مع بداية وباء فيروس «كورونا المستجد» كانت الملاحظة الرئيسية هي انخفاض أعداد الإصابات والوفيات في القارة الأفريقية؛ فالقارة التي تمثل 17 في المائة من سكان العالم، كانت بحلول نهاية يوليو (تموز) الماضي، تمثل 5 في المائة فقط من حالات الإصابة العالمية و3 في المائة من الوفيات العالمية المُبلغ عنها. واختلف العلماء حينها فيما بينهم حول السبب في ذلك، فمنهم من أرجع الأمر إلى «الطقس الحار في أفريقيا، والذي كان في رأيهم لا يساعد على انتشار الفيروس»، وهو ما تم نفيه علمياً في دراسات لاحقة، ومنهم من رأى أن «هناك قصوراً في الإبلاغ عن الحالات في أفريقيا»، في حين رأى فريق ثالث أن «الأمر له علاقة بالتركيبة السكانية في أفريقيا، حيث توجد معدلات أعمار منخفضة».
وخلال دراسة جديدة نشرت في العدد الأخير من دورية «ساينس»، سعى فريق بحثي من بريطانيا وكينيا لاكتشاف التفسير الأكثر ترجيحاً، لشرح معدلات الإصابة والوفاة المنخفضة، بالتطبيق على دولة كينيا، والتي تم الإبلاغ فيها عن أول حالة إصابة بالفيروس في 12 مارس (آذار) الماضي، وكان من المتوقع حدوث عدد هائل من حالات الإصابة والوفيات؛ ولكن بحلول 31 يوليو الماضي، كان هناك 20 ألفاً و636 إصابة و341 حالة وفاة.
ولتحقيق هذا الغرض، قام الباحثون بإجراء تحليل الدم من متبرعين للبحث عن الأجسام المضادة للفيروس؛ وسيلةً لتقدير معدلات الإصابة في ذلك البلد. وتضمن العمل تحليل عينات الدم التي تم جمعها من المتبرعين في جميع أنحاء البلاد، خلال الأشهر من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، وتم اختبار كل عينة بحثاً عن وجود الأجسام المضادة للفيروس، وهي علامة على أن «الشخص الذي تبرع بالدم قد أصيب بالعدوى».
وجد الباحثون، أن «ما يقرب من 4.3 في المائة من عينات المتبرعين تحتوي على أجسام مضادة للفيروس»؛ مما يشير إلى أن «النسبة المئوية نفسها تقريباً من السكان أصيبوا بالعدوى، وهو رقم مرتفع جداً مقارنة بعدد الوفيات المبلغ عنها في الفترة نفسها، وهي تقريباً 341 وفاة». ولاحظ الباحثون، أنه خلال الفترة الزمنية نفسها، كان لدى إسبانيا النسبة نفسها تقريباً من الإصابات؛ لكنها شهدت 28 ألف حالة وفاة. وجعلت هذه النتيجة الباحثين يخرجون بنتيجة أن «العدوى المنتشرة في كينيا والتي يُستدل عليها من المتبرعين بنقل الدم، أكثر مما تشير إليه نتائج اختبارات الـ(بي سي آر) الحالية؛ وهو ما يدفع بالمطالبة بضرورة وجود مزيد من الاختبارات المنهجية».
ولم يتمكن الباحثون من تحديد سبب دقيق لانخفاض الوفيات مقارنة بالكثير من البلدان عالية الدخل، وذلك بعد أن تم الكشف عن نسبة إصابات مرتفعة، ويمكن أن يكون السبب له علاقة بضعف أنظمة المراقبة الوطنية للصحة العامة، والتركيبة السكانية المميزة، حيث يمثل من هم في عمر 65 عاماً أو أكثر نسبة 3.9 في المائة فقط من السكان، وهو أقل بكثير من النسبة في بلد مثل إيطاليا (23.3 في المائة)، وقد تكون هناك آليات بديلة للمناعة ضد الفيروس، ساعدت الناس على تكوين مقاومة طبيعية أكبر لمثل هذه العدوى، بما في ذلك المناعة الخلوية الناتجة من الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي.
وتبدو نتائج الدراسة منطقية في رأي الدكتور تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل بمصر، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، «إضافة إلى العدوى بفيروس التهاب الكبد، فإن للقارة تاريخاً طويلاً مع الكثير من الأوبئة التي ربما شكّلت مناعة لسكانها، ومنها مرض السل، الذي يُمنح الأطفال بالقارة الأفريقية على نطاق واسع لقاحاً للوقاية منه»، مضيفاً «إذا علمنا أن أستراليا تقوم بتطوير هذا اللقاح لاستخدامه كوقاية من كورونا المستجد؛ فقد يعطي ذلك تفسيراً لقوة مناعة المواطن الأفريقي في مواجهة الفيروس».
«الأجسام المضادة» تكشف «عدم دقة» أرقام الإصابات في أفريقيا
دراسة تقدم تفسيراً «منطقياً» لحالة القارة
«الأجسام المضادة» تكشف «عدم دقة» أرقام الإصابات في أفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة