«الحوار الليبي» في تونس يبحث النقاط الخلافية حول آليات الحكم

جانب من اجتماعات الأطراف الليبية في العاصمة التونسية برعاية أممية (أ.ب)
جانب من اجتماعات الأطراف الليبية في العاصمة التونسية برعاية أممية (أ.ب)
TT

«الحوار الليبي» في تونس يبحث النقاط الخلافية حول آليات الحكم

جانب من اجتماعات الأطراف الليبية في العاصمة التونسية برعاية أممية (أ.ب)
جانب من اجتماعات الأطراف الليبية في العاصمة التونسية برعاية أممية (أ.ب)

سيطر مقتل المحامية الليبية حنان البرعصي في مدينة بنغازي أول من أمس على أجواء الحوار الليبي، الذي تحتضنه العاصمة التونسية منذ ثلاثة أيام بهدف تحديد خريطة طريق، تفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا، وذلك بعد نحو سنة ونصف من الآن.
ولاقت هذه الحادثة شجبا واستنكارا جماعيا من قبل كل المشاركين في الحوار الليبي، معتبرين أن هذه العملية «مدبرة خصيصا لتعطيل الحوار، والعودة إلى مربع العنف والتقتيل... وهي تمثل حافزا إضافيا للتوافق حول حلول دائمة في ليبيا».
وواصل المشاركون أمس التباحث حول بعض النقاط الخلافية، المتعلقة أساسا بشكل وآليات الحكم في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، ومن بين النقاط التي تمت مناقشتها تعزيز منظومة الحكم المحلي، ووحدة المؤسسات السيادية، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات المدنية أو العسكرية، والنأي بها عن التوظيف السياسي، وحمايتها من مخاطر الانقسام والتفكيك.
ومن المنتظر الإعلان بعد غد السبت عن «وثيقة قمرت»، التي تحمل اسم الضاحية الشمالية نفسها للعاصمة التونسية، حيث تعقد مختلف فعاليات الحوار، وهي وثيقة قال المشاركون في جلسات النقاش «إنها مكملة لاتفاق الصخيرات المغربي، ولن تكون بديلة عنه».
وخلال اليومين الأولين للحوار الليبي في تونس تم تشكيل لجنة ليبية مكونة من ست شخصيات، تمثل مختلف الأطياف السياسية في ليبيا، سيعهد لها مهمة الإشراف على صياغة مقررات ملتقى الحوار الليبي في تونس.
وعبرت شخصيات ليبية تشارك في الحوار الليبي، من ضمنها مصباح أوحيدة النائب بالبرلمان الليبي، عن تفائلها بشأن الأجواء الإيجابية التي يدور فيها الحوار، والتوافق الواسع الذي رافق اليومين الأولين من جلسات النقاش. كما كشفت مصادر سياسية ليبية عن «وجود توافق ليبي كبير حول شخصية فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق، لتولي رئاسة الحكومة الليبية المقبلة».
كما أشارت المصادر ذاتها إلى حدوث توافق خلال الأيام الأولى من الحوار حول رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي، الذي يبدو أن عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي يحظى ونائباه بحظوظ وافرة للفوز به. وفي هذا السياق، أكدت مصادر ليبية متطابقة أن فتحي باشاغا تلقى الضوء الأخضر من عدة أطراف، من بينها تركيا وفرنسا وقطر لتقلد هذا المنصب، خاصة أنه يحظى كذلك بدعم كبير من قبل المشاركين في الحوار الليبي الحالي، وذلك بفضل دوره في تفكيك الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس.
وأول من أمس رحب البرلمان العربي بانطلاق جلسات الحوار السياسي الليبي في تونس، وقال رئيس البرلمان العربي، عادل بن عبد الرحمن العسومي، في بيان، إن الحوار الليبي المنعقد في تونس «يمثل مرحلة مفصلية، ونقطة تحول مهمة نحو إنهاء سنوات من النزاع سعيا لتحقيق طموحات الشعب الليبي في السلام الشامل، والاستقرار الدائم في ليبيا».
وطالب العسومي جميع الأطراف الليبية بالانخراط بشكلٍ بناء في الحوار، وتغليب المصلحة الوطنية العليا للشعب الليبي للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة، تدعم سيادة الدولة الليبية على كامل أراضيها، وتصون وحدتها الوطنية، وتنهي جميع أشكال التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي الداخلي، وتنقل ليبيا إلى مرحلة الاستقرار الدائم.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.