خريطة «البروتيوم البشري»... المفتاح لفهم مسببات الأمراض

العلماء نجحوا في رصد نحو 90 % من البروتينات في جسم الإنسان

خريطة «البروتيوم البشري»... المفتاح لفهم مسببات الأمراض
TT

خريطة «البروتيوم البشري»... المفتاح لفهم مسببات الأمراض

خريطة «البروتيوم البشري»... المفتاح لفهم مسببات الأمراض

في الآونة الأخيرة، يوظف الباحثون التطورات في التقنيات الجزيئية وعلم البيولوجيا الحسابية لتسلسل الجينوم البشري والأنواع الحية الأخرى، للتعرف على مزيد من جوانب العلوم البيولوجية والطبية.
وما زالت هناك حاجة إلى فهم كيفية استخدام الجينات والميزات الأخرى في الجينوم لدراسة البروتينات، حيث يصنع كثير من الجينات الرموز الخاصة بالبروتينات، وهي المكونات التي تنشط لتأدية الوظائف الأساسية للحياة.
الجينوم البشري
كان مشروع «الجينوم البشري (HGP)» من أعظم مآثر الاستكشاف في التاريخ. وهو رحلة داخلية للاكتشاف بقيادة فريق دولي من الباحثين يتطلعون إلى وضع تسلسل جميع الجينات المعروفة معاً باسم «الجينوم» لأعضاء الجنس البشري. وقد بدأوا فيه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 1990 وانتهوا في أبريل (نيسان) 2003، وقد منحهم القدرة لأول مرة على قراءة المخطط الجيني الكامل للطبيعة لبناء كائن بشري.
وقام باحثو المشروع بفك شفرة الجينوم البشري بثلاث طرق رئيسية؛ هي: تحديد ترتيب أو «تسلسل» جميع القواعد في الحامض النووي لجينوم «الحمض النووي (DNA)»، وعمل خرائط توضح مواقع الجينات لأقسام رئيسية من جميع الكروموسومات، وإنتاج ما تسمى «خرائط الربط» التي من خلالها يمكن تتبع السمات الموروثة؛ مثل تلك الخاصة بالأمراض الوراثية عبر الأجيال.
وكشف المشروع عن أن هناك على الأرجح نحو 20500 جين بشري. وأعطى للعالم مورداً للمعلومات التفصيلية حول هيكل وتنظيم ووظيفة المجموعة الكاملة من الجينات البشرية؛ إذ يمكن حسبان هذه المعلومات المجموعة الأساسية من «التعليمات» القابلة للوراثة لتنمية الإنسان ووظائفه.
وكانت النتيجة المذهلة لهذه المسودة الأولى أن عدد الجينات البشرية بدا أقل بكثير من التقديرات السابقة التي تراوحت بين 50 ألفاً وما يصل إلى 140 ألف جين.
مشروع البروتينات
أما مشروع «البروتيوم البشري (HPP) Human Proteome Project»، فهو مشروع دولي لوضع أطلس كبير للبروتينات، تنظمه «منظمة البروتيومات البشرية (HUPO)».
والبروتيوم مصطلح يعني «المحتوى البروتيني»، ويمثل مجموعة البروتينات التي يعبَّر عنها أو يمكن التعبير عنها بواسطة الجينات، في داخل خلية أو نسيج أو كائن حي في وقت معين. ويهدف المشروع إلى إحداث ثورة في فهمنا للبروتيومات البشرية من خلال جهد منسق من قبل كثير من المراكز البحثية حول العالم. وهو مصمم لرسم خريطة للبروتيوم البشري بأكمله في جهد منظم باستخدام التقنيات المتاحة حالياً والناشئة.
وسيؤدي إكمال هذا المشروع إلى تعزيز فهم علم الأحياء البشري على المستوى الخلوي وإرساء الأساس لتطوير التطبيقات الطبية التشخيصية والعلاجية والوقائية.
بروتينات شاذة
ويتحدث كريس أوفراول، الأستاذ المشارك في «قسم علوم الفم البيولوجية والطبية» والعضو في «مركز أبحاث الدم» بجامعة «كولومبيا البريطانية» في كندا، في بحثه المنشور في 16 أكتوبر (تشرين أول) 2020 في مجلة «Nature Communications» عن البروتيوم البشري، ويقول إنه «يمثل اليوم معلماً مهماً في فهمنا الشامل للحياة البشرية، كما أنه يحدد اللبنات الأساسية للحياة المشفرة بواسطة هذا المخطط؛ حيث تتفاعل البروتينات لتشكيل كل شيء... من الأمراض التي تهدد الحياة؛ إلى البنية الخلوية في أجسامنا». ولم تكتمل نتائج المشروع بنسبة 100 في المائة، ولكن تم الآن رصد وتعيين نحو 90 في المائة من البروتينات في جسم الإنسان؛ حيث سيؤدي ذلك إلى تحسين فهمنا كيفية تأثير التفاعلات بين البروتينات على الصحة والمرض، ويمكنه أيضاً تعزيز البحث في فيروس «كورونا».
وفي حين أن الأخطاء الجينية لها علاقة كبيرة بالأمراض التي تصيب الإنسان؛ فإن كثيراً من هذه الأخطاء تظهر في البروتينات الشاذة، لذا فإن كثيراً من الأمراض ترتبط ارتباطاً وثيقاً بخلل البروتين. وفي اضطرابات مَرضية أخرى لا تنشأ المشكلة على مستوى الجين، ولكن على مستوى «الحمض النووي الريبي (RNA)» أو البروتينات.
يتشارك البشر 99.9 في المائة من «الحامض النووي (DNA)» الخاص بهم بين فرد وآخر، ومع ذلك؛ فإن أي نقص في أجزاء البروتين الناجم عن الطفرات الجينية الموروثة، يمكن أن يؤدي إلى أمراض وراثية أو إلى استجابات مناعية وخلوية غير ملائمة للضغوط البيئية والتغذوية والعدوى.
كما أن معرفة أي البروتينات الأساسية للوقاية من المرض وأوجه القصور في التعبير أو النشاط التي تعدّ سمات مميزة للمرض، يمكن أن تفيد مجال الطب وتطوير علاجات جديدة.

بروتيومات الإصابة بـ«كوفيد ـ 19»

> هناك نوعان من البروتيومات المعنية عند الإصابة بـ«كوفيد19»؛ هما: بروتيوم الفيروس نفسه، وبروتيوم الخلايا المصابة، وكلاهما من المحتمل أن يتفاعل مع الآخر ويعدل أو يغير وظيفة الآخر بصوره شاملة.
وإذا فهمنا هذه العلاقة، فعند ذلك يمكن أن نلقي الضوء على سبب أن بعض الخلايا والأفراد «أكثر مرونة» تجاه «كوفيد19»، والبعض الآخر أكثر ضعفاً، مما يوفر معلومات وظيفية أساسية عن جسم الإنسان لا يستطيع علم الجينوم وحده الإجابة عنها.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي
TT

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

الذكاء الاصطناعي... الثورة القادمة في طب الأسنان الجنائي

لطالما كان مجال طب الأسنان العدلي أو الجنائي ميداناً حيوياً في علم الطب الشرعي، إذ يقدم الأدلة الأساسية التي تساعد في كشف الجرائم وحل الألغاز القانونية.

الأسنان لتحديد الهوية

وتجرى التحقيقات الجنائية لحل الألغاز القانونية من خلال:

> تحديد الهوية: يتم استخدام الأسنان وبصمات الأسنان لتحديد هوية الأفراد في حالات الكوارث الطبيعية، الحوادث، أو الجرائم، خصوصاً عندما تكون الجثث مشوهة أو متحللة.

> تحليل علامات العضّ: يساعد تحليل علامات العض الموجودة على الأجساد أو الأشياء في تحديد الجناة أو الضحايا من خلال مقارنة العلامات مع أسنان المشتبه بهم.

> تقييم العمر: يمكن لطب الأسنان الجنائي تقدير عمر الأفراد بناءً على تطور الأسنان وتركيبها، مما يساعد في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية وحالات الاستغلال للأطفال.

> فحص الجثث المجهولة: يتم استخدام تقنيات طب الأسنان لفحص الجثث المجهولة والتعرف عليها من خلال السجلات الطبية للأسنان.

> الأدلة الفموية: يمكن للأدلة المستخرجة من الفم والأسنان أن توفر معلومات حول نمط حياة الأفراد، مثل النظام الغذائي والعادات الصحية، التي قد تكون ذات صلة بالقضايا الجنائية.

> الكشف عن التزوير والتزييف: يمكن تحليل التركيبات السنية والأسنان المزيفة لتحديد التزوير والتزييف في الأدلة الجنائية.

> التشخيص المسبق: يستخدم طب الأسنان العدلي في تشخيص الإصابات الفموية وتحليلها لتحديد ما إذا كانت ناتجة عن أعمال جنائية أو غيرها.

دور الذكاء الاصطناعي

ومع التقدم السريع في التكنولوجيا، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايداً في تعزيز هذا المجال وجعله أكثر دقة وفاعلية. وسنستعرض كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب الأسنان العدلي ودوره المحوري في تحسين عملية التشخيص وتقديم الأدلة الجنائية.

> الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، يتيح الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، وهو ما كان يستغرق أياماً أو حتى أسابيع لفرق من الأطباء والمختصين. أما الآن، فباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل الصور الفموية والأشعة السينية وتحديد الهوية من خلال بصمات الأسنان بوقت قياسي قد لا يتجاوز الساعة.

> التشخيص الدقيق، يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع مستوى الدقة في التشخيص من خلال تحليل البيانات الفموية مثل تحديد هوية العضات والعمر والجنس للضحايا من خلال الأسنان وعظم الفك وتحديد الأنماط غير المرئية بالعين المجردة. ويساعد هذا الأطباء في تمييز الحالات العادية من الحالات الحرجة التي قد تكون ذات صلة بالجرائم أو الحوادث.

> تحديد الهوية، يُعد تحديد الهوية من خلال الأسنان من أهم تطبيقات طب الأسنان العدلي، خصوصاً في حالات الكوارث أو الجثث غير معروفة الهوية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن مقارنة البيانات الفموية بسرعة مع قواعد بيانات السجلات الطبية الرقمية، مما يسهل عملية التعرف على الضحايا بدقة عالية. كما مكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من إعادة بناء الوجه بعد حوادث الغرق أو الحريق أو الطائرات لسهولة التعرف على الضحايا.

ومع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، نتوقع أن يصبح طب الأسنان العدلي أكثر تطوراً وفاعلية، فالذكاء الاصطناعي لا يقلل من الوقت والجهد فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل الأخطاء البشرية وتحقيق نتائج أكثر دقة ومصداقية. بفضل التعاون بين الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطب الشرعي، يتم تطوير تطبيقات جديدة لتحديد العمر والجنس وحتى الأصل العرقي بناءً على تحليل الأسنان.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في طب الأسنان العدلي، هناك تحديات يجب التغلب عليها. ومن بين هذه التحديات ضرورة تحسين دقة الخوارزميات وتجنب التحيزات التي قد تؤثر على النتائج. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى.

وتنفيذ الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في طب الأسنان العدلي، يجب على المؤسسات التعليمية توفير التدريب اللازم للأطباء والمختصين في هذا المجال. يشمل ذلك تعليمهم كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة، وفهم كيفية تفسير النتائج التي تنتج عن الخوارزميات الذكية.

وتبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بوضوح أهمية التقنية في تحسين حياتنا وجعل مجتمعاتنا أكثر أماناً وعدالةً.