بعد أسابيع من التأخير وعدم اليقين والكثير من الدعاوى القضائية، حرص الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على الوفاء بوعوده الأولى بإظهار رفضه التام لسلوك الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب وسياسات «أميركا أولا»، محاولا في الوقت ذاته عدم إثارة أي مخاوف لدى الجمهوريين من ترشيح أشخاص من «اليسار الراديكالي» للمناصب الحكومية التي أعلنها حتى الآن، ومعلنا أن «أميركا عائدة» إلى دورها القيادي عبر العالم.
ومع تلاشي حظوظ ترمب في المعارك القضائية التي يخوضها واستعداد الرئيس المنتخب لتولي المسؤولية بعد 55 يوما، خاطب بايدن الشعب الأميركي في مناسبة عيد الشكر؛ ساعيا إلى توحيد الأميركيين في مواجهة جائحة «كوفيد - 19»، في ظل تحذيرات الخبراء من ارتفاع محتمل في عدد الإصابات والضحايا خلال فترة العطلة. وشدد على التضحيات المشتركة خلال موسم الأعياد، معبرا عن ثقته في أن الأميركيين سيتغلبون سوية على جائحة «كوفيد - 19» التي فتكت حتى الآن بأكثر من ربع مليون أميركي، وأصابت 12 مليونا منهم.
وبدا واضحا من التعيينات التي أعلنها حتى الآن أنه يريد بناء إدارته على مفاهيم تقليدية تعير اهتماما رئيسيا لحقيقة أن القادة العسكريين يجب أن يصونوا الاستقرار، وأن المسؤولين الحكوميين يحتاجون إلى الخبرة والمهارة، وأن الدولة التي تعاني انقسامات عميقة قادرة على القيام بواجباتها، وأن العالم يتطلع إلى الدور القيادي للولايات المتحدة، آملا في استخدام التفويض الشعبي الذي حصل عليه لمواجهة القوى السياسية التي أدت إلى صعود «الظاهرة الترمبية»، علما أيضا بأن أكثر من 73 مليون أميركي صوتوا للرئيس ترمب، وإن لم يفز في الانتخابات.
وانتقى بايدن مسؤولين حكوميين متنوعين من الرجال والنساء والملونين يمثلون ابتعادا واضحا عن فريق ترمب، الذي يتألف فريقه إلى حد كبير من رجال أكثريتهم الساحقة من البيض. وخلال مناسبة رمزية في مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير، وقف المرشحون خلف بايدن ونائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس على مسافات متباعدة ويرتدون أقنعة واقية من فيروس «كورونا»، وهم خبير السياسة الخارجية المخضرم أنتوني بلينكين الذي يحظى باحترام كبير في الكابيتول هيل لمنصب وزير الخارجية، والمحامي أليخاندرو مايوركاس ليكون وزيرا للأمن الداخلي، والدبلوماسية المخضرمة ليندا توماس - غرينفيلد لمنصب مندوبة دائمة لدى الأمم المتحدة، وجايك سوليفان كمستشار للأمن القومي، والنائبة السابقة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي» أفريل هاينز كمديرة للاستخبارات الوطنية، ووزير الخارجية السابق جون كيري كمبعوث خاص بشأن تغير المناخ. ولا يتطلب تعيين كيري وسوليفان موافقة مجلس الشيوخ.
أما اللاعب الرئيسي الذي لم يكشف بايدن اسمه بعد فهو المرشح لمنصب وزير الدفاع، علما بأن هناك اعتقادا بأن المرشح الرئيسي هي ميشال فلورنوي، التي شغلت سابقا منصب وكيل وزارة الدفاع للسياسة.
واحتفى بايدن خصوصا بتنوع اختياراته، مقدما تحية مؤثرة بشكل خاص لتوماس - غرينفيلد، التي كانت الشقيقة الكبرى بين 8 أطفال نشأوا في ولاية لويزيانا، وكانت أول من تخرج من المدرسة الثانوية والجامعة في عائلتها. وقال: «سويا، سيستعيد هؤلاء الموظفون العموميون (دور) أميركا في العالم، وقيادتها العالمية وقيادتها الأخلاقية»، مضيفا أن هذا «فريق يعكس حقيقة عودة أميركا، وأنها مستعدة لقيادة العالم، وليس الانكفاء عنه». وأمل في «إعادة الولايات المتحدة إلى طبيعتها» كما وعد خلال حملته الانتخابية من أجل التخلص من «الاضطرابات» التي شهدتها السنوات الـ4 الماضية. كما أعلن أنه «يمكن لفرقنا الاستعداد لمواجهة التحديات المطروحة»، وأبرزها «السيطرة على الوباء، وإعادة البناء بشكل أفضل، وحماية سلامة وأمن الشعب الأميركي».
تطلّعات إدارة بايدن
وأكد أن خياراته «تعكس فكرة أننا لا نستطيع مواجهة هذه التحديات بالتفكير القديم والعادات التي لم تتغير»، كاشفا أنه «صُدم» بما أخبره إياه عدد من زعماء العالم مرارا وتكرارا خلال مكالمات التهنئة. وأضاف أنهم يتطلعون إلى أن «تعيد الولايات المتحدة تأكيد دورها التاريخي كقائد عالمي» في ظل إدارته. وتوقع من مستشاريه أن يخبروه «بما احتاج إلى معرفته، وليس بما أريد معرفته».
وفي تباين مع ترمب، قالت هاينز إنها قبلت ترشيح بايدن وهي تعلم «أنك تقدر منظور مجتمع الاستخبارات، وأنك ستفعل ذلك حتى عندما يكون ما يجب أن أقوله غير مريح أو صعب». وأكدت أنها «لن تتورع أبدا عن قول الحقيقة للسلطة»، مضيفة: «ستكون هذه مسؤوليتي كمديرة للاستخبارات الوطنية».
وبينما رأى بلينكين أن أميركا بحاجة إلى «التواضع والثقة» للاعتماد على حلفائها، قالت توماس - غرينفيلد: «زملائي من الدبلوماسيين والموظفين العموميين حول العالم، أريد أن أقول لكم: أميركا عائدة، التعددية عائدة، الدبلوماسية عائدة».
كما أشار مايوركاس، وهو أميركي من أصل كوبي، إلى تربيته كمهاجر، قائلا: «جلبني أبي وأمي إلى هذا البلد هربا من الشيوعية». وأضاف «كانا يعتزان بديمقراطيتنا، وكانا يفخران للغاية بأن يصبحا مواطنين أميركيين، كما كنت أنا».
وباختيار هذه الشخصيات المخضرمة، يشير جو بايدن إلى العودة إلى السياسة الأميركية التقليدية، خلافا لترمب الذي كان حديث العهد بالسياسة عندما وصل إلى واشنطن، ووعد بأن إدارته لن تكون كسابقاتها. إلا أن بايدن رفض فكرة أنه يشكل مع فريقه «ولاية ثالثة لأوباما». وأوضح في مقابلة مع «إن بي سي» هي الأولى منذ انتخابه، أن «هذه ليست ولاية أوباما الثالثة... لأننا أمام عالم مختلف تماما عما كان في عهد أوباما». وتابع: «نواجه عالما مختلفا تماما. لقد غير الرئيس ترمب المعطى. أصبحت أميركا أولا، وأصبحت أميركا وحيدة».
انطلاق العملية الانتقالية
في غضون ذلك، ظهرت علامات على بدء العملية الانتقالية رسميا، إذ تمكن فريق بايدن من التواصل مع كل الوكالات الفيدرالية تقريبا، وفقا لمسؤول انتقالي طلب عدم نشر اسمه، أكد أن نحو 20 من تلك الاجتماعات عقدت الثلاثاء، بما في ذلك في وزارة الأمن الداخلي ووزارة التعليم. وقال المسؤولون الانتقاليون إن الاستقبال من إدارة ترمب كان متجاوبا ومفيدا.
ويشرف كبير الموظفين لدى وزير الدفاع بالإنابة كاش باتيل على العمل الانتقالي في «البنتاغون»، ضمن فريق عمل بقيادة رئيس مكتب الخدمات الإدارية والتنظيمية لمنشآت وزارة الدفاع في واشنطن توم موير، الذي قال إن الاجتماع الأول مع فريق بايدن عُقد فعلا صباح أول من أمس الثلاثاء، متوقعا اجتماعات يومية. وأكد أنه جرى اتخاذ ترتيبات عادية لفريق بايدن، بما في ذلك توفير مواد إحاطة وقدرات مؤتمرات الفيديو عن بعد ومساحة مكتبية داخل البنتاغون.
وأعلن وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس عازار أن وكالته تعمل على الحصول على مواد إعلامية لمساعدي بايدن على الفور، وتعهد بانتقال «مهني وتعاوني».
وجاءت هذه التطورات بعدما كتبت مديرة دائرة الخدمات العامة إميلي مورفي خطاب «تأكيد» يقر بأن بايدن هو «الفائز الواضح» في الانتخابات.