القرى اللبنانية «ملاذ آمن» من الحظر

أكثر مرونة من المدن في تطبيق القرار

قوى الأمن تواصل ضبط المخالفات (تويتر)
قوى الأمن تواصل ضبط المخالفات (تويتر)
TT
20

القرى اللبنانية «ملاذ آمن» من الحظر

قوى الأمن تواصل ضبط المخالفات (تويتر)
قوى الأمن تواصل ضبط المخالفات (تويتر)

قبل دخول قرار الإقفال العام حيز التنفيذ نهاية الأسبوع الماضي إثر ارتفاع حالات كورونا، والتي تجاوزت 2000 إصابة يومياً، توجه عدد كبير من اللبنانيين إلى قراهم «حيث الحجر أقل وطأة»، كما تقول زينة المقيمة في إحدى قرى قضاء النبطية في جنوب لبنان.
ففي كثير من القرى اللبنانية لن يوقف الشرطي السكان إذا تجولوا سيراً على الأقدام أو في سياراتهم مخالفين قرار المفرد والمزدوج (القرار يحدد أياماً للسير في السيارة على أساس رقم اللوحة)، حتى يوم الأحد الذي يعتبر يوم منع تجول حسب قرار الإقفال، إلا أن الأمر يختلف كلياً على بعد أمتار قليلة أي على مداخل المدن القريبة من هذه القرى حيث تنتشر دوريات لقوى الأمن الداخلي أو البلديات وتسطر محاضر ضبط للمخالفين.
شكل الإقفال العام يبدو مختلفاً في كثير من القرى، صحيح أن هناك تساهلاً في موضوع حظر التجول أو غض نظر على فتح عدد من المحال المشمولة بقرار الإقفال ولا سيما أن بعضها يبيع إلى جانب ما يبيعه (أدوات منزلية، بياضات...) مواد غذائية والمستثناة من قرار الإقفال، إلا أن التشدد واضح في موضوع منع التجمعات والالتزام بإجراءات الوقاية.
ويؤكد مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» أن «لا استثناءات في القرى»، لافتاً إلى أن هناك عدداً غير قليل من محاضر الضبط سطرت لمواطنين مخالفين في القرى. ويشير المصدر إلى أن «مراقبة الالتزام بقرار الإقفال في القرى ليس من مسؤولية قوى الأمن وحدها بل هو من مسؤولية البلديات أيضاً وأنه يمكن للبلديات التي لا تملك إمكانات مراقبة قرار الإقفال الطلب من قوى الأمن المساعدة»، لافتاً إلى أن قرار الإقفال يسير بشكل جيد وأن نسبة الالتزام به وصلت كمعدل عام إلى 85 في المائة مع تفاوت بين منطقة وأخرى.
في القرية «الجميع يعرف بعضهم بعضاً، وغالباً ما يكون الحلاق أو الميكانيكي جارك وإذا احتجته لن يردك خائباً»، يقول بلال موضحاً إن حلاق قريته مثلاً يقفل باب المحل ويستقبل داخله الزبائن حسب مواعيد مسبقة وقبل الساعة الخامسة.
ولا يستغرب رئيس اتحاد بلديات جبل عامل رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي طاهر مثل هذه الخروقات، فهو يعرف أنها تحصل ولكنه يعتبر أنه في ظل العدد القليل لأعداد شرطة البلدية في بعض القرى وانطلاقاً من طبيعة العلاقات في القرية لا بد من التركيز على الهدف، أي اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية التي تمنع انتشار الوباء، مع التذكير دائماً أنه يجب عدم التساهل مع المخالفين والتعامل بشفافية لأن «(كورونا) باتت في كل منزل» وتحتم على الكل التعامل بجدية وحزم من دون استثناءات.
ويقول طاهر لـ«الشرق الأوسط»؛ الواقع أنه من الصعب تطبيق قرار الإقفال العام بحذافيره في القرى. نسبة الالتزام بالقرار في قرى الاتحاد ظاهرياً أي من حيث الالتزام بالإقفال، تقدر بـ50 في المائة. ولكنه يؤكد أن الالتزام بالتدابير الوقائية يفوق 80 في المائة، و«هذه النسبة نتيجة جهد أشهر قامت به البلديات في مجال التوعية بالوباء».
حال قرى الشمال لا تختلف كثيراً عن حال القرى في الجنوب، «فالالتزام في القرى يختلف عنه في المدينة»، حسب ما يرى رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، في حديث مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً: «للقرية طابعها الاجتماعي الخاص، والدوريات غالباً ما تكون على مداخل المدن، ولكن هذا لا ينفي أن الالتزام في هذا الإقفال كان لافتاً نظراً لعامل الخوف، إذ شعر الناس أن (كورونا) بات قريباً منهم».
ولم ينعكس عدم التشدد بالإجراءات في بعض القرى فوضى في المنطقة، بحسب ما ترى رانيا المقيمة في إحدى قرى الشوف في جبل لبنان، قائلة إن «القرية لا تحتاج إلى التشدد بالإجراءات فعدد المحال فيها قليل وتقتصر بشكل عام على الدكان واللحام وبائع الخضار وهي محال يستثنيها القرار من الإقفال العام شرط أن تغلق أبوابها قبل الساعة الخامسة»، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المحال أصلاً تقفل باكراً في معظم القرى ولا سيما في فصل الشتاء.
وتتحدث رانيا عن دوريات للبلدية تمر بين فترة وأخرى، لكنها ترى أن عامل الخوف هو العامل الذي لعب الدور الأكبر في التزام الناس بالإقفال.
بعيداً من الإقفال، لا يشعر الأهالي في القرى بالراحة للقيام بالزيارات كما في السابق. تقول مريم المقيمة في إحدى القرى الجنوبية: «عدد الإصابات مرتفع جداً، ومن كان لا يؤمن بوجود (كورونا) بات يؤمن»، وتضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع بات أكثر وعياً، ويلتزم بالمنزل وبالخروج للضرورة».


مقالات ذات صلة

علماء ألمان يتحققون من أدلة استخباراتية حول نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني

العالم ألمانيا تطلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني (أ.ب)

علماء ألمان يتحققون من أدلة استخباراتية حول نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني

كشفت تقارير إعلامية أن ديوان المستشارية الألمانية طلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا بمختبر بمدينة ووهان الصينية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
علوم 400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

400 مليون شخص مصابون بـ«كوفيد طويل الأمد» في العالم

عدواه أدت إلى تغييرات دائمة وغير مرئية في أجزاء مختلفة من الجسم.

داني بلوم (نيويورك) أليس كالاهان (نيويورك)
آسيا قوات أمنية تقف خارج معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (رويترز)

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

حذر خبراء من أن العلماء الصينيين يخططون لإجراء تجارب «مشؤومة» مماثلة لتلك التي ربطها البعض بتفشي جائحة «كوفيد - 19».

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ وسط ازدياد عدم الثقة في السلطات الصحية وشركات الأدوية يقرر مزيد من الأهل عدم تطعيم أطفالهم (أ.ف.ب) play-circle

مخاوف من كارثة صحية في أميركا وسط انخفاض معدلات التطعيم

يحذِّر العاملون في المجال الصحي في الولايات المتحدة من «كارثة تلوح في الأفق» مع انخفاض معدلات التطعيم، وتسجيل إصابات جديدة بمرض الحصبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جائحة كورونا نشأت «على الأرجح» داخل مختبر ولم تكن طبيعية (أ.ف.ب)

فيروس كورونا الجديد في الصين... هل يهدد العالم بجائحة جديدة؟

أثار إعلان علماء في معهد «ووهان» لعلم الفيروسات عن اكتشاف فيروس كورونا جديد يُعرف باسم «HKU5 - CoV - 2» قلقاً عالمياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.