بحثت مصممة الأزياء بيرلا معلولي بين أنقاض انفجار بيروت لأيام متتالية كي تستخرج منها كل ما يمكن أن تستخدمه في مجموعة أزياء وإكسسوارات يعود ريعها لأهالي المناطق المتضررة. فبين أقمشة ستائر ممزقة وأخرى محروقة، وفساتين وتنانير هربت من خزائن أصحابها لقوة الانفجار، وبناطيل لبسها أصحابها في مناسبات حلوة ومرة، وجدت بيرلا معلولي مبتغاها. وتقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «الفكرة جاءتني عندما كنت أتفرج على هول الكارثة وما تأتى عنها من دمار شامل وبيئة ملوثة. وعندما توجهت إلى المناطق المتضررة علمت بأن محطة القطار القديمة في منطقة الجميزة تشكل مستوعبا ضخما لأغراض وأدوات ومفروشات بيوت تأذت من الانفجار. فوضعها أصحابها هناك للتخلص منها بعد أن أصبحت غير صالحة للاستعمال». وتضيف معلولي في سياق حديثها: «رحت ألملم كل ما لفتني من أقمشة ستائر وأزياء ممزقة وغيرها من الأغراض المرمية في هذه الساحة. وقررت أن أحولها إلى تصاميم أبيعها ويعود ريعها للمتضررين من الانفجار».
وبالفعل حملت معلولي كيلوغرامات من الأقمشة واتجهت بها إلى منزلها حيث أخضعتها لعملية تعقيم طويلة ومن ثم غسلتها ونشرتها تحت أشعة الشمس. «مراحل عديدة مرت بها هذه المادة التي اخترتها لصناعة مجموعة تصاميمي الجديدة. وكنت بين يوم وآخر أطل عليها لأنني اعتبرتها كنوزا من نوع آخر. فلا بد أن هذه الأغراض كانت تشكل علاقة حميمة مع أصحابها. بعض هذه الستائر كانت ترافق أطفالا في غرف نومهم ومسنين في صالة الجلوس في منازلهم. كما أن هذه الفساتين المرمية هنا وهناك لا بد أن كلاً منها يحكي قصة ولها ذكريات كثيرة مع صاحباتها. فكنت أحضر لتنفيذ هذه المجموعة من التصاميم بمادة تحمل مشاعر وأحاسيس لا يمكن الاستهانة بها».
ونفذت معلولي في المرحلة الأولى من مبادرتها هذه، نحو خمسة تصاميم أزياء وأربع حقائب يد. وتقول في معرض حديثها: «رغبت في تصاميم يمكن ارتداؤها بشكل عفوي بعيدا عن أزياء الـ«كوتير» و«السبور شيك» تناسب جميع الشرائح ولا سيما الشبابية منها. وخلال قيامي بهذه المهمة كنت أتخيل أصحابها، فيندفع قلمي تلقائيا ليسجل صوراً ورسومات تشبه هؤلاء كما أتخيلهم تماما».
اختارت معلولي أقمشة ملونة مختلفة بينها الأزرق والذهبي والأبيض والرمادي والزهري، كي تعبر عن أمل الغد. وتعلق: «صحيح أن هذه الأقمشة استخرجتها من رحم الانفجار ومن بين أنقاض بيوت ومنازل تضرر أصحابها بشكل كبير، فتخلصوا منها قسريا، ولكني أردتها عودة إلى الحياة على طريقتي. وعندما أطلقت على هذه المجموعة «كن لبيروت» (B for Beirut) كان هدفي تقديم كل إمكانياتنا كلبنانيين من أجل مدينتنا التي تأذت بفعل الانفجار».
صممت معلولي جاكيتات عملية وفساتين بسيطة وحقائب أخذت أشكالا هندسية مختلفة بعد أن طرزتها بأناملها ورسمت عليها. كما نفذت مع عددٍ من أصدقائها فيديو مصوراً عن المراحل التي مرت بها مجموعتها، إضافة إلى مجموعة صور فوتوغرافية خصصتها للنشر.
وتقول معلولي: «استطعت حتى الآن بيع قسم من هذه المجموعة لسيدة لبنانية تقيم في كندا، بعد أن شاهدت تصاميمي عبر مجلة افتراضية. فرحت بما حققته، وأتمنى أن أستطيع بيع ما تبقى من هذه التصاميم لأشرع في تنفيذ مجموعة جديدة من تصاميم ترتكز على مادة القماش نفسها. فلا يزال عندي كمية أقمشة كبيرة غير مستعملة سبق ولملمتها من المكان نفسه».
لحظة الانفجار كانت معلولي في إحدى ضواحي بيروت تهم بشراء ماكينة خياطة جديدة تستخدمها في عملها وتعلق: «للحظة الأولى اعتقدت أن المنطقة تتعرض للقصف، وعندما عدت إلى منزلي ورأيت مشهد الدمار تأثرت وقررت القيام بما يخدم هؤلاء الناس. حاليا حولت منزلي إلى ورشة عمل حيث أفصل وأخيط تصاميمي. فالأقمشة التي حملتها معي من منطقة مار مخايل لها قيمة معنوية كبيرة في نظري. وبيتي هو أفضل مكان لانتشالها من بيئة ملوثة قد تقضي عليها بسبب وجودها بين أطنان من الأنقاض والحطام».
وعما تعني لها هذه المحطة من مشوارها مع الموضة والأزياء تقول: «إنها محطة مفصلية في مشواري تحمل في طياتها رسالة إنسانية وأخرى أسهمت في انتشاري. ولذلك لن أنساها، وسأكمل ما بدأته سيما أن هناك كميات كبيرة من هذه الأقمشة في منطقة في مار مخايل، سأضفي تحسينا على مصيرها وأزودها بنبض الحياة من جديد».
«كن لبيروت»... مجموعة أزياء يعود ريعها لأهالي المناطق المتضررة
بيرلا معلولي تختار أقمشتها من أنقاض الانفجار
«كن لبيروت»... مجموعة أزياء يعود ريعها لأهالي المناطق المتضررة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة