دراسة تكشف عن ارتفاع جرائم «الكراهية والعنصرية» في أميركا

بلغت نسبة ارتكاب البيض للجرائم أكثر من 50 %

TT

دراسة تكشف عن ارتفاع جرائم «الكراهية والعنصرية» في أميركا

كشفت دراسة أكاديمية حديثة أن جرائم الكراهية والتطرف ازدادت في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وذلك وفقاً للأرقام والبيانات الصادرة عن مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي. وتظهر المعلومات والبيانات الرسمية أن غالبية الجرائم المسجلة كانت من الجناة البيض بنسبة تفوق 50 في المائة. وأفاد مركز دراسة الكراهية والتطرف في جامعة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الذي حلل بيانات مكتب التحقيقات الاتحادي، بأن جرائم القتل بدافع الكراهية ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 51 جريمة في عام 2019؛ أي أكثر من ضعف المستوى الذي كانت عليه العام السابق 2018.
وأوضحت الدراسة أن الدافع العرقي في الهجمات الإرهابية الجماعية هو العامل الأساسي في ارتكاب تلك الجرائم، إذ يقوم بها مهاجمون فرديون يؤمنون بمبدأ تفوق البيض، وهي أكثر دموية بشكل متزايد.
وأشار مركز الأبحاث إلى أن إطلاق النار الجماعي الذي أودى بحياة 22 قتيلاً ضد اللاتينيين في مدينة إل باسو بولاية تكساس، في أغسطس (آب) الماضي، كان من أكثر حوادث القتل بدافع الكراهية دموية، وربما يعد أكبر رقم تم تسجيله منذ أن بدأ مكتب التحقيقات الاتحادي في عملية الإحصاء في التسعينيات الميلادية الماضية.
وأبان المركز أن العدد الإجمالي لجرائم الكراهية في عام 2019 بلغ أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد، إذ سجل مكتب التحقيقات الاتحادي 7314 جريمة كراهية في العام الماضي، وهي التي يعرفها بأنها «جريمة جنائية ضد شخص أو ممتلكات بدافع كلي أو جزئي بسبب تحيز الجاني ضد العرق أو الدين أو الإعاقة أو التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية».
ولفت المكتب إلى أن غالبية الجناة (53 في المائة) كانوا من البيض، في حين كان 24 في المائة من مرتكبي الجرائم الأخرى هم من السود أو الأميركيين من أصل أفريقي.
وبحسب وزارة العدل الأميركية، فإن جرائم العنصرية والكراهية آخذة في الازدياد، إذ سجلت ارتفاعاً بنسبة 58 في المائة خلال الأعوام الماضية (2019، و2018، و2017) عما كانت عليه في السابق، معتبرة أن هذه الحالة المتزايدة في النمو دعت كثيراً من الجمعيات الحقوقية والمؤسسات المدنية إلى المطالبة بسن تشريعات وقوانين صارمة، وذلك لردع المتطرفين ومكافحة أسباب التزايد المستمر، وهو ما استدعى الكونغرس الأميركي إلى الأخذ به في عين الاعتبار عندما صوت على قانون يردع الخطابات العنصرية والكراهية.
وأوردت وزارة العدل معدلات جرائم الكراهية والتطرف، ومعلومات حول ارتفاع جرائم البيض عن السابق، ونسبت 50 في المائة من تلك الجرائم إلى الأميركان البيض، وبلغ عدد الجرائم العنصرية والكراهية نحو 7200 جريمة خلال عامي 2018 و2017 فقط، راح ضحيتها أكثر من 8400 شخص، فيما بلغت جرائم الديانات ومراكز العبادة للديانات الإسلامية واليهودية والمسيحية أكثر من 1500 جريمة، بنسبة 4 في المائة من المجموع الكلي لجرائم الكراهية.
وبينت وزارة العدل أن المجموع الكلي للجرائم في الولايات المتحدة الأميركية التي سجلتها السلطات الرسمية، ومنها مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، لعام 2017 وجزء من 2018، بلغ 16149 جريمة، في زيادة قدرها 5 في المائة عن العام الماضي من مجموع الجرائم الكلية في أميركا. ولفت التقرير إلى أن جرائم الكراهية بفعل الأفراد أكثر بكثير من جرائم الكراهية بفعل المجموعات، إذ إن جرائم الأفراد بلغت 7106 جرائم، فيما جرائم المجموعات بلغت 69 جريمة، ونسبة المجرمين البيض 50 في المائة، فيما السود 21 في المائة، و19 في المائة من الأقليات الإثنية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟