المحكمة الإسرائيلية تطلق رصاصة الرحمة على حكومة «نتنياهو ـ غانتس»

انتقادات حادة لتدخل القضاء في قوانين الأساس

TT

المحكمة الإسرائيلية تطلق رصاصة الرحمة على حكومة «نتنياهو ـ غانتس»

في الوقت الذي أشار فيه آخر استطلاعات الرأي إلى ارتفاع قوّة «الليكود» واستعادة رئيسه بنيامين نتنياهو، بعضاً من شعبيته، أصدرت محكمة العدل العليا في القدس الغربية قراراً يعد رصاصة الرحمة على الحكومة التي تبدو كأنها تُحتضر، فقد قررت المحكمة أن تنظر في دعوى مقدَّمة إليها تعد الاتفاق الائتلافي للحكومة غير دستوري.
ومع أن المحكمة العليا كانت قد رفضت نظر أي دعوى خلال الأشهر الستة الأخيرة ضد اتفاقيات الائتلاف الحكومي، بما في ذلك رفض الاعتراض على مضاعفة عدد الوزراء في الحكومة (ليصبحوا 36 وزيراً و14 نائب وزير)، قررت هذه المرة النظر في الالتماس المقدم من «الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل» وحزب «ميرتس» اليساري. ويقول الالتماس إن حكومة الوحدة التي شُكلت في شهر مايو (أيار) الماضي، بين حزب «الليكود» بقيادة نتنياهو وحزب «كحول لفان» بقيادة بيني غانتس، ينطوي على تغيير دستوري. فبموجب الاتفاق يتناوب نتنياهو وغانتس على رئاسة الوزراء 18 شهراً لكل منهما، ولكن عندما يكون أحدهما رئيس وزراء يكون الثاني رئيس وزراء بالوكالة. وهذا منصب غريب لا سابق له. وفيه تعديلات على قانون أساس - الحكومة.
وقد قررت المحكمة قبول الالتماس، والتداول فيه بتشكيلة موسعة من تسعة قضاة، ومنحت نتنياهو وغانتس وسائر المعنيين، 21 يوماً لتقديم تفسير مُقنع لهذه الخطوة وضرورة هذا المنصب، خصوصاً أنه ترافق مع إجراءات تؤدي إلى تقليص قدرة الكنيست (البرلمان)على إلغاء القانون أو تعديله وتُضعف قدراته على حجب الثقة عن الحكومة، إذ يشترط الاتفاق الائتلافي أغلبية من 70 عضو كنيست وليس أغلبية عادية (61 عضو كنيست).
وأثار هذا القرار موجة انتقادات واسعة وتهديدات ضد المحكمة وسلطة القضاء. وقال رئيس الكنيست، ياريف ليفين (الليكود)، إن «المحكمة العليا في قرارها الفاضح، تمهّد الطريق لتجاوز الخط الأحمر للتدخل في قوانين الأساس. هذا التدخل يأتي دون أي صلاحية، ما يتعارض مع المبادئ الأساسية الديمقراطية، وبالتالي فهو باطل بشكل أساسي». وأضاف ليفين أن «كل خطوة من هذا القبيل تزيد من التأييد الشعبي لتغيير أسلوب اختيار القضاة، وإبعاد القضاة الذين يستخدمون مناصبهم لسحق الديمقراطية من الجهاز القضائي».
وعدّ وزير التنسيق بين الحكومة والكنيست، ديفيد أمسالم، هذا القرار بمثابة «إطلاق رصاصة الرحمة على الحكومة الحالية، التي تُحتضر أصلاً»، وأكد أنه سيؤدي إلى تسريع تفكيك الحكومة والتوجه إلى الانتخابات. وقال إن «الليكود» بقيادة نتنياهو سيعود إلى الحكم بحكومة يمين صرف ستسعى لتغيير القوانين وتقلص صلاحيات المحكمة العليا.
وفي هذه الأثناء، نشرت صحيفة «معريب»، أمس، نتائج استطلاع للرأي بيّن أن نتنياهو عاد ليستردّ بعضاً من شعبيته. وعلى الرغم من أن 64% من المواطنين يرون أن الحكومة فشلت في معالجة «كورونا» وسياستها تُدخل إسرائيل لأزمة، فإنهم يعطون «الليكود» 30 مقعداً فيما لو جرت الانتخابات الآن.
والمعروف أن «الليكود» ممثَّل في الكنيست اليوم بـ36 مقعداً. وقبل 3 أشهر منحته الاستطلاعات 41 مقعداً. ولكنه بدأ يتراجع شيئاً فشيئاً ووصل إلى 26 مقعداً. وفي المقابل منح الجمهورُ اتحادَ أحزاب اليمين المتطرف «يميناً» برئاسة نفتالي بنيت، 22 مقعداً، أي نحو أربعة أضعاف قوته الحالية (6 مقاعد). وبدا أن أحزاب اليمين مجتمعة، ارتفعت إلى نحو 70 من مجموع 120 مقعداً. وتستطيع تشكيل حكومة يمينية. فيما ينهار «كحول لفان» من 16 مقعداً اليوم إلى 9 مقاعد فقط.
ويتضح أن كل الأحزاب على يسار «الليكود» ستتضرر من تبكير موعد الانتخابات، بما في ذلك «القائمة المشتركة» للأحزاب العربية، التي ستهبط من 15 مقعداً حالياً إلى 11 مقعداً فقط.
وعلى أثر هذه النتائج كشف نواب في «الليكود» عن خطة لتعديل قانون الانتخابات، بحيث تفرض مراقبة على التصويت ووضع كاميرات في صناديق الاقتراع. وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة وتعده عملية تخويف للناخبين هدفه ثني العرب عن المشاركة في التصويت.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.