الدولة إذا أحسنّا استثماره».
ويدفع الوزير السابق فادي عبود بقوة باتجاه تحويل مرفأ بيروت إلى مرفأ سياحي خصوصاً بعد الفاجعة الأخيرة من خلال «بناء نصب تذكاري للضحايا لتكريمهم وإقامة حدائق عامة وصالات ومتاحف، على أن يتم استحداث مرفأ تجاري جديد شمالاً ما بين منطقتي الدورة وطرابلس، أو جنوباً بين الشويفات والجية»، مستهجناً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كيف يتم بناء مرفأ تجاري على مليون متر مربع من أغلى الأراضي بحيث تبلغ قيمة الأرض هناك اليوم ما بين 5 و10 مليارات دولار». وشدد على وجوب قيام مرفأ جديد على أرض أقل تكلفة كي يتمكن من منافسة دول الجوار في المرحلة المقبلة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».