مصر تتأهب لعصر «الشمول المالي»

«المركزي» ينسق لإعداد استراتيجية وطنية

يعد {المركزي المصري} استبياناً للوقوف على استخدام الأفراد والشركات الخدمات المالية (رويترز)
يعد {المركزي المصري} استبياناً للوقوف على استخدام الأفراد والشركات الخدمات المالية (رويترز)
TT

مصر تتأهب لعصر «الشمول المالي»

يعد {المركزي المصري} استبياناً للوقوف على استخدام الأفراد والشركات الخدمات المالية (رويترز)
يعد {المركزي المصري} استبياناً للوقوف على استخدام الأفراد والشركات الخدمات المالية (رويترز)

أعلن رامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي المصري، أنه يتم حالياً التنسيق بين الجهات المعنية لوضع أهداف ورؤية واضحة لإعداد استراتيجية وطنية للشمول المالي، وإعداد دراسة فجوات على جانب المعروض من الخدمات المالية، وكذلك استبيان ميداني وطني للوقوف على الخدمات المالية المستخدمة من قبل الأفراد والشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وذلك بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وأحد بيوت الخبرة الدولية في مجال الشمول المالي.
جاء ذلك في كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر التكنولوجيا المالية والشمول المالي الرقمي «PAFIX 2020»، المقام ضمن فعاليات معرض «Cairo ICT». وقال أبو النجا إن رؤية البنك المركزي للتحول إلى مجتمع أقل اعتماداً على أوراق النقد، تأتي بالتكامل مع قرارات المجلس القومي للمدفوعات، برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي؛ حيث تم توفير البيئة التشريعية المناسبة لتفعيل هذه الرؤية، من خلال إصدار عديد من القوانين والقواعد، أبرزها قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، بجانب نشر الوعي والثقافة المالية بين المواطنين.
ولفت إلى إنشاء البنك المركزي المختبر التنظيمي لتطبيقات التكنولوجيا المالية المبتكرة «Regulatory Sandbox» الذي يقوم بدور مهم في تشجيع إطلاق هذه التطبيقات بالسوق المصرية، مع مراعاة متطلبات الحفاظ على سلامة واستقرار النظام المالي. وأوضح أن الخبرات المتراكمة التي اكتسبتها الحكومة والبنك المركزي في إدارة الأزمات، ساعدت على سرعة التعامل مع تداعيات جائحة «كورونا»، ليواصل الاقتصاد المصري نموه في السنة المالية 2020 بنسبة 3.6 في المائة، مدفوعاً باستقرار الاقتصاد الكلي، وعجز الموازنة الذي يسير على مسار هبوطي منذ عام 2016؛ لافتاً إلى أن الفائض الأولي جاء عند 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلاً قراءة إيجابية للعام الثالث على التوالي، كما نجح البنك المركزي المصري في خفض التضخم من أعلى مستوياته التي تجاوزت 30 في المائة في 2017، ووصل المعدل السنوي للتضخم 4.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأشار نائب المحافظ إلى أنه في الإطار نفسه تم إطلاق مبادرة السداد الإلكتروني، بتكلفة يتحملها البنك المركزي تزيد على 600 مليون جنيه (38 مليون دولار)، لتتم زيادة نقاط القبول الإلكترونية لدى الشركات والتجار بكافة المحافظات، من 200 ألف إلى 500 ألف نقطة قبول (نقطة بيع إلكترونية- رمز استجابة سريع)، وأيضاً استهداف إصدار 20 مليون بطاقة دفع وطنية «ميزة»، منها 5 ملايين بطاقة للمرتبات الحكومية، و6.5 مليون بطاقة للمعاشات، و5 ملايين بطاقة لذوي الهمم، و3.5 مليون بطاقة ضمن مبادرة «تكافل وكرامة».
وأوضح أبو النجا أن توفر البنية التحتية القوية لمصر في نظم وخدمات الدفع، ساعد على الاستجابة للأزمة بسرعة وفاعلية، وهو ما ظهر من خلال الإجراءات والتدابير الاحترازية التي أصدرها البنك المركزي، ومنها إلغاء جميع الرسوم والعمولات لمدة 6 أشهر على عمليات السحب النقدي والشراء بواسطة البطاقات، وإتاحة الاشتراك في خدمتي محافظ الهاتف المحمول والإنترنت البنكي إلكترونياً، دون الحاجة للذهاب لمقر البنك.
ولتحقيق أهداف الشمول المالي والتحول الرقمي، قال نائب المحافظ إن البنك المركزي شجع البنوك على ضخ مزيد من التمويلات بأسعار فائدة مدعمة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والتي نتجت عنها زيادة تبلغ 213 مليار جنيه (13.7 مليار دولار) في حجم محافظ البنوك الموجهة لهذه المشروعات، استفاد منها مليون و81 ألف مشروع، من ديسمبر (كانون الأول) 2015 حتى سبتمبر (أيلول) 2020، بجانب إطلاق مبادرة «رواد النيل» لتوفير بنية تحتية شاملة وفعالة لدعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة، بدءاً من الفكرة وحتى تأسيس الشركة والنمو والتوسع وكذلك تشجيع الابتكار.
وتناولت الجلسة الافتتاحية لمعرض ومؤتمر PAFIX عديداً من الموضوعات والقضايا المهمة، مثل التغييرات التشريعية في ظل التطور الرقمي، ودور الشمول المالي الرقمي في مواجهة تداعيات جائحة «كورونا» بالسوق المصرية، وتأثير التحول الرقمي على نمو الاقتصاد القومي، والحلول الرقمية لتعزيز الشمول المالي.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.