«التدقيق الجنائي» يفجّر خلافات بين فريقي عون الحكومي والبرلماني

معارض لـ«التيار الوطني» وصف كنعان بـ«أحد النواب الواقعيين»

TT

«التدقيق الجنائي» يفجّر خلافات بين فريقي عون الحكومي والبرلماني

عكس الخلاف على «التدقيق الجنائي» في حسابات مصرف لبنان، تباينات عميقة في فريق الرئيس اللبناني ميشال عون في الحكومة والبرلمان، حيث اعتبرت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم أن كل من يعرقل التدقيق الجنائي «يرتكب جريمة بحق الشعب اللبناني»، فيما رد النائب إبراهيم كنعان عليها واصفاً إياها بـ«وزيرة اللاعدل».
والخلافات بين أركان فريق الرئيس عون، ليست جديدة، لكنها غالباً ما تبقى في الظل، ويستدل إليها من التصريحات الإعلامية التي تتفاوت حدتها بين شخصية وأخرى، والانقسامات على الملفات والتباينات بالمواقف.
ويقول قيادي سابق في «التيار الوطني الحر» ويعارضه الآن أن الخلافات «تعود إلى ضياع واضح يشمل كل القوى السياسية، ولو أنه يبدو في التيار أكثر عمقاً كون القيادة لم تحسم مواقفها ولم تخرج بموقف واحد»، معتبراً أن «التخبط يظهر هذا الاختلاف». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «فيما استطاعت قوى سياسية أخرى أن تحسمه وتتصرف مع التطورات والتأزم بعقلانية، لا تزال شخصيات في التيار تراهن على الشعبوية، وتتصرف وكأن الأمور لا تزال مثلما كانت عليه في الماضي».
وقالت نجم في تصريح تلفزيوني إن «الحكومة ووجهت من قبل منظومة «كليبتوقراط» متحكمة بمفاصل الحكم»، وأشارت إلى أن «موضوع السرية المصرفية خارج النقاش اليوم لأن التدقيق يجري على حسابات مصرف لبنان بسبب وجود فجوة لا نعرف حجمها ولا سرية مصرفية تجاه الدولة في موضوع حسابات مصرف لبنان»، علماً أن كبار المشرعين اللبنانيين، وبينهم رئيس لجنة «المال والموازنة» النائب إبراهيم كنعان الذي ينتمي إلى فريق رئيس الجمهورية أيضاً، كانوا قد أكدوا أن إجراء التدقيق يحتاج إلى تعديلات في قانون «السرية المصرفية» الذي يمنع إجراء التدقيق.
وشن النائب إبراهيم كنعان هجوما عنيفا على وزيرة العدل المحسوبة على رئيس الجمهورية ميشال عون. وكتب عبر تويتر: «قالت وزيرة اللاعدل إن من طالب بتعديل قانون السرية المصرفية لإزالة العوائق أمام التدقيق الجنائي مسؤول عن عدم حصوله! غريب أن تصبح المطالبة بتعديل قانون للوصول إلى الحقيقة جريمة بينما تنظيم عقود واستشارات وهدر المال العام وتعثر التدقيق الجنائي إنجاز. اللي استحوا ماتوا!».
وكان كنعان في الشهر الماضي، انتقد المسؤولين اللبنانيين الذين تولوا الإعداد وعملية إبرام عقد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي، قائلاً: «ألم يقرأ هؤلاء ومعهم جيش المستشارين الحكوميين القانون قبل إبرام التعاقد الذي كبد الدولة مليوني دولار؟»، مشيراً إلى أنه «كان يتعين الأخذ في الاعتبار أن إنجاز التدقيق الجنائي يتطلب بشكل مسبق إدخال تعديل على قانون النقد والتسليف».
والخلاف بين كنعان والحكومة المستقيلة التي كانت مدعومة من الرئيس عون، ليس الأول، فهي تعود إلى الخلافات حول أرقام العجز التي وضعتها الحكومة، وصححتها لجنة المال والموازنة بغرض تقديمها للتفاوض مع «صندوق النقد الدولي».
وتطرقت نجم إلى موضوع خلافي آخر يمس جوهر مواقف «لجنة المال والموازنة» البرلمانية التي يرأسها كنعان، إذ اعتبرت أن هناك من حاول «تفخيخ» الخطة المالية لحكومة حسان دياب، ورأت أن «لجنة المال والموازنة كانت تحارب الحكومة في هذا الملف كذلك القطاع المصرفي ومصرف لبنان».
ورغم الانتقادات للحكومة، حتى من قبل فريق الرئيس عون، إلا أن التباين بين أعضاء الفريق الحكومي والنيابي، لم يخرج إلى العلن بهذا الشكل قبل الآن، ويقول القيادي السابق في التيار والمعارض له الآن، إنه ناتج عن «التخبط في مقاربة الأزمات»، واصفاً النائب إبراهيم كنعان بأنه «من النواب القلائل في التيار «الذين يتصرفون بواقعية»، إذ «يرون الوضع ينهار الآن، ويحاولون ترميم المشهد ومواجهة الأزمات»، لافتاً إلى أن الأمور «تقاربها هذه المجموعة بطريقة قانونية، ويتخذون مواقفهم بمعزل عن الحسابات السياسية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.