لبنان: مناقشة مشروع قانون جديد للانتخاب تثير مخاوف المسيحيين

معارضته تدفع إلى تقارب ظرفي بين «القوات» و«الوطني الحر»

رجل وامرأة يستمتعان بيوم مشمس بالقرب من أحد شواطئ بيروت أمس (أ ف ب)
رجل وامرأة يستمتعان بيوم مشمس بالقرب من أحد شواطئ بيروت أمس (أ ف ب)
TT

لبنان: مناقشة مشروع قانون جديد للانتخاب تثير مخاوف المسيحيين

رجل وامرأة يستمتعان بيوم مشمس بالقرب من أحد شواطئ بيروت أمس (أ ف ب)
رجل وامرأة يستمتعان بيوم مشمس بالقرب من أحد شواطئ بيروت أمس (أ ف ب)

يدخل لبنان في اشتباك سياسي من نوع آخر يعكس ارتفاع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي على خلفية الانقسام الحاد حول مشروع قانون الانتخاب الجديد مع معاودة اللجان النيابية المشتركة مناقشته في اجتماعها اليوم وعلى جدول أعمالها المشروع المقدّم من كتلة رئيس البرلمان نبيه بري النيابية، الذي ينص على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد النظام النسبي، والذي يلقى معارضة مسيحية يقودها «الثنائي المسيحي» («التيار الوطني الحر» و«حزب القوات اللبنانية»)، فيما بادرت بعض الكتل النيابية إلى التقدُّم بمشاريع انتخابية، واستعدت أخرى لطرح مشاريع يمكن أن تؤدي إلى إعادة خلط الأوراق.
ويأتي الاشتباك السياسي حول قانون الانتخاب الجديد لينضم إلى اشتباك سياسي آخر مردّه إلى اصطدام المشاورات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري بحائط مسدود ينذر بتمديد أزمة التأليف من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج باقتراب ولادتها، رغم أن هموم اللبنانيين لا تلتفت إلى ما ستتوصل إليه اللجان المشتركة حول قانون الانتخاب؛ لأن ما يهمها إخراج البلد من التأزّم بعد أن أصبح أكثر من 60 في المائة منهم يعيشون تحت خطر الفقر.
ومع أن اللبنانيين لا يبالون بانعقاد اللجان النيابية ولا بمواكبة استئناف الجلسات النيابية في ضوء الغياب الملحوظ للكتل النيابية ولدورها في الضغط لتسريع ولادة الحكومة بصفتها من الأولويات، فإن إدراج «قانون الانتخاب» على جدول أعمال اللجان سيزيد من ارتفاع منسوب التوتر الطائفي والمذهبي، والذي كان وراء الاصطفاف الظرفي والمؤقت القائم الآن بين الضدّين في الشارع المسيحي؛ أي «التيار الوطني» و«القوات»، اللذين يتعاملان مع مشروع الرئيس بري الانتخابي - كما تقول مصادر مسيحية - على أنه إلغائي لضرب صحة التمثيل المسيحي من خلال شل قدرته على التأثير بذريعة أنه يؤدي إلى تذويب الصوت المسيحي من قبل أكثرية إسلامية.
وتلفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الثنائي الشيعي» بقوتيه «حزب الله» و«حركة أمل» بدأ يتحسّب منذ الآن للمتغيّرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد أن طرحه قانون انتخاب يقوم على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة يهدف إلى السيطرة على القرار السياسي عبر المجيء ببرلمان جديد تكون له اليد الطولى في وضع اليد على البلد.
وتعدّ المصادر نفسها أن الاصطفاف الظرفي بين «الثنائي المسيحي» لن يفتح الباب أمام إعادة تعويم «إعلان معراب» الذي كان وقّعه رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مع العماد عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، وتعزو الأمر إلى خلافاتهما الاستراتيجية وصولاً إلى التباين في نظرتيهما إلى مستقبل لبنان، من دون تغييب الطموحات الرئاسية لكل من جعجع ورئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل. ناهيك بأن «القوات» - كما تقول المصادر - «ليست في وارد الدخول في حلف مع باسيل الذي تتهمه برعايته المباشرة للانقلاب على (إعلان معراب)، ولا مع عون، وبالتالي فهي تتموضع في الضفة السياسية الأخرى المناوئة لهما»، وتعزو الأمر إلى أن «التيار الوطني» إلى تراجع في الشارع المسيحي بعد أن تعذّر على «العهد القوي» تحقيق ما التزم به وشكّل الغطاء السياسي لـ«حزب الله» وسلاحه.
كما أن «القوات» تنظر إلى مشروع بري الانتخابي من زاوية أنه يطيح صحة التمثيل المسيحي ويتيح لـ«حزب الله» - بحسب المصادر المسيحية - «تشديد قبضته على القرار السياسي اعتقاداً منه بأنه بذلك يفرض وصايته على البلد». كما أن هذه المصادر تعدّ أن تمرير هذا المشروع «يعني إخضاع لبنان إلى نظام أحادي من جهة؛ وإلى تطويق دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لحياد لبنان الإيجابي، وإدخاله بصورة رسمية في (محور الممانعة) بقيادة إيران، إضافة إلى أنه يلغي الشراكة المسيحية - الإسلامية باعتماد نظام انتخابي يقوم على الديمقراطية العددية».
وفي المقابل؛ تسأل المصادر نفسها عن دور «حزب الله» و«ما إذا كان سيقرر في نهاية المطاف التناغم كلياً مع مشروع الرئيس بري، وبالتالي وقوفه في وجه ما يشبه الإجماع المسيحي الرافض هذا المشروع والمتمسك بالقانون الحالي باعتبار أنه يؤمّن صحة التمثيل المسيحي ويقطع الطريق على الإخلال بالتوازن الطائفي».
وترى أن لبنان «سيتأثر بالتحوّلات السياسية التي أخذت تجتاح المنطقة»، وتوضح في المقابل أن «موقف المسيحيين في معارضتهم القانون لا ينطلق من الرهانات على الخارج بمقدار ما يتوخّون منه الحفاظ على الوجود المسيحي من خلال حقه المشروع في الشراكة إلى جانب المسلمين».
وتسأل المصادر عمّا إذا كان «حزب الله» الذي لا يزال يُبدي تكيُّفاً في مناقشته مشاريع قانون الانتخاب «سيضطر في نهاية المطاف إلى مراعاة موقف حليفه عون وتياره السياسي برئاسة باسيل، أم إنه يتحسّب لاحتمال تبدل موقف الأخير الذي يدفعه إلى التموضع تحت عباءة قانون بري الانتخابي»، وتقول إن «تحييد لبنان كخطوة وقائية عن التحوّلات في المنطقة لن يتحقق إلا بالحفاظ على صحة التمثيل المسيحي وعدم التعامل مع المسيحيين على أنهم الحلقة الأضعف في التركيبة السياسية، ما يضطرهم للتطرف في طروحاتهم تحت عنوان مطالبتهم باللامركزية الإدارية الموسّعة».
وعليه؛ فإن الانصراف للبحث في «قانون الانتخاب» قبل سنة ونصف من موعد إجراء الانتخابات النيابية لانتخاب برلمان جديد يوكل إليه انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي الرئيس عون، «لن يقدّم أو يؤخّر في إخراج البلد من التأزّم الذي يحاصره ويهدّده بالزوال».
لذلك؛ فإن تعذُّر إجراء انتخابات نيابية فرعية لملء الشغور باستقالة 8 نواب من البرلمان الحالي، يمكن أن يتمدد باتجاه الحيلولة دون إجراء الانتخابات النيابية العامة، وبذلك يستعيد لبنان مرارة التجربة التي مددت للبرلمان المنتخب عام 1976 بسبب اندلاع الحرب الأهلية، وأتاحت له انتخاب 5 رؤساء جمهورية هم: إلياس سركيس، وبشير الجميل، (اغتيل قبل تسلّمه مهامه الدستورية)، وأمين الجميل، ورينيه معوّض (اغتيل بعد بدء ممارسته مهامه الرئاسية)، وإلياس الهراوي، إضافة إلى أنه كان وراء إقرار «اتفاق الطائف».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.