«التعليم الإلكتروني» هدف الهند المنشود للتغلب على نقص الإمكانات

جهود لإصلاح المنظومة التعليمية يدعمها انتشار الإنترنت

جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
TT

«التعليم الإلكتروني» هدف الهند المنشود للتغلب على نقص الإمكانات

جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي
جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي

تخضع المنظومة التعليمية بالهند حاليا لجهود إصلاحية كبرى من أجل إحداث قفزة كبرى باتجاه التعليم الإلكتروني. وقد أطلقت الحكومة الهندية مبادرة لعقد دورات تدريبية عبر الإنترنت تهدف لتوفير تعليم رفيع الجودة بتكلفة مناسبة للمواطنين. وتعرف المبادرة التي تحمل اسم «الدراسة عبر الشبكة لتوفير تعليم نشط للعقول الشابة الطموحة»، اختصارا باسم «سوايام».
وفي ظل توقعات بوصول أعداد مستخدمي شبكة الإنترنت في الهند إلى 250 مليون نسمة، لتنافس بذلك الولايات المتحدة وتأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد الصين، فإن هذا يعزز بدرجة كبيرة إمكانات الهند بوصفها سوقا ضخمة لنشاطات التعلم الإلكتروني.
وتبعا لما أفادته بعض التقارير، فإنه من المتوقع نمو حجم سوق التعليم الإلكتروني في الهند لتصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2017، بارتفاع عن المستوى الراهن البالغ 20 مليار دولار. المعروف أن الهند تتميز بواحدة من أكبر المنظومات التعليمية على مستوى العالم، حيث تضم شبكة مدارس يتجاوز عددها مليون مدرسة، إضافة إلى 18 ألف مؤسسة للتعليم العالي. كما أن ما يزيد على نصف السكان البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة ينتمون للفئات العمرية المرتبطة بسوق التعليم والخدمات المرتبطة به.
ومع انتماء قرابة نصف سكان البلاد للفئة العمرية دون 25 عاما في وقت يتزايد فيه استخدام الإنترنت والأجهزة المحمولة بين أفراد هذه الفئة، فإن نمو سوق التعليم عبر الإنترنت داخل الهند أصبح أمرا محتوما. والملاحظ أنه خلال السنوات الـ3 الأخيرة، أصبح يجري الاعتماد على الإنترنت في إجراء عدة اختبارات مثل «الاختبار المشترك للقبول» و«جي مين»، بل واختبارات تتعلق بخدمات مدنية حكومية ومصرفية وغيرها.
الملاحظ كذلك أن الهند تحولت لمركز لجهود تعهيد محتويات التعليم الإلكتروني. في هذا الصدد، كشفت شركة «ديلويت» أن تطوير دورة تدريبية عبر الإنترنت سيحمل تكاليف أقل كثيرا داخل الهند (بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و40 في المائة) من إجمالي تكاليف المشروع.
وقد أقيمت شراكة بين المجلس الهندي للتعليم الفني والاتحاد الأميركي للكليات المجتمعية بهدف تنفيذ «دورات ضخمة مفتوحة عبر الإنترنت» لتوفير مواد الدورات الأميركية للطلاب الهنود.
على الجانب الآخر، حذر سوهاس بيدنكار، رئيس «رامنارين رويا كوليدج» بمنطقة ماتونغا، من أنه «رغم توسع المنظومة التعليمية لدينا، فإن مستوى الجودة في تراجع»، مستطردا أن «هذا التعاون هو ما نحتاج إليه الآن لأنه سيحسن مستوى جودة التدريب المقدم للمدرسين والطلاب».
جدير بالذكر أن الهند تضم حاليا قرابة 11 جامعة توفر بصورة حصرية برامج للتعليم عن بعد لطلاب دوليين. كما أن الكثير من الجامعات العادية تضم وحدات منفصلة معنية بالتعليم عن بعد. مثلا، تملك جامعة دلهي مدرسة للتعليم المفتوح توفر دورات تعليمية عن بعد للطلاب. وتعد جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيودلهي واحدة من أكبر الجامعات المفتوحة على مستوى العالم، حيث توجد في أكثر من 40 دولة، منها الإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين والسعودية وإثيوبيا وناميبيا وكينيا وميانمار واليمن وسوريا ونيجيريا ومنغوليا وزامبيا. وتدير الجامعة برامج للتعليم عن بعد وتضم أكثر من مليون طالب بمختلف أرجاء العالم.
وقد حققت شركات عملاقة بمجال التقنية، مثل «إنتل» و«كوالكوم» و«تاتا»، قفزات في هذا الاتجاه. مثلا، أطلقت «إنتل» أخيرا مبادرة «المهارات الرقمية للهند»، التي طرحت في إطارها «تطبيق تدريب المهارات الرقمية» الرامي للقضاء على الأمية الرقمية.
أما «كوالكوم» فأطلقت برنامج «اللعب والتعلم» الموجه لتلاميذ المدارس بين 5 و8 سنوات. وبالمثل، أعلنت «سامسونغ» أخيرا عن مبادرة «التعلم الذكي» لتوفير مواد تعليمية تفاعلية للطلاب. أما «تاتا» فتعمل على توسيع نطاق الأدوات التي تطرحها لتيسير التعليم بالمدارس في إطار برنامج «كلاسيدج». واستحوذت شركة «ريليانس» على 38.5 في المائة من شركة «إكستراماركس إيديوكيشن برايفيت ليميتيد». وبالمثل، اتخذت «بي إس إن إل» استعداداتها لإطلاق خدمتها التعليمية عبر الإنترنت بعنوان «توبر إيديوكيشن».
ويعد التحرك باتجاه التعليم الرقمي من الخطوات التي تلقى قبولا داخل الهند، التي تناضل للتغلب على نقص البنية التحتية والمدرسين المؤهلين بمستويات التعليم الأعلى. ويرى خبراء أن مثل هذه التحركات ربما تضفي صبغة ديمقراطية على التعليم العالي.
من جهتها، قالت وزيرة الموارد البشرية، سرميتي إراني، إن مبادرة «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» جرى إطلاقها في ضوء المخاوف التي أعرب عنها البعض بخصوص مستويات جودة التعليم وتكلفته.
وأعرب تي في برابهاكار، بروفسور علوم الحاسب الآلي والهندسة بمعهد كانبر الهندي للتقنية، عن اعتقاده أن هذه المبادرة لديها إمكانات تؤهلها للتحول إلى منصة للتدريس والتعليم، مع تصديق الجامعات لشهاداتها وتوفير فرص تكوين الشبكات وتطوير المهارات الأخرى. وفي هذا الإطار، تعمل «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» بمثابة كتب مدرسية.
في ظل خطة الحكومة الهندية للتعليم الإلكتروني، من المقرر أن توفر جميع المعاهد التقنية والجامعات المركزية والمعاهد الإدارية ومجموعة منتقاة من أفضل الكليات والمعاهد، دورات تعليمية للطلاب والخريجين مجانا. وبمقدور الساعين للحصول على درجة علمية أو شهادة بمجال معين التقدم للاختبار بتكلفة رمزية لدى مؤسسة متخصصة بالمجال المرغوب.
جدير بالذكر أن الكثير من الجامعات العربية، بالتعاون مع أخرى هندية، توفر تعليما للطلاب والخريجين عبر الإنترنت. وتوفر بعض الجامعات في سوريا والإمارات ولبنان إمكانية الحصول على درجة البكالوريوس عبر شبكة الإنترنت بالتعاون مع جامعات في الولايات المتحدة والهند.
وتوفر الكثير من المؤسسات التعليمية الهندية دورات تعليمية عبر الإنترنت، علاوة على وجود مؤسسات معنية بالمناهج الإلكترونية تطرح مجموعة متنوعة من المواد، مثل محاضرات مصورة عبر الإنترنت وفصول تفاعلية عبر البث الحي من خلال الفيديو ومواد دراسية عبر الإنترنت واختبارات عبر الشبكة وأدوات للتحليل.
على سبيل المثال، تتولى مؤسسة «إدوريكا» في بنغالور إدارة دورات عبر شبكة الإنترنت لتدريب مهنيين بمجالات استخدام البيانات والتحليل وتقنيات الحوسبة السحابية عبر دورات تستمر لما بين 4 أسابيع و6 أسابيع خلال عطلات نهاية الأسبوع. وتضم الشركة هيئة من 150 معلما مخضرما يعملون بشكل حر. وتضيف «إدوريكا» 3 دورات شهريا، ويبلغ إجمالي الدورات التي توفرها حاليا 20 دورة تتراوح تكلفة الاشتراك بالواحدة منها بين 10 آلاف و25 ألف روبية (نحو 160 إلى 400 دولار). حتى الآن، تولت الشركة تدريب أكثر من 100 ألف طالب في الهند والخارج. وتبعا لما أفاده مؤسسو الشركة، فإن موظفين ينتمون للمستويات الإدارية المتوسطة في شركات متعددة الجنسيات، مثل «مايكروسوفت» و«إنترناشيونال ماشينز كورب» و«كوغنزانت تكنولوجي سلوشنز كورب»، سجلوا لخوض هذه الدورات.
يذكر أن «إدوريكا» وقع الاختيار عليها أخيرا باعتبارها عاشر أسرع الشركات نموا في المنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادي تبعا للتصنيف الذي وضعته «ديلويت» لأسرع 500 شركة تقنية آسيوية نموا خلال عام 2014.
وفي الإطار ذاته، تولت أكاديمية جيغسو تدريب أكثر من 20 ألف طالب من مختلف أرجاء الهند، إضافة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، حسبما أوضح غوراف فوهرا، أحد مؤسسي الأكاديمية والرئيس التنفيذي لها. ويجري تنفيذ نشاطات التدريب عبر الشبكة وخارجها التي توفرها «جيغسو» من خلال 10 أعضاء بها يعملون بدوام كامل و55 آخرين يعملون بدوام جزئي. وتوفر الأكاديمية 10 دورات تدريبية بمجالات مختلفة، مثل الخدمات المالية والبيع بالتجزئة والموارد البشرية وشبكات التواصل الاجتماعي للمبتدئين والراغبين في الالتحاق بالمستويات المتوسطة والمتقدمة، وذلك بتكلفة تتراوح بين 25 ألفا و35 ألف روبية.
كما تحظى فكرة الدورات الإلكترونية بشهرة واسعة في أوساط المعاهد الإدارية مثل «غريت ليكس» والمعهد الهندي للإدارة ببنغالور والمعهد الآسيوي للإدارة و«مانيلا»، بجانب الكثير من شركات تقنية المعلومات والأخرى الاستشارية.
أيضا، يتولى موقع «Wiziq.com»، الذي تأسس عام 2007، الربط بين المعلمين والمتعلمين عبر دورات تدريبية حية. ويستخدم الموقع ما يصل إلى 300 ألف معلم و3.7 مليون طالب ينتمون لأكثر من 100 دولة.
وتتضمن الدورات تعليمات حية، خاصة أن بعض الدورات قد تتطلب معلمين على درجة عالية من التخصص. وعبر الاعتماد على سبل البث الحي، يمكن لهؤلاء المعلمين التواصل وتقديم التوجيهات للكثير من الطلاب بأماكن مختلفة. وتزداد درجات التخصص مع انتقال الطلاب لمستويات تعليمية أعلى، مثل المستويات التي تمنح درجات علمية متقدمة في الطب.
أيضا تعتمد هذه الدورات على تسجيلات مصورة للمحتويات التعليمية، مثل المحاضرات وأفلام وثائقية وغيرها، بحيث يمكن للطالب الاطلاع عليها وقتما شاء، علاوة على أسلوب مؤتمرات الفيديو التي تتيح التفاعل بين الطلاب، بحيث يصبح في مقدورهم التعلم بعضهم من بعض مثلما يتعلمون من المعلمين. والملاحظ وجود تزايد كبير في الطلب على التعليم الإلكتروني داخل الهند؛ نظرا لمرونته وسهولة استخدام التقنيات المرتبطة به.
من جهته، قال أكشاي لاكهي (22 عاما) الذي تخرج في معهد فيرماتا جيجاباي للتقنية، وحصل على دورتين تدريبيتين من «كورسيرا» حول التمويل وأنماط السلوك غير العقلاني في فبراير (شباط) الماضي: «أنا من أشد المعجبين بالدورات التدريبية عبر الإنترنت، لكن الجامعات الهندية تفتقر إلى النطاق الواسع للدورات الذي توفره الجامعات الأميركية. ومن شأن مبادرة الحكومة الهندية لتقديم دورات عبر الإنترنت معاونة الطلاب على اكتساب منظور عالمي والحصول على شهادة علمية بتكلفة رمزية».
جدير بالذكر أنه حتى الآن، اقتصرت مبادرة «الدورة التعليمية الواسعة عبر الإنترنت» على القليل من الجامعات النخبوية، مثل المعهد الهندي للتقنية بمومباي والمعهد الهندي للتقنية بدلهي والمعهد الهندي للتقنية ببنغالور.



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.