The Human Voice نصف امرأة > إخراج: بدرو ألمودوفار > إسبانيا | النوع: دراما (2020) > ممتاز ★★★★ فقط في الدول التي لم تعرف بعد أن الحضارة تشمل الفنون كافّة وأن الفنون بدورها تشمل القدرة على إتاحة العروض والنشاطات على نحو مبرمج وممنهج لكي تساهم في رفع ذوق المشاهد وتنمية مداركه واطلاعاته، لا يوجد كثير اهتمام لما قد تعرضه صالات السينما في الغرب وما تتيحه من مجالات وآفاق واسعة وغير مشروطة. فيلم المخرج الإسباني بدرو ألمودوفار «الصوت الإنساني» فيلم قصير من نحو ثلث ساعة تم عرضه في مهرجان فنيسيا ثم في مهرجان لندن والآن تتباهى لندن بعرضه على بعض شاشاتها السينمائية العريضة وستحذو باريس ومدريد حذوها بطبيعة الحال. هو فيلم مأخوذ، بحرية تصرف، عن مسرحية جان كوكتو (بالعنوان نفسه) كتبها سنة 1928 من بطولة شخص واحد هو امرأة تكتشف أن الرجل الذي تحب غادرها وتركها وحيدة. وهو لم يخبرها بذلك وجها لوجه بل فضّل الاتصال اللاحق بها ليعلمها أنه لم يعد يريدها. المحور الذي يدور في ذات هذا الفيلم هو انعكاس الواقع الجديد على تلك المرأة. كيف تتصرّف قبل وخلال تسلمها المكالمة الهاتفية وهي في قمّة توترها. كيف تشعر وقد استيقظت على واقع جديد بدا كما لو أن نصف كيانها زال مع غيابه. في هذا الشأن لا يوجد هذا العام ممثلة قامت بتجسيد وضع عاطفي كهذا كما فعلت الممثلة تيلدا سوينتون وهذا لا يعود إلى أن الفيلم بأسره (باستثناء مشهد واحد) هو من حضورها المنفرد فقط، بل كيف تشغل هذا الحضور المنفرد. كيف تمثّله. كيف تشغل مساحته وتنتقل من خيط من تلك المشاعر إلى خيط آخر مختلف ولكل تعبيره الخاص. كذلك هو فعل ساحر من المخرج الذي لطالما تحدّث في أفلامه عن شخصيات تعيش على حافة خسائرها العاطفية (الرجال والنساء). يصمم المخرج لقطاته بدراية تصلح لكي يتعلّم منها الهاوي كيف يصنع فيلما. يصمم الإنتاج على نحو يضمن وجود الألوان والإضاءات المناسبة التي تكشف عن مستوى حياة الشخصية التي لديه وفي الوقت ذاته تتابع خلجاتها (على الهاتف) بلون داكن مقتضب. يسترعي الانتباه ذلك المشهد الذي تنظر فيه بطلة الفيلم من شرفتها إلى الفضاء الخارجي. لكن هذا الفضاء لا يعدو جدارا مبنيا في وجهها. مشهد يرمز إلى حياتها والجدار الجديد الذي تواجهه على حين غرّة.
- لا يستحق ★ - وسط ★★ - جيد ★★★ - ممتاز ★★★★ - تحفة ★★★★★
يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.
أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…
ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.
الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.
«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟
الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.
ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.
ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.
* عروض مهرجان مراكش.
CELEBRATION
(ممتاز)
* إخراج: برونو أنكوڤيتش
* كرواتيا/ قطر (2024)
«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.
نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.
«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.