«داعش».. الأصل إخواني

قيادي في جماعة {الجهاد} المصرية لـ «الشرق الأوسط»: الاعتقاد بوجود فرق بين فكر «الإخوان» و«داعش».. جهل

TT

«داعش».. الأصل إخواني

«داعش» نبتة إخوانية قطبية نشأت على كتب سيد قطب ومنهجه في «الظلال» و«معالم في الطريق» وغيرهما من كتبه منذ الستينات، ولا تجد أحدا من «داعش» أو من «القاعدة» عموما إلا وهو يعظم سيد قطب ويعتبره مثلا أعلى ونموذجا يحتذى، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، فإنه نص على أن فكر سيد قطب وكتبه هي المصدر الرئيسي لمنهج رجاله.
ويقول خبراء في الجماعات المتطرفة، إنه لم يعد هناك شك في أن «داعش» نبتة شيطانية للتفكير القطبي الإخواني، وهي امتداد طبيعي للتنظيمات التكفيرية التي تربت على موائد الجماعة وفي داخل السجون وفي مدارسها مثل «القاعدة» وجبهة النصرة، وغيرهما.
وبالإضافة إلى اعتراف يوسف القرضاوي، في فيديو انتشر وكشفت عنه «الشرق الأوسط» قبل أسابيع، نقلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي «كان من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين». وفي الفيديو نفسه، شرح القرضاوي أن البغدادي كان له «نزعة قيادية، مما حثه على الانضمام لـ(داعش) وقيادة التنظيم بعد خروجه من السجن». وأشار القرضاوي إلى أن «(داعش)، وغيره من التنظيمات الإرهابية، استقطبت شبابا من عدة دول تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله».

وفي تسجيل صوتي نادر لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة المزعومة للجماعة ليست مفروشة بالورود، ولكنها مفروشة بالأشلاء والجماجم مزينة بالدماء وليست مزينة بالورود والرياحين. وكانت هذه الكلمات مقدمة، بل تأصيلا منهجيا يسير عليه أتباع هذا الفكر الدموي الضال الذي انبنت عليه فكرة ما يسمى «داعش» التي نشرت أخيرا في الرقة والموصل ملصقات لأقوال سيد قطب أو أفكار القطبيين، والتي بات لها مشايخ وأئمة يؤمنون بأفكار القطبيين ويقدسونها، حيث يتحدث أتباعه باللهجة نفسها، فهم يعتبرون أن الدين لا يمكن أن يصل إلى الناس عن طريق الدعوة أو المنابر ويسخرون من كل ما ينادي بهذا المنهج، وقد انتشرت فيديوهات التنظيم على الشبكة العنكبوتية في مواقعهم التي تؤكد فكرة أن الإسلام لا يقوم عن طريق المنابر، بل إن هناك طريقا واحدا فقط هو الطريق المفروش بالجماجم والأشلاء.
ولا تخلو إصدارات «داعش» من أفكار سيد قطب التكفيرية، ومنها استشهاد أغلب إصدارات التنظيم بمقولة سيد قطب في الظلال 3/ 1543 «فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد»، و«النص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها»، بحسب محسوبين على متطرفين في لندن. وربما بالعودة إلى كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» الذي نشرته «الشرق الأوسط» على حلقات بعد هجمات سبتمبر (أيلول): «إن سيد قطب هو الذي وضع دستورنا في كتابه (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي، وإن كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات المتطرفة، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم. والكتاب منشور اليوم بالكامل في موقع (التوحيد والجهاد) الذي يشرف عليه أبو محمد المقدسي المنظر الشرعي لكل المتطرفين حول العالم».
كما أكد الظواهري في محاضرة له، أن أسامة بن لادن خرج من تنظيم الإخوان المسلمين وأشار إلى أنه كان يتبع تعليمات التنظيم بحذافيرها عندما توجه إلى باكستان، فيما قال عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب في كتابه «عشرون عاما على استشهاد سيد قطب»: «والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه في تفكيرهم. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار القطبيين آنذاك وفي الجيل كله فوق الأرض كلها. ومنهم أيضا محمد المقدسي وهو أحد الأفغان العرب المشهورين بشدة التكفير والحكم بالردة على المسلمين واستباحة دمائهم، وله عدة كتب تعج بالآراء المتطرفة مثل (ملة إبراهيم), وهذه الكتب كانت توزع في معسكرات أسامة بن لادن على الأفغان العرب، فقد قال في كتابه (ميزان الاعتدال): بل قد أمضيت عمرا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين قد أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرها من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية».
إلى ذلك، أكد خبراء مصريون أن «(داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، وأن طلب تنظيم داعش عودة الخلافة الإسلامية هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسم كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس، وأن قادة (داعش) يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان». فيما قال قيادي جهادي مصري، إن الاعتقاد بوجود فرق بين فكر الإخوان و«داعش».. جهل، وإن اعتراف الأب الروحي للإخوان الشيخ يوسف القرضاوي، بانتماء زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، للإخوان، خير دليل ويعني أنه «شهد شاهد من أهلها».
من جانبه، قال القيادي في تنظيم الجهاد المصري، الشيخ نبيل نعيم، إن «أي إنسان يعتقد أنه ليس هناك فرق بين الإخوان و(داعش).. جاهل»، مضيفا: «لكن (الإخوان) كانت لديهم قدرة على إخفاء ما يعتنقونه خاصة فيما يخص المسلمين».
وتابع بقوله: «(الإخوان) أول من كفر المتجمعات، ومحمد قطب شقيق سيد قطب كفرهم، وسيد قطب، أبرز منظري جماعة الإخوان، قال في كتابه (معالم في الطريق): إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين»، لافتا إلى أن «هذه هي عقيدة تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والقاعدة».
وأضاف نعيم لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا فرق بين ما يعتنقه (الإخوان) و(داعش)؛ لكن (الإخوان) بسبب ما نزل بهم من البلاءات، اتبعوا نظام (التقية) أي يقولون الشيء وهم يخفون شيء آخر.. يبيحون في أنفسهم سهم تكفير المجتمعات الإسلامية، وأن الدول كافرة ويجوز استحلال الأموال الحكومية، والكذب على الناس والتجسس.. كل هذا تعتنقه جماعة الإخوان.. فالإخوان يتبعون نظام (العزلة الشعورية) فهم يعيشون في مجتمعات منفصلين عنها شعوريا»، مؤكدا أن «داعش» و«جبهة النصرة»، و«أنصار الشريعة»، و«القاعدة»، ترجموا هذا لواقع عملي، مضيفا: «إن قول القرضاوي، إن البغدادي كان ينتمي للإخوان هذا خير دليل، وكأنه (شهد شاهد من أهلها)».
وأضاف نعيم، أن «(الإخوان) لا يختلفون عن (داعش) فكريا»، مشيرا إلى أنهم أصل العنف في العالم، وجميع المنظمات الإسلامية الإرهابية خرجت من رحمها.
ويرى مراقبون أن رفع أنصار جماعة الإخوان رايات تنظيم داعش السوداء، وهتفوا له في حي المطرية الشعبي (شرق القاهرة)، أثناء مظاهرات نظموها يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضمن فعاليات دعا إليها تحالف يقوده «الإخوان» تحت شعار «قوة في وحدتنا».. لهو خير دليل على أن فكرهم واحد وهو العنف والتخريب.
وصنفت الحكومة المصرية «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم جبهة النصرة، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
بدوره، فسر الشيخ رسمي عجلان، من علماء الأزهر، العلاقة بين «داعش» وجماعة الإخوان المسلمين، قائلا: «يلتقي (داعش) وجماعة الإخوان في طلبهما بعودة الخلافة الإسلامية، واستخدامهما للعنف وإراقة الدماء والتطرف الفكري»، لافتا إلى أن طلبهما بعودة الخلافة الإسلامية ليس بجديد، وهي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لأنهم يعلمون أن هذه العبارة تجذب العوام والسذج من المسلمين ويغريهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لعودة الأمة الإسلامية قوية، فتصبح الدول الإسلامية يد واحدة في وجه التكتلات الدولية الغربية الحديثة، مشيرا إلى أن «هذا كلام لا وجود له على أرض الواقع، فهم يلعبون بمشاعر الناس ويعتمدون في التأثير عليهم على الصورة الجميلة للخلافة الإسلامية في ذاكرة التاريخ والناس، وقديما قال أحد قيادات «الإخوان» لا مانع من أن يحكم مصر - قلب الأمة العربية – وإلى بنغلاديش الجنسية أو باكستانيا، لأن الخلافة قادمة، وسواء كانت عاصمة الخلافة بغداد أو دمشق أو القاهرة.. فهذه هي المصيبة الكبرى أنهم لا يقرأون فقه الواقع وفقه الأولويات ولا حتى ما يدور حولهم من تغيرات سياسية والاقتصادية واجتماعية وتكنولوجية.
وأضاف الشيخ عجلان، وهو عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وله الكثير من الدراسات الخاصة بكيفية مواجهة التطرف والعنف، لـ«الشرق الأوسط»: «يلتقي كل من (داعش) وجماعة الإخوان في فكر العنف وإراقة الدماء، والسبب يرجع للتطرف الفكري عند (داعش) وجماعة الإخوان»، لافتا إلى أن «هذا ليس افتراء عليهم، فتاريخ الاغتيالات الإخوانية معروف ومشهور للجميع، وما قاموا به من تفجيرات وقتل وسفك للدماء البريئة في السنوات الثلاث الماضية، لهو أكبر شاهد وأعظم دليل.. وهم عندهم من يفتي بإباحة هذه الأعمال الإجرامية، لأنهم يعتبرون من لا يحكم بكتاب الله فهو كافر، ولأن المجتمع لم يخرج عليه فهو كافر، وقتال الكفار واجب ديني».
وتابع بقوله: «كان سيد قطب مفتي الدماء في جماعة الإخوان، وكان قسم كل من يدخل جماعة الإخوان على المصحف والمسدس، وعندما سئلوا عن الأبرياء الذين يموتون بسبب التفجيرات التي يقومون بها؟، قالوا: يموتون على نياتهم ويبعثون على نياتهم»، وهذا كلام مخالف للشرع الحنيف الذي جاء به سيد المرسلين سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. و«داعش» تعتنق نفس الفكر لأن بها كثيرا ممن ينتسبون لجماعة الإخوان، وقادتهم يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان، ولذا تجد أن أول مطلب لهم عودة الخلافة الإسلامية، ومفتي «داعش» يحلل لهم القتل وسفك الدماء لكل من خالفهم أو اعترض على فكرهم وأفعالهم، بل أباح لهم القتل الجماعي من أجل الوصول للخلافة.. وهذه وسيلة حرام شرعا وقانونا وإنسانيا.
ولفت عجلان إلى أن «داعش» اعتنقت الفكر التكفيري مثل جماعة الإخوان، فأصبح الحاكم عندهم كافرا، ومؤسسات الدولة كافرة، والمجتمع والناس كفارا، فقتالهم حلال، وسبي نسائهم وقتل شبابهم ورجالهم وسلب أموالهم غنيمة لهم، وهذا شيء لا يصدقه عاقل، ولم يقره دين من الأديان السماوية، ومعلوم أن «(داعش) و(الإخوان) صناعة خارجية، لتشويه صورة الإسلام السمح الحنيف، وتشويه صورة المسلمين المتميزين بالوسطية والاعتدال.. وفي هذه الحالة تتدخل الدول الغربية الكبرى في العالم الإسلامي لتقيم الحرية والديمقراطية، ويندرس الإسلام تحت عجلات الحرب الصناعية ويحرق الأخضر واليابس، بسبب الفكر المتطرف والعنف وسفك الدماء من جماعة (داعش والإخوان)».
من جهته، قال الخبير الأمني في مصر اللواء سامح سيف اليزل، إن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية لا تعني أنها منفصلة فكريا وآيديولوجيا»، مشيرا إلى أنها «جميعا تسير على نهج واحد وتتبنى الأفكار ذاتها»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إن (داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان»، موضحا أن هذه الجماعات خرجت من تحت عباءة «الإخوان».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».