الحكومة العراقية تخسر الجولة القضائية الثانية لتجديد رخص الاتصالات

TT

الحكومة العراقية تخسر الجولة القضائية الثانية لتجديد رخص الاتصالات

منيت الحكومة العراقية ومجموعة الشركات التي تسيطر على شبكات الاتصالات والهاتف الجوال بهزيمة قضائية ثانية، أمس، في إطار خصومتها مع النائب محمد شياع السوداني وفريق محاميه، بعد أن اتخذ القضاء العراقي قراراً ببطلان تجديد عقد شركات الهاتف الجوال الذي اتخذته الحكومة مطلع يوليو (تموز) الماضي. ويرفض السوداني ومحاموه تجديد الحكومة رخص العمل لشركات الاتصال (آسيا سيل، زين، كورك تليكوم) التي سيطرت على مجال الهواتف الجوالة منذ نحو 15 عاماً، ويقولون إنه يضر بمصالح الدولة والمواطنين.
وتتشابك منذ سنوات عوامل عديدة ومعقدة في قضية شركات الهاتف الجوال، بعضها سياسي ويتعلق بالاتهامات المتداولة على نطاق واسع بتبعية تلك الشركات إلى شخصيات وأحزاب كردية وعربية، وآخر خدمي، يتعلق برداءة الخدمة التي تقدمها تلك الشركات والضعف الذي لازم خطوط الاتصال منذ سنوات، إلى جانب البعد الاقتصادي الذي ارتبط بهذا الملف، حيث تتهم تلك الشركات باستيفاء أجور عالية من المواطنين مقابل خدمة الاتصالات مقارنة بمثيلاتها في الدول الإقليمية، إلى جانب تنصلها عن دفع المستحقات المالية إلى الدولة العراقية، رغم تواضع مبالغ العقود التي أبرمتها الدولة معها منذ سنوات، نتيجة الحماية التي تتمتع بها من قبل الشخصيات والأحزاب المتخادمة معها أو المالكة لها.
ويثير موضوع التجديد جدلاً نيابياً وشعبياً منذ أسابيع، وينظر إليه بوصفه «مكافأة» لشركات لم تقدم خدماتها بطريقة جيدة وترفض سداد ديونها إلى الدولة التي يقدرها برلمانيون بأكثر من مليار دولار أميركي.
وبدأت المعركة القضائية بين الحكومة وشركات الاتصال من جهة، والنائب محمد شياع السوداني وفريقه من المحامين مطلع يوليو (تموز) الماضي، حين قررت الحكومة العراقية ممثلة بـ«هيئة الإعلام والاتصالات» تجديد رخص العمل لتلك الشركات مدة 5 سنوات جديدة، مع اقتراح منح ثلاث سنوات إضافية تعويضاً عن الخسائر التي تعرضت لها الشركات، كما تدعي، خلال الحرب ضد «داعش» (2014 - 2017).
وفي 25 أغسطس (آب) الماضي، تمكن السوداني وفريق المحامين من إصدار «أمر ولائي» من القضاء يطلب من هيئة الإعلام والاتصالات إيقاف قرارها بمنح رخصة التجديد لشبكات الاتصالات. ويوم أمس، رد القضاء التظلم الذي رفعته الحكومة وشركات الاتصال ضد قرار وقف رخص التجديد. ووردت في قرار القضاء اعتراضات ومشاكل قانونية عديدة على تجديد العقد، من ضمنها أن رئاسة الوزراء ليس من صلاحياتها التدخل في قضية التجديد، باعتبار أن هيئة الإعلام والاتصالات هيئة مستقلة وخاضعة لسلطة البرلمان وليس الحكومة، إلى جانب أن عملية التصويت على قرار التجديد في الهيئة تم بغياب اثنين من أعضائها الستة، ما يعني عدم اكتمال نصابها وتالياً الطعن بشرعية قرارها، إضافة إلى أن شروط التجديد الجديدة لا تتطابق مع قانون بيع وإيجار أموال الدولة وبمبالغ غير مجزية.
ويقول رئيس فريق المحامين محمد الساعدي الذي أقام الدعوة، إنها استهدفت 5 جهات رئيسية؛ هي «رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والمدير التنفيذي لهيئة الإعلام والاتصالات والرؤساء التنفيذيين لشبكات الاتصال الثلاثة، آسيا سيل وزين وكورك تليكوم». ويضيف الساعدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أمام الحكومة وبقية الأطراف فرصة أخرى لاستئناف الحكم الذي صدر اليوم، لكني أستبعد مقدرتها على كسب القضية مهما فعلت، لأن مرافعتنا في رفض تجديد الرخص متينة وتستند إلى القانون والدستور ولا يمكن الطعن بها». ويرى أن «عقد التجديد منح الشركات امتيازات لا تستحقها وتلحق ضرراً بالغاً بالمواطنين والدولة، إذ إن قيمة إجمالي العقد تجديد الاشتراك لا يتجاوز 800 مليون دولار لجميع الشركات، فيما تقدر قيمته بنحو ثلاثة أضعاف، كما أن جميع الشركات لم تسدد ما عليها من أموال للدولة التي يفترض أن تقوم بها قبل سنتين من انتهاء عقدها الأول».
وعدت لجنة الاتصالات في البرلمان قرار إبطال تجديد رخص شركات الهاتف الجوال «إنجازاً حقيقياً للشعب العراقي في محاربة الفساد»، وقال النائب عن اللجنة علاء الربيعي لوكالة الأنباء العراقية، إن عقود الهاتف الجوال «شابتها حالات فساد كبيرة».
بدورها، اعتبرت شركة «زين العراق»، للاتصالات، أمس، أن القرار مجحف وكارثي بحق العراقيين والاقتصاد العراقي. وقالت الشركة في بيان إن «قرار منح رخصة الجيل الرابع من قبل مجلس الوزراء كان قراراً استراتيجياً، وفي الاتجاه الصحيح وسيكون له أثر كبير في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والأمن وسيمنع الفساد من خلال تطبيق الحوكمة الإلكترونية وغيرها من التطبيقات». وتابعت أن «قرار المحكمة اليوم بإيقاف إجراءات نشر وإطلاق خدمات الجيل الرابع سيكون له أثر سلبي على العراقيين وفي الوقت نفسه سيتسبب في زعزعة ثقة الشركات الاستثمارية للعمل والاستثمار في العراق».



زعيم الحوثيين «سعيد» بالمواجهة مع إسرائيل... ويتعهد باستمرار التصعيد

الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
TT

زعيم الحوثيين «سعيد» بالمواجهة مع إسرائيل... ويتعهد باستمرار التصعيد

الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)
الحريق مستمر لليوم الثاني في مستودعات الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، الأحد، ومهاجمة سفينة في البحر الأحمر دون أضرار، وفيما عبّر زعيمها عبد الملك الحوثي عن سعادته بالمواجهة المباشرة مع تل أبيب، استمر الحريق الضخم الناجم عن الغارات الإسرائيلية على مستودعات الوقود في ميناء الحديدة ساعات طويلة، وارتفع عدد القتلى إلى 6 مع إصابة نحو 90 جريحاً.

كان الجيش الإسرائيلي استهدف، السبت، مستودعات الوقود في ميناء مدينة الحديدة اليمنية الخاضعة للحوثيين ومحطة الكهرباء، غداة انفجار مسيّرة استهدفت تل أبيب وأدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.

ولقي الهجوم الإسرائيلي إدانةً من الحكومة اليمنية مع تحذير إسرائيل والحوثيين من تحويل اليمن إلى ساحة حرب، في حين هددت الجماعة الموالية لإيران بالرد على القصف وتبنت إطلاق عدة صواريخ، الأحد، باتجاه إيلات، ومهاجمة سفينة شحن في البحر الأحمر.

وأكد الجيش الإسرائيلي اعتراض دفاعاته صاروخ أرض - أرض أُطلق من اليمن، وقال إن نظام الدفاع الصاروخي «آرو 3» أسقط الصاروخ قبل عبوره إلى أراضي إسرائيل. ونقلت «رويترز» أنه «قبل الاعتراض، دوّت صفارات الإنذار في إيلات، مما دفع السكان إلى المسارعة إلى المخابئ».

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية يحيى سريع، في بيان متلفز، إن «جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية، وقصفت أهدافاً مهمة في إيلات جنوب فلسطين المحتلة بعدد من الصواريخ الباليستية»، كما استهدفت، حسب ادعاء سريع، سفينة «بومبا» الأميركية في البحرِ الأحمرِ بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وهو الهجوم الذي لم تؤكده وكالات الأمن البحري.

وفي حين اعترفت الجماعة بتلقيها، الأحد، غارتين استهدفتا مواقع لها في منطقة بحيص التابعة لمديرية ميدي في محافظة حجة (شمال غرب)، كان الجيش الأميركي أعلن الأحد أن قواته نجحت في تدمير طائرة حوثية من دون طيار فوق البحر الأحمر، لكنه لم يتبن المشاركة في الهجمات الإسرائيلية على ثاني أكبر الموانئ اليمنية الخاضع للجماعة الانقلابية.

وحسب شهود في مدينة الحديدة، ما زالت الحرائق مستمرة، الأحد، لعدم توافر الإمكانات لإطفائها، إذ يتوقع استمرارها أياماً أخرى، وسط معلومات عن تعرض 20 خزان وقود للحريق من بين أكثر من 80 خزاناً، وفق مصادر اقتصادية يمنية.

أحد المصابين جراء الغارات الإسرائيلية على أهداف حوثية في ميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

وأفادت وسائل الإعلام الحوثية، نقلاً عن مصادر طبية، بأن الضربات على ميناء الحديدة أدت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة نحو 90 آخرين، وسط المخاوف من تكرار الهجمات الإسرائيلية إذا ما تواصلت الهجمات الحوثية المميتة باتجاه تل أبيب.

وانتهز التجار الموالون للجماعة الحوثية في صنعاء والحديدة وغيرها من المدن الضربات على خزانات الوقود، وقاموا بإغلاق محطات التعبئة والتسبب في أزمة خانقة، إذ عادة ما يقومون بمثل هذا السلوك لرفع الأسعار وبيع المشتقات النفطية والغاز في السوق السوداء.

مرحلة تصعيد خامسة

عبّر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطبة الأحد عن سعادة جماعته بالمواجهة المباشرة مع إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وتوعد باستمرار التصعيد البحري ضد السفن ومهاجمة إسرائيل، وأعلن أن الهجوم بالطائرة المسيرة على تل أبيب، الجمعة الماضي، هو بداية المرحلة الخامسة من التصعيد.

ونفى الحوثي أن تكون المسيرة التي أدت إلى مقتل شخص وإصابة نحو أربعة آخرين، أُطلقت من مكان آخر غير مناطق سيطرة جماعته في اليمن، كما زعم أن جماعته التي قامت بتصنيعها وإطلاقها.

وهوّن زعيم الجماعة الانقلابية في اليمن من أهمية الضربة الإسرائيلية على ميناء الحديدة، وقال إن جماعته ستواصل عملياتها، وإن أي ضربات أخرى لن يكون لها أي تأثير على قدراتها العسكرية، مشدداً على أن الجماعة لن «تتراجع عن موقفها».

وتبنت الجماعة الحوثية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي العديد من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يُذكر، باستثناء هجوم المسيّرة الأخير على تل أبيب، كما تبنت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وأقرت الجماعة بتلقي أكثر من 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، وسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، جراء الضربات التي تشنها واشنطن تحت ما سمته تحالف «حارس الازدهار».

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

إدانة حكومية وقلق أممي

أدان مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية بأشد العبارات القصف الإسرائيلي على الحديدة وعده «عدواناً وانتهاكاً» للسيادة اليمنية، و«مخالفة صريحة لكافة القوانين والأعراف الدولية».

وحمّل المصدر اليمني المسؤول، إسرائيل، المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات جراء غاراتها الجوية، بما في ذلك تعميق الأزمة الإنسانية التي فاقمها الحوثيون بهجماتهم الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية، فضلاً عن تقوية موقف هذه الميليشيات، وسردياتها الدعائية المضللة.

ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)

وجدد المصدر الحكومي تحذيره الحوثيين من استمرار رهن مصير اليمنيين والزج بهم في معارك الجماعة العبثية خدمة لمصالح النظام الإيراني ومشروعه التوسعي في المنطقة.

كما حذر المصدر النظام الإيراني وإسرائيل من محاولة تحويل الأراضي اليمنية عبر «الحوثيين المارقين» إلى ساحة لحروبهما العبثية، ومشاريعهما التخريبية في المنطقة.

وإذ جددت الحكومة اليمنية موقفها الداعم للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة، أكدت أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام في اليمن هو دعم الحكومة لاستكمال بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، خصوصاً القرار 2216.

دخان كثيف جراء احتراق مستودعات الوقود في ميناء الحديدة إثر ضربة إسرائيلية (رويترز)

في غضون ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مذكرة للصحافيين، إنه يشعر بقلق بالغ إزاء التقارير الواردة حول الغارات الجوية الإسرائيلية التي وقعت في محيط ميناء الحديدة في اليمن رداً على الهجمات الحوثية السابقة على إسرائيل.

وتحدث غوتيريش عن وقوع أضرار كبيرة في البنية التحتية المدنية، داعياً جميع المعنيين إلى تجنب الهجمات التي قد تلحق الضرر بالمدنيين وبالبنية التحتية المدنية، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

يُشار إلى أن تصعيد الحوثيين تسبب في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.