نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

رموزهم غائبون وحراكهم تحطّم... والمملكة تحصّن التعليم بقرارات تاريخية ومناهج جديدة

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية
TT

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

نهاية خطابات «الإخوان» و«السرورية» وأدواتهم في السعودية

في الأسبوع الماضي، أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية، وهي المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة العربية السعودية، بياناً بلغة قوية، حذرت فيه من لبّ الإرهاب الملتصق بالدين الإسلامي، وقالت الهيئة «إن جماعة الإخوان المسلمين إرهابية ولا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين».
وتابعت «منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فساداً مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم». ثم اختتمت «مما تقدم يتضح أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستّر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب، فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها».

25 سنة مرّت على أول عملية إرهابية استهدفت المملكة العربية السعودية، حين استهدف 4 إرهابيين موقعاً في حي العليّا بالعاصمة الرياض، يقطنه أجانب من جنسيات عدة، في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1995.
كان ذلك الحدث نقطة تحول كبرى، وكان أيضاً مبحثاً لاستقصاء الأسباب، وإن كانت القوى الأمنية قد أسرعت الخطى في القبض عليهم. ومع العلم أنه كانت ملامح تدل على أن متشرّبي الفكر الإرهابي جاءوا من رحم خطابات متطرفة وتنظيم «القاعدة» الإرهابي. في ذلك الحدث، وبعد 5 أشهر فقط، أمكن القبض على الفاعلين وهم أربعة من الشباب السعودي، تتراوح أعمارهم بين 24 و28 سنة، بُثت اعترافاتهم تلفزيونياً، وقد استقبلها السعوديون بالشعور بالمفاجأة؛ كونهم لم يشهدوا مثل ذلك من قبل، وإن كانت حادثة «جهيمان» في 1979 لا تزال ضمن المَرويات التاريخية التي ظنوا أنها طويت.
بالنسبة للشبان الأربعة، ثبت وفق التحقيقات التي أعلنت أنهم تلقوا تدريباتهم في أفغانستان، وكانت لهم علاقاتهم مع زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وحصلوا على الأسلحة عبر التهريب من اليمن.
الأربعة المغرّر بهم، تلقوا الخطاب السائد في فترة الحرب الأفغانية، وما كان قبله من خطابات مسّت مناهج التعليم، وحين كانت أمواج الخطابات السوداء تحضر عبر مجاميع استغلت المؤسسات الدينية وكذلك التعليمية للحشد والترويج. ومن الخطاب الديني المسيس عبر شخصيات ورموز عدة، بعضهم اعتلى منابر المساجد، استقت عنفها المسلح من كتب تنظيم «الإخوان» وجناح «السرورية» الذي وجد حضوره في السعودية ليكونوا وقود نار، وفي ذلك تفاصيل أُخر.
وتبعت ذلك الحدث الإرهابي الأول، عام 1995، أحداث كان تنظيم «القاعدة» هو المتبني الأول لها، ونفذها أفراد جُنّدوا عن طريق الخطاب المؤدلج، وخاصة في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). ومن ثم، شهدت السعودية في فترات متوالية منذ 2003 و2004 أحداثاً إرهابية مدمّرة ذهب ضحيتها عشرات الأفراد من المدنيين، علاوة على عشرات من رجال الأمن.
إلا أن قوات الأمن بدأت كتابة فصول نهاية تنظيم «القاعدة» في السعودية، وأكملت عملية إنهاء وجوده. كذلك كتب القضاء الشرعي سطوراً أخيرة في عام 2016، بعدما أدان في أحكام عدة أصبحت نهائية العشرات منهم، سواءً من عمل في الجانب العسكري، أو الجانب الإعلامي، وأيضاً القلة الذين عملوا على الجانب الشرعي أو التنظيري. وما نتج من تلك الحقبة، أنه يغلب على مختلف التيارات المتطرفة «التراتبية الثلاثية» (العسكري والشرعي والإعلامي) التي غالباً ما يتأقلم بغضها مع بعضها، بل ويشوبها خلافات عدة، ولعل في تفصيل هذه القصص والسرد. لكن الخطاب المؤدلج ظل حيّز التحولات لكل أفراد التنظيمات، رغم التساؤل: هل يوجد منبع بالإمكان تجفيفه وردمه لوقف خطابات تحاول النيل من الجسد السياسي للدولة، أو تحاول غربلة المجتمعات بأفكار مسمومة؟

تحطيم مشروع 40 سنة
في الواقع، لم تأتِ عملية حي العليّا في الرياض، عام 1995، بمحض الصدفة، بل الأكيد أنها كانت نتاج مشروع آيديولوجي، وما سبقه من أحداث وصعود رجال دين حركيين في خطابات ما سُمّي بـ«الصحوة». وهذا ما يؤكده الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي؛ إذ قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الأسبوع الماضي «خلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة. اليوم لم يعد التطرّف مقبولاً في المملكة، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً. ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة. فقد أثبت السعوديون سماحتهم الحقيقية ونبذهم لهذه الأفكار التي كانت دخيلة عليهم من جهات خارجية تسترت بعباءة الدين، ولن يسمحوا أبداً بوجوده بينهم مرة أخرى».
وأوضح الأمير محمد، أن «ظاهرة التطرف كانت منتشرة بيننا. كنا وصلنا إلى مرحلة نهدف فيها، في أفضل الأحوال، إلى التعايش مع هذه الآفة؛ إذ لم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس. ولا السيطرة عليها أمر وارد»، وأضاف «قدمت وعوداً في عام 2017 بالقضاء على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر». ثم أكد الأمير محمد بن سلمان، أن «خطاب الكراهية هو الدافع الرئيسي لتجنيد المتطرفين، بما يشمل خطاب الكراهية الذي يستخدم حرية التعبير وحقوق الإنسان كمبرر»، مشيراً إلى أن «هذا الخطاب يستقطب خطاب كراهية مضاداً من المتطرفين، وهو مرفوض بطبيعة الحال».
هذا التصريح هو الأكبر لمسؤول سعودي، أضاء على النقاط الأساسية في مواجهة خطاب مؤدلج، صعّد «نجوم شباك» دينيين كانوا ذوي توجهات تضاد العلاقة التكاملية بين الدين والدولة السعودية المعروفة من تأسيسها، فبات لها اتجاه له مؤيدون تشرّبوا الفكر المضاد لوضع تيار تسرّب من خلاله أفراد وتشكلت تنظيمات.

جماعات إرهابية
في عام 2014، صنّفت السعودية في كيانها السياسي «الإخوان» جماعة إرهابية، وهي الجماعة التي حاولت إحداث تغيير اجتماعي بغية التأثير السياسي، لكن كل المنتجات كانت مليئة بالآلام من رجال دين اتبعوا حراكهم، أو من أخذ موجة أخرى تنبع من الآيديولوجيا الإخوانية ذاتها. والحقيقة، أن السعودية كانت بعيدة عن كل محاولات دينية مسيّسة. بل وواجهت الدولة بكيانها السياسي تلك العتبات، وحققت نجاحها، واستمر ذلك الكيان قوياً. ولعل موقف محاولات الاستقطاب الأشهر حين تصدّى الملك عبد العزيز (الملك المؤسس للكيان السعودي) في لقاء مع حسن البنا (مؤسس «الإخوان») حين طلب منه البنا فتح فرع لـ«الإخوان» في المملكة، وحينها رد الملك «كلنا إخوان ومسلمون». ومن بعدها لم تتوقف محاولات «الإخوان» تأسيس كيان لهم، لكنهم لم يجدوا موطئاً مؤسسياً، بل شكّلوا رموزاً لغايات التجنيد وفق دستورهم، وكتبهم تثبت ذلك، ومعها دلائل التاريخ.
لقد تسلل عدد من أتباع رموز من «الإخوان» إلى دول الخليج والسعودية في أواخر الخمسينات وخلال الستينات من القرن الماضي بعد مواجهة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ومحاولتهم اغتياله في «حادثة المنشية» (1954). وفي تلك الفترة، حاولوا إظهار ولاء مزيف، وكان حقل التعليم لهم مكان الولوج، وحقاً تمكّن كثيرون منهم من إبراز حضورهم أمام نهج وسطي سارت عليه السعودية، ثم زاد من حضورهم تسللهم إلى السعودية أيضاً مع بدء «حرب الخليج الثانية» وغزو نظام صدام حسين للكويت، وفي حينه أخذوا منهجاً تبشيرياً قائماً على نهج الحاكمية والتكفير والكراهية، قبل رحلة التحطيم لحضورهم وأدواتهم التي أحدثتها القيادة السياسية في المملكة أخيراً.
هذا، وكان مؤسس تنظيم «الإخوان» حسن البنا، قد صنّف المسلمين بناءً على موقفهم من «الإخوان»، وذكر ذلك تفصيلاً عن هذه الحركة في كتاب جيمس هيوارث دن (المخابراتي البريطاني) في كتابه «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، الذي أصدرته دار «جداول». إذ ذكر الكتاب، أن البنا يرى، أن «الإخوان هم الأمة الإسلامية». و«المؤمن هو عضو في الإخوان، والذي يتردد في قبول مبادئ الإخوان ينصح بمراقبة تقدم الحركة ودراسة كتاباتها وينعت بالمتردد». ولم يكن لدى البنا أن يقدم للنفعيين سوى العمل الجاد والتضحية، بينما العدو المتحامل على «الإخوان» فيُرجع أمره إلى رحمة الله وهدايته!
كتاب هيوارث دن (المؤلف قبل 70 سنة) من الكتب التي ينفيها «الإخوان» بعد كشفها كثيراً من اتجاهاتهم. ولقد عرّج الكاتب - الذي عايش حسن البنا - على مبادئه السياسية، التي منها تسميته «المرشد العام»، وكذلك على «وجوب تنظيم دروس محاضرات عن الإسلام لتعزيز قضية الإخوان». كما أشار إلى «واجب على كل فرع أن يكون له مكاتب تمثل القضية وحيث يمكن لكل الأعضاء أن يلتقوا»، كما تطرّق إلى تعريف «الإخوان المسلمين» من قبل حسن البنا ليبيّن إلى أي مدى كان يدعو إلى إعادة تجارب النبوة، فاستخدام كلمة «أمة» هو الأهم، لا «الدولة»؟

لم يعد هناك صمت على «السرورية»
من ناحية ثانية، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إبان زيارته للولايات المتحدة في مارس (آذار) من 2018 مع مجلة «تايم» الأميركية المرموقة، فوصف أتباع «السرورية» بأنهم «الأكثر تطرفاً في الشرق الأوسط... وهم أعلى درجة من جماعة الإخوان المسلمين»، وأردف أن «السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستجري محاكمتهم متى توافرت الأدلة الكافية ضدهم».
هذه مواجهة سعودية هي ذاتها التي كانت مع رموز «الإخوان»، لكن بطريقة أقوى.
وجدت «الحركة السرورية» استقطاباً في المجتمع السعودي سابقاً، بعدما جاء بها إلى السعودية، رجل الدين السوري محمد سرور بن نايف زين العابدين، ومزجت بين السلفية - لإرضاء التوجه الرسمي للدولة في السعودية - وبين فكر «الإخوان» القائم على تسييس الدين. وللعلم، فإن رجال «الصحوة» في معظمهم داخل المملكة ينتمون إلى هذه الحركة. وعلى الأثر، مع نشوء تيار «الصحوة» المستغلّ موجة «السرورية»، وجد «الإخوان» فرصتهم الذهبية. وبالفعل، جعلوا «السرورية» بمثابة «حصان طروادة» لهم؛ بهدف إبعاد الأعين عن نشاطاتهم واستغلال السلفية مظهراً وعباءة؛ تمهيداً للتمكن من المؤسسات الرسمية، مع الإشارة إلى أن ذلك تزامن مع صعود الثورة الإسلامية (الخمينية) الإيرانية.
ولاحقاً، وجدت دول ترعى «الإخوان» في السرورية منجم ذهب، فاستمالتهم وعززت «نجوميتهم» مبرزة إياهم في منابر إعلامية، أطلوا منها يقدمون الفتاوى وهم خارج المؤسسة الدينية الرسمية، ويأخذون في تقديم خطاب يدخل نسيج المجتمع. وبعد الانتفاضات العربية، اتجه معظم الرموز إلى تركيا، وكانت أساليب تجييشهم مولّد انجذاب إلى بلاد الثورات.
السعودية، من جهتها، أنهت «السرورية»، وهناك من عاد منهم وظهر تلفزيونياً ليتبرأ. في حين قال الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي «الإخوان اللامسلمون يمارسون الإرهاب المروّع ضد كل من يحذر من خطرهم أو يكشف منهجهم ويعريه». وأضاف «أخطر وأشر فصائلهم السرورية، وهم يشكلون حكومة عميقة في البلاد التي تبتلى بهم، وينتشرون في مفاصل الدول ويقمعون، بل يدمرون كل من يفضحهم أو يتعرض لهم، سلاحهم الكذب والتزوير والغدر والتخفي وعدم مخافة الله».

تحصين التعليم السعودي
لقد حرص «الإخوان» - ومعهم «السرورية» - على اختراق السعودية. بيد أن جهدهم تحطم، وانكشفت التوجهات التي حاولوا ممارستها، ومعها كل خططهم. ومع سقوط حكمهم في مصر، أصبحت الأرضية التي حاولوا البناء عليها من خلال التعليم، وتحويلها من المعرفية إلى الحركية في السعودية سراباً، بفعل قرارات وإصلاح في المنظومة التعليمية. وخلال العامين الماضيين، أعلنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض أنها لن تجدد لبعض المتعاقدين السعوديين وغير السعوديين ممن هم متأثرون بالأفكار الإخوانية والداعشية وغيرها. كذلك، صدر قرار من وزير التعليم عام 2016، بسحب نحو 80 كتاباً من مكتبات ومراكز مصادر التعلم في المدارس، من بينها كتاب «الوصايا العشر» لحسن البنا، وكتاب «شبهات حول الإسلام» و«في ظلال القرآن» لسيد قطب.
وأيضاً، كانت من القرارات، قرار وزير التعليم الحالي حمد آل الشيخ، إبعاد المعلمين الذين انتهجوا مخالفات فكرية، وجاء القرار على لسان وزير التعليم نفسه الذي منح مديري التعليم حق «الإبعاد الفوري للعاملين في المدارس ممن لديهم مخالفات فكرية وتكليفهم بأعمال إدارية خارج المدارس بصفة مؤقتة لحين البت في القضية».


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.