«قمة تورونتو»... صدام رؤية التقشف بسياسات الاستهلاك

اجتماعات «العشرين» في لندن تشهد عودة ملف التجارة إلى طاولة مناقشات الأزمة المالية

قمة تورونتو في كندا شهدت مشاركة سعودية فاعلة وسط اختلاف الرؤى حول معالجة الأزمة المالية  (الشرق الأوسط)
قمة تورونتو في كندا شهدت مشاركة سعودية فاعلة وسط اختلاف الرؤى حول معالجة الأزمة المالية (الشرق الأوسط)
TT

«قمة تورونتو»... صدام رؤية التقشف بسياسات الاستهلاك

قمة تورونتو في كندا شهدت مشاركة سعودية فاعلة وسط اختلاف الرؤى حول معالجة الأزمة المالية  (الشرق الأوسط)
قمة تورونتو في كندا شهدت مشاركة سعودية فاعلة وسط اختلاف الرؤى حول معالجة الأزمة المالية (الشرق الأوسط)

بين مدينتي لندن البريطانية وتورونتو الكندية، جاء الحراك الدولي ممثلاً بمجموعة دول «العشرين»، محملاً بجملة ملفات؛ إذ بجانب مباحثة ملف الأوضاع المالية وتطوراتها حيث عمق الأزمة، أطل ملف التجارة برأسه ليحتل مكاناً في مناقشات القادة بعد بروز مؤشرات تراجع التجارة العالمية لأول مرة منذ ربع قرن.
وقررت مشاركة القادة خلال القمة التي مثل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز المملكة العربية السعودية فيها، تمديد التعهدات المتعلقة بتدفق الاستثمار والتجارة حتى نهاية عام 2010، مؤكدين عدم وضع أي عوائق جديدة أمام البضائع والخدمات، بل وفق البيان الختامي أوردا التالي: «فإننا سوف نعدل على الفور أي إجراءات جديدة من هذا النوع».
وأكدت دول «العشرين» حينها أن الجميع اتفق على تجنيب أي تأثير سلبي لإجراءاتهم السياسية الوطنية على التجارة والاستثمار بما في ذلك إجراءات دعم القطاع المالي، موضحين: «لن نلجأ إلى الحمائية المالية... وبشكل خاص الإجراءات التي تعوق تدفق رأس المال في جميع أنحاء العالم، لا سيما الدول النامية».
وحول الملف المالي، كان لقادة «العشرين» في لندن مباحثات معمقة اعتمدوا خلالها حزمة دعم قوامها 1.1 تريليون دولار، حيث أكدوا خلالها ضرورة إنقاد الوضع المالي المتدهور، فتعهدوا بضمان توفير 250 مليار دولار على الأقل خلال العامين (2009 - 2011) لدعم تمويل التجارة من خلال الائتمان التصديري ووكالات الاستثمار وبنوك التنمية متعددة الأطراف، بينما وافقوا على تقديم 850 مليار دولار إضافي من الموارد من خلال المؤسسات المالية العالمية لدعم التنمية في الدول الصاعدة والنامية.
وفي الجانب الآخر من المحيط، شكلت قمة «مجموعة العشرين» في مدينة تورونتو الكندية عام 2010 منعطفاً مهماً في الاقتصاد العالمي، إذ هي القمة الرابعة التي تأتي في أعقاب الانهيارات المالية في آسيا وأميركا ومشاكل منطقة اليورو، وديون اليونان.
وكانت مشاركة السعودية تعكس أهمية الدور الفعال الذي تلعبه المملكة في اقتصاديات العالم، إذ عرضت السعودية (وهي الدول العربية الوحيدة في قمة «العشرين») برامجها لزيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع المحلية والاستقرار الذي حققته في مركزها المالي.
وشدد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز خلال فعاليات القمة على أهمية إصلاح الأنظمة المالية من أجل تفادي وقوع الاقتصاد العالمي بأزمات مماثلة في المستقبل، مشيراً إلى أن تطبيق أنظمة إشرافية ورقابية قوية تُعدّ بديلاً أنسب من فرض ضرائب على المؤسسات المالية.
وخلال هذه القمة اصطدم تياران اقتصاديان: الأول يدعو إلى ترشيد النفقات والتحكم فيها، وهو التوجه الذي دعت إليه ألمانيا. وأما التيار الثاني فيتمثل في زيادة الإنفاق لدفع عجلة نمو الاقتصاد، وهو التوجه الذي طرحته الإدارة الأميركية.
وقد اصطدمت بالفعل الرؤية التقشفية الأوروبية بقيادة ألمانيا مع سياسة الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، الذي كان يأمل أن يعمل مع بقية الدول في المجموعة على تعزيز الانتعاش الاقتصادي عبر تشجيع الاستهلاك. وبدا التباعد واضحاً بين الموقفين الأميركي والألماني، كشرخ كبير، حيث عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن عدم ارتياحها لبطء عملية إصلاح الأسواق المالية العالمية.
ومن بين الخطط التي قدمها الاتحاد الأوروبي كانت ضريبة البنوك العالمية وما سمي بـ«ضريبة روبن هود»، لكن الولايات المتحدة وكندا عارضتا هذه الخطط.
وتضمن البيان الختامي للقمة التأكيد على عدة نقاط منها مكافحة التهرب الضريبي وغسل الأموال والفساد وتمويل الإرهاب، ومواجهة عدم الامتثال للمعايير الاحترازية المتفق عليها دولياً. والعمل مع المؤسسات الدولية وبنوك التنمية الإقليمية على مراجعة سياساتها الاستثمارية.
وكرست قمة تورونتو أيضاً استثناء يابانياً، إذ أقرت لطوكيو بـ«مرونة أكبر» من سواها فيما يتعلق بتحديد أهداف خفض الدين العام التي كانت تفوق قدرة هذا البلد، وهو من الأكثر استدانة في العالم. وكان المضيف الكندي الأكثر ارتياحاً لمقررات القمة، إذ اعتبر أنه حصل على كل ما كان يتمناه، وقال رئيس الوزراء ستيفن هاربر مختتماً القمة: «تخطينا هنا مراحل مهمة، مراحل كانت كندا تسعى إليها».



ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
TT

ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)

قالت منظمة التجارة العالمية، في بيان، إن رئيسة المنظمة نغوزي أوكونجو - إيويالا أُعيد تعيينها لفترة ثانية في اجتماع خاص، يوم الجمعة، مما يعني أن ولايتها الثانية ستتزامن مع ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وتتوقع مصادر تجارية أن يكون الطريق أمام المنظمة، التي يبلغ عمرها 30 عاماً، مليئاً بالتحديات، ومن المرجح أن يتسم بالحروب التجارية، إذ هدد ترمب بفرض رسوم جمركية باهظة على السلع من المكسيك وكندا والصين.

وتحظى أوكونجو - إيويالا، وزيرة المالية النيجيرية السابقة التي صنعت التاريخ في عام 2021 عندما أصبحت أول امرأة وأول أفريقية تتولى منصب المدير العام للمنظمة، بدعم واسع النطاق بين أعضاء منظمة التجارة العالمية. وأعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي أنها ستترشح مرة أخرى، بهدف استكمال «الأعمال غير المكتملة».

ولم يترشح أي مرشح آخر أمام أوكونجو - إيويالا. وقالت مصادر تجارية إن الاجتماع أوجد وسيلة لتسريع عملية تعيينها لتجنب أي خطر من عرقلتها من قبل ترمب، الذي انتقد فريق عمله وحلفاؤه كلاً من أوكونجو - إيويالا ومنظمة التجارة العالمية خلال الفترات الماضية. وفي عام 2020، قدمت إدارة ترمب دعمها لمرشح منافس، وسعت إلى منع ولايتها الأولى. ولم تحصل أوكونجو - إيويالا على دعم الولايات المتحدة إلا عندما خلف الرئيس جو بايدن، ترمب، في البيت الأبيض.

وفي غضون ذلك، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، من الإضرار بالعلاقات مع كندا والمكسيك، وذلك بعد تصريحات لخليفته المنتخب دونالد ترمب بشأن فرض رسوم جمركية على البلدين الجارين للولايات المتحدة.

وقال بايدن للصحافيين رداً على سؤال بشأن خطة ترمب: «أعتقد أنه أمر سيأتي بنتائج عكسية... آخر ما نحتاج إليه هو البدء بإفساد تلك العلاقات». وأعرب الرئيس الديمقراطي عن أمله في أن يعيد خليفته الجمهوري «النظر» في تعهّده فرض رسوم تجارية باهظة على البلدين «الحليفين» للولايات المتحدة.

وأثار ترمب قلق الأسواق العالمية، الاثنين، بإعلانه عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنّ من أول إجراءاته بعد تسلّمه مهامه في يناير (كانون الثاني) المقبل ستكون فرض رسوم جمركية نسبتها 25 بالمائة على المكسيك وكندا اللتين تربطهما بالولايات المتحدة اتفاقية للتجارة الحرة، إضافة إلى رسوم نسبتها 10 بالمائة على الصين.

وتعهّد ترمب عدم رفع هذه الرسوم عن البلدين الجارين للولايات المتحدة قبل توقف الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، مؤكداً أن التجارة ستكون من أساليب الضغط على الحلفاء والخصوم.

وبعدما أعربت عن معارضتها لتهديدات ترمب، أجرت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي المنتخب، الأربعاء، تطرقت إلى تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى الولايات المتحدة عبر حدود البلدين ومكافحة تهريب المخدرات... وأعلن ترمب أنّ شينباوم «وافقت» على «وقف الهجرة» غير الشرعية، بينما سارعت الزعيمة اليسارية إلى التوضيح بأنّ موقف بلادها «ليس إغلاق الحدود».

ورداً على سؤال بشأن التباين في الموقفين، قالت الرئيسة المكسيكية في مؤتمرها الصحافي اليومي الخميس: «يمكنني أن أؤكد لكم... أننا لن نقوم أبداً، ولن نكون قادرين أبداً، على اقتراح أن نغلق الحدود».

وحذّر وزير الاقتصاد المكسيكي مارسيلو إبرار، الأربعاء، من أنّ مضيّ ترمب في فرض الرسوم التجارية على المكسيك سيؤدي إلى فقدان نحو 400 ألف وظيفة. وأكدت شينباوم، الخميس، أنّ أيّ «حرب رسوم تجارية» بين البلدين لن تحصل، وأوضحت أنّ «المهم كان التعامل مع النهج الذي اعتمده» ترمب، معربة عن اعتقادها بأن الحوار مع الرئيس الجمهوري سيكون بنّاء.

إلى ذلك، شدّد بايدن في تصريحاته للصحافيين في نانتاكت، إذ يمضي عطلة عيد الشكر مع عائلته، على أهمية الإبقاء على خطوط تواصل مع الصين. وقال: «لقد أقمت خط تواصل ساخناً مع الرئيس شي جينبينغ، إضافة إلى خط مباشر بين جيشينا»، معرباً عن ثقته بأنّ نظيره الصيني لا «يريد ارتكاب أيّ خطأ» في العلاقة مع الولايات المتحدة. وتابع: «لا أقول إنه أفضل أصدقائنا، لكنه يدرك ما هو على المحك».