منذ إعلان قرار الإغلاق في فرنسا، للمرة الثانية، لم تفقد وزيرة الثقافة، روزلين باشلو، الأمل في دفع الحكومة إلى السماح لصالات الفنون بمواصلة نشاطها، أسوة بالمراكز الرياضية. وكانت باشلو - وهي وزيرة سابقة للبيئة، ثم للصحة والرياضة، ثم للتضامن الاجتماعي، في حكومات سابقة - قد تركت العمل السياسي وانتقلت للمشاركة في برامج تلفزيونية، قبل أن يقنعها الرئيس إيمانويل ماكرون بالعودة لتسلم حقيبة الثقافة. وقد أسرَّت للمقربين منها بأن الثقافة وحدها هي ما تغريها بالعودة للوظيفة الرسمية.
الوزيرة التي تحمل الدكتوراه في الصيدلة، كانت تخطط لتحقيق طفرة في الميدان الثقافي، نظراً لعلاقاتها الواسعة وخبراتها وشخصيتها المنفتحة؛ لكنها لم تحسب حساب «كورونا» التي عرقلت كل المشروعات. وقبل أيام قامت بزيارة بعيدة عن الكاميرات إلى مسرح «الشاتليه» العريق في باريس، لحضور تسجيل برنامج تلفزيوني عن الأغاني الحديثة المستلهمة من مقطوعات كلاسيكية. ورغم خلو الصالة من الجمهور فإن الوزيرة السبعينية المتسلحة بكمامة ثقيلة انتهزت الفرصة للتحاور مع الموسيقيين والفنيين، وبينهم المغنية البريطانية الأصل جين بيركن والملحن والمغني باتريك فيوري، كذلك مع كارلا بروني زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق التي كانت تشارك في البرنامج.
وبعد اللقاء قال أحد مستشاري الوزيرة إن باشلو تجيد التحدث مع الفنانين وتملك مفاتيح التعامل معهم، وهي لا تكتفي بإلقاء العبارات المعتادة العابرة؛ بل ترفق الوعود بالتنفيذ. فقد نجحت في إقناع الحكومة بتخصيص ملياري يورو لقطاع الثقافة، وذلك في خطة الدعم للمرافق التي تضررت من الجائحة. وكان الضرر الأكبر قد وقع على المسارح ودور العرض السينمائي والمعارض الفنية والمهرجانات ومعارض الكتب والمتاحف التي أغلقت أبوابها؛ لا سيما بعد الإغلاق ومنع التجول المسائي. وبالمقارنة، فإن قطاع الرياضة لم يحصل سوى على 120 مليون يورو من ميزانية الدعم، توزع على سنتين.
لم تغمض لوزيرة الثقافة عين ليلة أعلن الرئيس ماكرون إعادة إغلاق المرافق العامة، باستثناء الضرورية. كانت تحاول أن تحسب حجم الكارثة التي تحل بآلاف من الفنانين المستقلين الذين لا يملكون مرتبات سارية؛ بل يعتمدون في معيشتهم على ما يقدمونه من عروض. وحال طلوع الصباح ذهبت إلى اجتماع مجلس الوزراء في محاولة للحصول على تخفيف لإجراءات حظر التجمعات الثقافية. سعت لأن تكون وسيطة بين عالم المثقفين وبين الحكومة. ودافعت عن فكرة السماح لمن يحملون تذاكر مسرح أو سينما بالعودة إلى بيوتهم بعد انتهاء العروض، وعدم الالتزام بالحظر المقرر اعتباراً من التاسعة مساء. لكن رئيس الوزراء صم أذنيه عن حجج وزيرة الثقافة، متذرعاً بأن «على القواعد أن تسوَّي بين الجميع».
انتظرت باشلو الاجتماع التالي لمجلس الوزراء الذي جرى عبر الشاشات، وخاضت معركة كلامية مع زملائها قائلة إن ليس من العدل تعطيل حاجة الناس للفن وللترفيه الراقي، وهي حاجة تزداد إلحاحاً في ظروف الجائحة. وقد وعدها وزير الاقتصاد بأن يتبنى وجهة نظرها، باعتباره يعمل بالتعاون مع وزارة الخزانة. وبالفعل، بعد أسبوع، نالت الثقافة 115 مليون يورو إضافية.
هناك من يأخذ على وزيرة الثقافة سعيها لتجاوز المحاذير الصحية، في حين أنها صيدلانية، وكانت قبل سنوات وزيرة للصحة. وبهذا فليس من حقها الدعوة لفتح الصالات الفنية والاستهانة باحتمالات العدوى بين الجمهور. لكن باشلو لا تلتفت للانتقاد، وقد نجحت في الحصول على موافقة وزارة الاقتصاد على تحمل نفقات إرسال الكتب عبر البريد، فيما يخص أصحاب المكتبات المستقلة. هذا الإصرار يدفع حساد الوزيرة إلى التقليل من مجهوداتها. وفي تصريح لوزير سابق رفض الكشف عن اسمه، قال: «لو كنت في مكانها لهددت بالاستقالة إذا استمر إقفال المكتبات». وبالفعل فإن قطاع بيع الكتب والأسطوانات الرقمية يشكل حالة خاصة. فمن جهة ارتفع الطلب على هذه البضاعة بشكل غير مسبوق بسبب مكوث المواطنين في البيوت وحاجتهم لتمضية الوقت في المطالعة ومشاهدة الأفلام. ومن جهة ثانية يجد أصحاب المكتبات أنفسهم ملزمين بإغلاق دكاكينهم والاكتفاء بالبيع عبر المراسلة. ويتداول الفرنسيون تسجيلاً لأحدهم قام بتصوير نفسه في مكتبته التي أضاف إلى رفوفها معلبات الأطعمة وأكياس الخبز لكي يتمكن من الاستمرار في فتح المتجر، نظراً لأن متاجر المواد الغذائية معفاة من الإغلاق. وهكذا يمكن التحايل على القانون ببيع الكتاب والقواميس مع أكياس العدس وباقات البقدونس.
وزيرة الثقافة الفرنسية {تقاتل} لاستثناء صالات الفنون من الإغلاق
وزيرة الثقافة الفرنسية {تقاتل} لاستثناء صالات الفنون من الإغلاق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة