عون يطمح في لقائه المرتقب مع جعجع إلى إقناعه بانتخابه رئيسا للجمهورية

الراعي: قرار انتخاب رئيس الجمهورية مرتبط بالنزاع السني ـ الشيعي

صورة أرشيفية لميشال عون وسمير جعجع لدى اجتماعهما في مطار بيروت في 16 مايو 2008 بشأن وساطة جامعة الدول العربية لإنهاء النزاع بين الفرقاء السياسيين (غيتي)
صورة أرشيفية لميشال عون وسمير جعجع لدى اجتماعهما في مطار بيروت في 16 مايو 2008 بشأن وساطة جامعة الدول العربية لإنهاء النزاع بين الفرقاء السياسيين (غيتي)
TT

عون يطمح في لقائه المرتقب مع جعجع إلى إقناعه بانتخابه رئيسا للجمهورية

صورة أرشيفية لميشال عون وسمير جعجع لدى اجتماعهما في مطار بيروت في 16 مايو 2008 بشأن وساطة جامعة الدول العربية لإنهاء النزاع بين الفرقاء السياسيين (غيتي)
صورة أرشيفية لميشال عون وسمير جعجع لدى اجتماعهما في مطار بيروت في 16 مايو 2008 بشأن وساطة جامعة الدول العربية لإنهاء النزاع بين الفرقاء السياسيين (غيتي)

لا يبدو رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب اللبناني ميشال عون جاهزا بعد للبحث في حواره المرتقب مع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع باسم أي مرشح توافقي للرئاسة، بل هو يتمسك بترشيحه أكثر من أي وقت مضى، بعد مرور نحو 8 أشهر على فراغ سدة الرئاسة.
وتقول مصادر في قوى 8 آذار إن «عون لم يعد لديه ما يخسره لذلك يخوض معركة الرئاسة غير آبه بأي تداعيات جانبية»، لافتة إلى أنّه يسعى من خلال حواره المرتقب مع جعجع لـ«محاولة إقناعه بانتخابه رئيسا للجمهورية بعد إعطائه عددا من التطمينات التي تُظهر رئيس (القوات) منتصرا أمام جمهوره كونه نجح في انتزاع جملة من التعهدات العونية بمواضيع حساسة متعلقة بحزب الله وسلاحه». وتشير المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «حزب الله قد يكون داعما لخطوات عون هذه لاقتناعه بأن كل ما سيتعهد به لن يقترن بأي خطوات عملية خلال مرحلة رئاسته للجمهورية».
وتؤكد المصادر أن عون ليس جاهزا على الإطلاق للبحث في أي من الأسماء التوافقية المطروحة حاليا للرئاسة، وهو ما عبّر عنه في وقت سابق حليفه المرشح الرئاسي، زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية حين أكّد أنّه «طالما هناك اقتناع لدى أي من الفرقاء بانتخاب رئيس وسطي فلن يكون هناك رئيس». ومن أبرز الأسماء «التوافقية - الوسطية» المطروحة حاليا للرئاسة الوزير السابق جان عبيد، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش جان قهوجي.
وبالتزامن، برز ما أعلنه أمس البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي عن أن قرار انتخاب رئيس الجمهورية مرتبط بالنزاع السني - الشيعي في المنطقة. ولا يبدو أن حوار تيار المستقبل مع حزب الله الذي انطلق نهاية الشهر الماضي سيكون قادرا على إنتاج رئيس جديد للجمهورية لسببين رئيسيين، عدم اتضاح المشهد العام الإقليمي بعد وإصرار الفرقاء المسيحيين على أن الكلمة الأخيرة يجب أن تكون لهم بالاستحقاق الرئاسي. بالمقابل، يُظهر حزب «القوات» عشية اللقاء المرتقب بين رئيسه ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» تجاوبا غير مسبوق مع طرح إمكانية تبنيه ترشيح عون للرئاسة حتى ولو لم يصدر أي شيء جدي ومباشر في هذا الإطار.
ولفت موقف النائب عن «القوات» أنطوان زهرا الذي قال إنه «إذا طمأننا عون إلى موقفه من السلاح غير الشرعي ومن تدخل حزب الله في سوريا وسلاحه غير الشرعي، ومن انتشار سرايا المقاومة، عندها يمكننا أن ننتخبه رئيسا». وأكّد زهرا في حديث إذاعي أن حزب «القوات» سينتخب «من يطمئننا إلى مصير الجمهورية.. وما يعلنه عون حتى اليوم لا يمكنه أن يؤدي إلى قيام الجمهورية وبالتالي لن ننتخب من يتبنى هذه الأفكار». وأضاف: «نحن سنتعايش مع عون في حال انتخابه رئيسا ولكن عليه أن ينتخب في المجلس النيابي وبالطريقة الديمقراطية».
وجدّد رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام يوم أمس دعوته إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية «يتولى مهامه في الحفاظ على الدستور وإدارة دفة البلاد، بحيث تنتظم الحياة السياسية وتعود المؤسسات إلى العمل والإنتاج في خدمة الوطن والمواطن».
وأكد سلام خلال رعايته في السراي الحكومي في بيروت، انطلاق أعمال مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين أنه «لا سبيل أمامنا كلبنانيين سوى الحوار العقلاني المنفتح»، معربا عن تفاؤله «بكل حوار يجري بين مكونين من مكونات المجتمع اللبناني، وصولا إلى حوار وطني أشمل يفتح أمامنا طريق الخروج من المأزق الراهن، والشروع في معالجة المشكلات الجوهرية التي تعيق مسيرتنا الوطنية».
بدوره، نبّه وزير الاتصالات والمرشح الرئاسي بطرس حرب إلى أن هناك «أزمة سياسية ودستورية في البلاد سببها ما تم الاتفاق عليه واعتماده في إدارة شؤون البلاد واتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء»، لجهة وجوب اعتماد مبدأ التوافق لتمرير أي قرار حكومي.
ودعا حرب بعد لقائه سلام إلى «بذل كل الجهود لأن الوضع إذا استمر على ما هو عليه يؤدي إلى توقف العمل الحكومي وانعكاساته كبيرة وخطيرة جدا في هذا الجو الموجود في المنطقة وفي البلاد، ولا أعتقد أن باستطاعة أحد من القوى السياسية أن يتحملها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.