هل تكون مولدافيا حلقة جديدة في «حزام الأزمات» حول روسيا؟

> «التغييرات آتية في المجتمع المولدافي»... هكذا كتب معلق روسي بارز، قبل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية مباشرة.
الاستخلاص الذي توصل إليه كثيرون مع بروز نجم مايا ساندو بقوة، أن الأمور في هذا البلد تتجه نحو الابتعاد عن روسيا. ما يعني أن موسكو قد تخسر جمهورية سوفياتية جديدة تفضل قلب الظهر لها، والتوجه نحو تعزيز العلاقات مع أوروبا. ووفقا للسفير السابق لجمهورية مولدافيا لدى الاتحاد الروسي أناتول تسارانو فإن فوز مايا ساندو في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة يعني أن «مولدافيا سوف تغادر إلى الأبد منطقة نفوذ روسيا».
جاءت التطورات في مولدافيا لتضيف عنصر توتر إضافياً جديداً بالنسبة إلى الكرملين، بعدما أحاطت التطورات الساخنة بروسيا من كل صوب. وفيما تتعلق الأنظار بتطورات الوضع في بيلاروسيا (روسيا البيضاء) الحليف الأقرب للكرملين، فإن الوضع حول أوكرانيا لم يهدأ منذ سنوات، وقبل ذلك كانت موسكو خسرت جورجيا نهائيا بعد حرب العام 2008. وخلال الشهر الماضي قاد التحول في قرغيزستان، وإطاحة الرئيس الموالي لموسكو ليضع هذا البلد في منطقة آسيا الوسطى بدوره على طريق الخروج من نطاق الهيمنة الروسية. ومع أن نهاية الحرب في قره باغ، تعد انتصاراً مهماً للدبلوماسية الروسية، فإن الخبراء الروس سرعان ما بدأوا بوضع تصورات متشائمة لما وصف بأنه «تحديات استراتيجية تواجهها موسكو في منطقة جنوب القوقاز».
التحليلات الروسية باتت تشير بوضوح إلى ما يوصف بأنه «حزام أزمات» يهدف إلى إشغال الروس دائماً، بالمشاكل القريبة من حدودهم، لتقليص قدرات روسيا على تعزيز دورها كلاعب عالمي، أو التعامل مع ملفات استراتيجية على المستوى الدولي. وفي حين أن التحذيرات الروسية المتواصلة منذ نحو عقدين كانت تركز على أن سياسة واشنطن تجاه موسكو تقوم على مبدأ «التطويق العسكري» عبر تعزيز مسار توسيع حلف الأطلسي «ناتو» شرقا، ونشر أنظمة صاروخية في إطار مشروع «الدرع الصاروخية» الأميركية في مناطق حول روسيا، فقد أظهرت التطورات الجارية خلال السنوات الأخيرة أن الاستراتيجية الأميركية ذهبت أبعد من ذلك، مع وصول المشاكل المعقدة إلى داخل دائرة النفوذ الروسية، وإصابتها بتصدع كبير يفاقم من انحسار قدرة روسيا على التأثير داخل المجتمعات الواقعة تحت نفوذها.
يتهم الروس واشنطن وحليفاتها الغربيات بتشجيع نزعات الابتعاد عن روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، وتقويض التحالفات مع موسكو، وصولا إلى دعم الثورات الملونة والتطورات الداخلية الجارية في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة. ورغم أن هذا الفهم يغلب على تحليلات الغالبية الكبرى من الخبراء الروس، فبعضهم أشار أيضا إلى فشل كبير في السياسة الروسية بسبب سلسلة أخطاء ارتكبت خلال السنوات الماضية.
ومهما كانت طبيعة التداعيات التي يحملها فوز ساندو بانتخابات الرئاسة في مولدافيا، على الوضع الداخلي في البلاد، فإن حقيقة فوز سياسية تدعو إلى نهج جيوسياسي كامل يتعارض مع نهج موسكو، يدل كما يقول خبراء على أن روسيا لم تضع رهاناً على قوى شعبية ولم تراع مزاج المجتمعات في المناطق المحيطة بها، بل واصلت الرهان على سياسيين مقربين منها فقط. والمثال المولدافي ينسحب على أوكرانيا وجورجيا، وعلى بعض جمهوريات آسيا الوسطى التي بات التذمر من التحالف مع موسكو سمة واضحة في الشعارات التي ترفعها بعض الأحزاب السياسية فيها.