تتذكر جون جوردان، في مقالتها المثيرة «أعجوبة الشعر الأميركي الأسود الصعبة»، أنها عملت محكمة نهائية لجائزة للشعر عام 1985. وفي أثناء تقليبها المجموعة الأخيرة من النصوص المخطوطة، بدأت تدون كلمات تتكرر: قمر، شجر الدردار، الليلك، أخدود، تندرة.
وقد لاحظت أن «ست عشرة مخطوطة من الشعر عام 1985 لم تستعمل واحدة منها عبارات تتصل بحياتي السوداء». كتب الشعراء، وهم جميعاً من البيض، عن مقابض المضخات والوز الثلجي، دون أن يشيروا مطلقاً إلى الرواتب المنخفضة، أو إطلاق البوليس النار، أو إلى الأحداث العالمية في تلك الفترة: التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، والجوع في إثيوبيا.
تقول جوردان: «لن أدعي أنه يمكن لي أن أفرض قضاياي الملحة على الشعراء البيض الذين يكتبون في أميركا»، لكنها تعجبت من إصرار الشعراء السود، وإلحاحهم على الكتابة عن الحرية، حتى حين كان عملهم محل سخرية لكونه «موضوعاتياً» أو «شعاراتياً»: «هذه هي المعجزة الصعبة للشعر الأسود في أميركا: إننا نثابر، نُشرنا أم لم نُنشر، كنا محبوبين أم لم نكن؛ إننا نثابر».
المنتخب الجديد الذي نشرته «لايبرري أوف أميركا» (مكتبة أميركا)، بعنوان «الشعر الأفرو-أميركي: 250 عاماً من الكفاح والغناء»، بتحرير كيفن يونغ، إسهام هائل في ذلك الإصرار، ابتداءً من الفترة الاستعمارية حتى الوقت الحاضر. هو منتخب يتضمن قصائد عن الظلم والمضايقة والجوع -احتجاجات على الصفحة- ولكن أيضاً هناك قصائد منتشية مكرسة للموسيقى والطعام، للتحديق الأبله في الغرباء الحلوين، للملل وآلام الولادة وانقطاع الطمث، وأيضاً -لم لا؟- للقمر وشجر الدردار والليلك.
لقد نشر يونغ -وهو الذي وُصف بأنه «أكثر الشعراء الأميركيين انشغالاً»- كثيراً من المجاميع الشعرية والمقالية، وحرر منتخبات من الشعر حول الحزن والجاز. وهو محرر الشعر في مجلة «النيويوركر»، ومدير مركز «شومبرغ» للبحث في الثقافة السوداء التابع لمكتبة نيويورك العامة. وفي يناير (كانون الثاني)، سيبدأ عملاً جديداً في إدارة متحف السمثسونيان الوطني للتاريخ والثقافة الأفرو-أميركية.
مساعيه الكثيرة مرتبطة بمحاولته للإنقاذ، وتوفير السياق، والإشارة إلى مواضع الاستمرار، دون تخلٍ عن تعددية التجربة. إحدى إنجازات يونغ في هذا الكتاب الذي استغرق ست سنوات في الإنجاز، تتمثل في إبراز كتاب أقل شهرة -لا سيما الكاتبات من بينهم، مثل آن سبنسر ومي ف. كاودري؛ الشخصيات المنسية من عهد حركة «نهضة هارلم»، وفي مساءلة الأسباب التي أدت إلى غياب أعمالهم. هل يعود السبب إلى عدم نشرهم أي كتاب؟ هل عاشوا في زمن -مثل فترة الثمانينات- بدعم مؤسسي ضعيف للشعراء السود؟ هل وظفوا أشكالاً كتابية محتقرة؟ هل كانوا مجبرين على الاحتفاظ بكتاباتهم سراً؟
يمكن للمنتخبات أن تكون مصدة ضد النسيان. هنا قصائد تعد تابوهات في عصرها (قصائد أنجلينا ويلد غريمكي الغرامية الفاتنة الموجهة لامرأة أخرى)، أو المنتجة في أشكال تعد هامشية (قوافي لوسيل كليفتون الأشبه بالقفز على الحبل التي تنشر هنا للمرة الأولى).
منذ صفحاتها الأولى، أجبرتني هذه المجموعة أن أقرأ بطريقة غير طبيعية، طريقة بطيئة غير منتظمة -وهكذا حتى نهايتها (الكل يعلم أن الطريقة الصحيحة تكون على نحو اعتباطي تماماً، تبدأ بمن يفضلهم المرء -أو من يعدهم أعداءه- قضمة هنا وقضمة هناك). لكن هذه القصائد، رغم أنها رتبت بطريقة تقليدية، وقسمت إلى مجموعات منتظمة تاريخياً، ووزعت ألفبائياً حسب المؤلف، في الغالب، فإنها يعلق بعضها على بعض خفية.
تكتب ماري إيفانز في قصيدة «أنا امرأة سوداء»: «أنا/ امرأة سوداء/ طويلة مثل شجرة سرو/ انظر إلي وتجدد». وفي الصفحة المجاورة، تدفعنا قصيدة سارة ويبستر فابيو «سأكون لك مطراً» وهي متشبثة بنا: «سأكون لك مطراً/ مصرة، مستمرة، ومع ذلك متقطعة». تقول إن للجفاف «يدين أكثر حناناً». وتتبعها قصيدة جوليا فيلد «مترفة» بلامبالاتها الملكية تجاه شهية أي أحد آخر أو احتياجاته، فيما عدا شهية واحتياجات المتحدثة. تكتب: «أريد كؤوساً مشهِّية سامقة/ خططتني المدن/ وتصدقوا عليّ/ يكفي/ أريد أن أكون مترفة».
هذه لمحات ذكية لطيفة في كتاب تهيمن عليه فترات أكثر ظلاماً. وفي قصيدتها التي تعود إلى عام 1989: «حين ظهرت جثث نساء سود غير معروفات»، كتبت توي ديريكوت عن نساء سود قتلن، ثم اكتشفن في الحقول وعلى الطرق السريعة.
هل كنت مخطئة حين فكرت
بأنه لو عُرِّيت خمس نساء بيض،
وتُركن بائسات، فسيُسمع عويل أجراس الإنذار حتى
يُحدد اسم شخص ما؟
تنطلق آجا مونيه من هذه الصرخة في «قل اسمها»: «أنا امرأة تحمل نساء أخريات في فمها»، تسميهن: ريكيا بويد، ساندرا بلاند، بيرلي غولدن، وغيرهن.
حين يُقرأ بهذه الطريقة يبدو الكتاب مؤلفاً قوياً حول التاريخ الأميركي، يعلق فيه الشعراء على عصرهم، ابتداءً بفيليس ويتلي، أول شاعرة أميركية سوداء نُشرت لها أعمال. هنا ديفيد دريك، صانع الفخار الذي، حين كانت المعرفة بالكتابة والقراءة ممنوعة عن الرقيق، نقش شعره في شكل أبيات ثنائية حول الانفصال العائلي في أثناء العبودية (أتساءل أين كل أقاربي/ صداقة للجميع/ ولكل شعب). هنا مولد الجاز، محاكمة سكوتزبورو، قتل إيميت تل، حرب فيتنام، مقتل مالكوم إكس، مقتل مايكل براون، وريكيا بويد، وساندرا بلاند.
يخاطب الشعراء أميركا مباشرة. في عام 1853، كتب جيمس م. وايتفيلد: «أميركا، من أجلك/ أنت يا أرض الحرية المتباهية/ من أجلك أرفع أغنيتي/ أنت يا أرض الدماء والجريمة والخطأ». ويخاطب الشعراء بعضهم بعضاً. أكثر وجوه هذا المنتخب تأثيرا هي رؤية الكتاب في الأقسام الأولى -لانغستون هيوز، بول لورنس دُنبار، غويندولِن بروكس، جون جوردان- وهم يتحولون إلى أجداد محبوبين، يصيرون مناسبات لقصائد في الأقسام الأخيرة.
إذا كانت هذه المختارات تبدو شكلاً من التاريخ، فإنها أيضاً تاريخ للشكل؛ إنها تتبع أنهار الإنجليزية والموروثات الشعبية، وإيقاعات الجاز، وتأثير الحداثة و«حركة الفنون السوداء». مهما يكن الأسلوب، ومهما يكن شكل الإطار، تظل القوة المميزة للقصيدة واضحة. يمكن للقصيدة، كما لا يمكن لأي شكل آخر، أن تنقل باقتدار شعوراً بالتزامن؛ يستطيع الماضي أن يتخلل الحاضر، ويمكن للمستقبل أن يشرئب خلفنا؛ إحساس يمكنه القفز بين أغنيتي الأسى والإعجاب. تصير الأغنية نفسها مساحة للنقاش حول تكلفة تحويل الصراع إلى غناء، حسب تعبير يونغ. يواجه الشعراء الحاجة الملحة لتوثيق العنف، ولكن أيضاً للغضب أمام القسر. تكتب دانيز سميث في «ديناصورات في القلنسوة»: «لا يمكن لهذا الفيلم أن يكون عن الألم الأسود أو يتسبب في ألم أسود؛ هذا الفيلم لا يمكنه أن يكون عن تاريخ طويل لوجود تاريخ طويل للألم».
أو تدفع الشاعرة في الاتجاه المعاكس، جالسة عند شباكها، تتأمل قصيدة عن السماء أو السحاب وتتوقف، مثل نكي جيوفاني في «من أجل سوندرا»: «ربما عليّ ألا أكتب أبداً/ وإنما أن أنظف مسدسي/ وأقيس كمية الكيروسين/ ربما أن هذه ليست أزمنة شاعرية أبداً». وفي «قصيدة الأربعاء»، تكتب جول دياز - بورتر: «أفتح ملفي حيث قصائد الطبيعة/ ثم أغلق الملف واسترخي في كرسي/ أي تشبيه يستطيع إغلاق جرح رصاصة؟». وتقول لوسيل كلفتون: «من المؤكد أنني أستطيع كتابة القصائد/ الاحتفاء بالعشب»، ثم تتساءل: «لِمَ توجد قصيدة دائماً تحت قصيدة أخرى؟».
دائماً: القصيدة تلو القصيدة، والرهان على أصغر الأشياء. يحتار المرء عند تأمل التنوع والتاريخ في هذا المجلد. في القصائد المجموعة هنا ما في الحدث من قوة. لقد كتبت لتكون أفعالاً من الحداد العام، ولتكون أسراراً؛ إنها قصائد حب وخصومة حادة. هي رفقة ثمينة. إغلاق هذا الكتاب يستحضر جون جوردان في الذهن؛ وقد يقول المرء ما قالت حين شكرت حبيبها في «قصيدة من أجل هاروكو»: «يا للسهولة التي أمسكت بها يدي/ إلى جانب التيار الخفيض للعالم».
*مراجعة لـ«الشعر الأفرو-أميركي: 250 عاماً من الكفاح والغناء»
تحرير: كيفن يونغ
«نيويورك تايمز» 10/11/2020