«الصحة العالمية» تحذر من الموجة الثالثة لـ«كوفيد ـ 19»

الإنهاك يغمر المنظومات الصحية

«الصحة العالمية» تحذر من الموجة الثالثة لـ«كوفيد ـ 19»
TT

«الصحة العالمية» تحذر من الموجة الثالثة لـ«كوفيد ـ 19»

«الصحة العالمية» تحذر من الموجة الثالثة لـ«كوفيد ـ 19»

مع وصول الموجة الوبائية الثالثة إلى إيران واليابان وكوريا الجنوبية والهند والولايات المتحدة، دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر من موجة ثالثة في أوروبا مع بداية العام المقبل قد تكون أشدّ وطأة من الثانية، لتزامنها مع ذروة انتشار الفيروسات الموسميّة، وحال الإنهاك التي تعيشها المنظومات الصحية في معظم البلدان الأوروبية.
وقال ديفيد نابارو، موفد المنظمة الخاصة لمراقبة جائحة «كورونا» وتنسيق الجهود الدولية لاحتوائها، إن الدول الأوروبية ستكون قريباً على أبواب موجة ثالثة لفيروس كورونا، إذا لم تبادر بسرعة إلى وضع البنى التحتية الصحية اللازمة، وتعزيز خدمات العناية الأولّية، وتشديد تدابير الوقاية والاحتواء. وفي تصريح غير مألوف من حيث مضمونه المباشر، قال نابارو إن الحكومات الأوروبية ضيّعت فرصة ذهبية لاتخاذ التدابير اللازمة خلال أشهر الصيف الفائت عندما كان الوباء تحت السيطرة بعد موجة الوباء الأولى.
ويضرب خبراء منظمة الصحة المثال بتطورات الوضع الوبائي في إسبانيا التي ضربتها الموجة الشتوية الثانية بقسوة أشدّ من الموجة الأولى، وأعقبتها موجة ثالثة مؤخراً أقلّ وطأة. وفي كوريا الجنوبية، التي تنتج نسبة عالية من مستلزمات الاختبار والتشخيص وتعقّب الإصابات التي تستخدم في العالم، تمكّنت الحكومة حتى الآن من تحاشي الإقفال العام مكتفية بإغلاق المقاهي والحانات الليلية، ووضعت قيوداً على المراسم والاحتفالات الدينية والمطاعم، لكنها أبقت على النشاط التعليمي الذي لم يتوقّف خلال المرحلتين الأولى والثانية. وكانت الوكالة الكورية لمكافحة الأمراض السارية قد أفادت بأن عدد الإصابات بالفيروس خلال هذه المرحلة الثالثة قد يتجاوز ما شهدته الموجتان الأولى والثانية في مرحلة الذروة عندما تجاوزت الإصابات اليومية 30 ألفاً وزاد عدد الوفيّات عن 500 يوميّاً.
ويأتي هذا التحذير على لسان موفد منظمة الصحة العالمية في الوقت الذي شهدت الدول الأوروبية الكبرى، المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، تراجعاً في الإصابات اليومية تراوح بين 15 ألفاً و23 ألفاً خلال الأسبوع الماضي، مع ارتفاع في عدد الإصابات في إيطاليا تراجع في الأيام الثلاثة المنصرمة.
وما يثير قلق خبراء منظمة الصحة أن جهود الحكومات الأوروبية تبدو منصبّة على احتواء الموجة الثانية للوباء، ليس لوضعه تحت السيطرة من أجل تعزيز البنى التحتية والمنظومات الصحية تحسّباً للموجة الثالثة، بقدر ما تهدف جهودها في المقام الأول لإنقاذ موسم عطلة الميلاد ورأس السنة الذي تعتمد عليه الاقتصادات الأوروبية بنسبة عالية. ويخشى الخبراء من أن التراخي في تدابير الوقاية وقيود الاحتواء وفترات «الهدنة» التي تتحدّث عنها بعض الحكومات سيتزامن مع عطلة الميلاد التي تشهد عادة ازدحاماً كبيراً في المتاجر، وحركة اجتماعية كثيفة، تذكّر بتلك التي عاشتها أوروبا خلال عطلة الصيف التي كانت الأرض الخصبة التي مهّدت لهذه الموجة الثانية.
ويقول مايك رايان مدير الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، إن موجة وبائية ثالثة في أوروبا مع مطلع السنة المقبلة قبل نزول اللقاحات إلى الأسواق وتوزيعها في الأقلّ على أفراد الطواقم الصحية والفئات الضعيفة، من شأنها أن تترك آثاراً مدمّرة على بعض المنظومات الصحيّة مع تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وخيمة. وفيما يتسّع النقاش الأوروبي حول اللقاحات، وفعاليتها، ومواقيت الموافقة النهائية عليها، وحول الطبيعة الإلزامية أو الطوعية لتناولها، قالت منظمة الصحة العالمية، إن اللقاحات يجب أن تكون إلزامية بالنسبة لأفراد الطواقم الصحية، وطوعيّة بالنسبة لعموم السكّان.
وتخشى المنظمة الدولية من أن أجواء المنافسة المحتدمة التي دخل فيها السباق على إنتاج اللقاحات وتوزيعها بين الدول الكبرى، ستكون على حساب الهدف الأساسي لتوزيع اللقاحات على جميع بلدان العالم. وتقول سويري مون مديرة معهد الصحة العالمي في جنيف، إن ما نشهده حتى الآن على حلبة السباق الدولي لإنتاج اللقاح يعكس تركيزاً جارفاً على سرعة الحصول على اللقاحات، وبأكبر كميّة ممكنة، وليس على الهدف العلمي والصحي والإنساني الصحيح، وهو من هم الذين سيحصلون عليها. وكانت منظمة الصحة العالمية قد شدّدت مراراً على أن المعركة ضد الوباء لن تنتهي طالما توجد مناطق أو بلدان لا يزال يسري فيها.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة ملتقطة بالمجهر الإلكتروني قدمتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تُظهر مجموعة من فيروسات «نوروفيروس» (أ.ب)

وسط انتشاره بأميركا... ماذا نعرف عن «نوروفيروس»؟ وكيف نحمي أنفسنا؟

تشهد أميركا تزايداً في حالات الإصابة بفيروس «نوروفيروس»، المعروف أيضاً باسم إنفلونزا المعدة أو جرثومة المعدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟