باسيل: لإسرائيل الحق بالأمن

نفى تهمة «الفساد» الأميركية وعزا معاقبته إلى التحالف مع «حزب الله»

جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
TT

باسيل: لإسرائيل الحق بالأمن

جبران باسيل (الوكالة الوطنية)
جبران باسيل (الوكالة الوطنية)

رأى رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، أن للعقوبات الأميركية عليه دوافع سياسية مرتبطة بتحالفه مع «حزب الله»، وأنه رفض فضّ التحالف معه مقابل إلغاء العقوبات، نافياً في الوقت نفسه تهمة الفساد عنه. وبعث جملة رسائل داخلية وخارجية، من بينها أنه لن يتخلى عن تحالفه مع «حزب الله» منعاً لـ«عزل» مكون لبناني، لكنه أقر بالاختلافات مع الحزب حول ملفات داخلية، وحول النظرة إلى إسرائيل، مكرراً موقفه من أن «لإسرائيل الحق في الأمن».
وفي مؤتمر صحافي مطول بعد يومين على العقوبات الأميركية عليه، قال باسيل، أمس (الأحد)، إن «حديث العقوبات بدأ جدياً في صيف عام 2018، خلال تشكيل الحكومة الثانية للرئيس سعد الحريري التي كنت فيها وزيراً بسبب إصرار الحريري نفسه»، لافتاً إلى أنه «جاء وقتئذ أحد العارفين يقول لي إنه من الضروري أن أكون وزير خارجية لأن الحصانة الدبلوماسية للموقع تمنع فرض عقوبات».
وتطرق باسيل إلى مسار فرض العقوبات في الأسبوعين الأخيرين، كاشفاً أنه تبلغ من رئيس الجمهورية ميشال عون بأن مسؤولاً أميركياً كبيراً اتصل به، وطلب منه ضرورة فك علاقة «التيار الوطني الحر» بـ«حزب الله» فوراً، وأن يبلغه بعجالة الأمر.
وأضاف باسيل: «في اليوم الثاني، تبلغت من السفيرة الأميركية مباشرة بضرورة تلبية أربعة مطالب فوراً، وإلا ستفرض عليّ عقوبات أميركية بعد 4 أيام، أي في 25 أكتوبر (تشرين الأول). أما المطالب، فهي: فك العلاقة فوراً مع (حزب الله)، وثلاث نقاط أخرى»، مشيراً إلى أنه «في المطالب، والحديث كله، لا وجود لكلمة عن الفساد».
وأكد أنه «بعد ذلك، كانت مداخلات معي لإقناعي بأن هدف الأميركيين ليس فرض العقوبات عليّ، إنما استقطابي لأكون شريكاً وصديقاً، والبرهان أن غيري لم يتم تحذيرهم، في حين أنهم أرادوا إعطائي فرصة لأخلص نفسي لأنهم يريدونني، وسمعنا على مستويات عدة كلاماً عن أننا لا نريد أن نخسر علاقتنا بباسيل».
وتابع باسيل: «مر 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وكنت أنتظر أن تصدر العقوبات يومها، ولكن قرر الأميركيون بعد ذلك أن يعطوا مهلة ثانية إلى 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، أي اليوم الثاني على الانتخابات الأميركية، وتخلوا عن البنود 2 و3 و4، وحصروا مطلبهم بإعلان قطع العلاقة مع (حزب الله)، ولكن على قاعدة ثانية، هي العصا والجزرة. زاروني في لقاءات طويلة، وقدموا لي ما اعتبروه مغريات كافية، من النجومية في لبنان وأميركا، والربح السياسي الشخصي لي وللتيار، وما مشي الحال».
وأشار إلى أنه «عقد بعد ذلك لقاء طويل في 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، أي الأربعاء، وأعطوني مهلة أخيرة 24 ساعة لأغير رأيي، وأفكر بما عرضوه عليّ لمصلحتي ومصلحة لبنان، ونبهوني من العواقب في حال ساروا بالعقوبات»، مشدداً على أن الأميركيين «لم يتكلموا معي إلا عن (حزب الله)».
وإذ اعتبر أن الإدارة الأميركية الحالية «ارتكبت جريمة في حقي»، أعرب عن عزمه، مع الإدارة الجديدة، على «العمل على تطوير العلاقات معها». ورأى باسيل أنه «إذا أرادوا محاربة الفساد، فليوقفوا دعمهم لجماعتهم التي تمنع التدقيق الجنائي، وليزودوا لبنان بكل التحويلات المالية منه لتهريب الأموال المنهوبة والمحولة». وقال إنه سيعمل على تكليف مكتب محاماة بهدف إبطال القرار «لفقدان الأساس القانوني، وطلب التعويض المعنوي والمادي».
وسأل باسيل: «أين هي مصلحة أميركا بضرب ومحاولة تدمير أكبر حزب وتكتل طابعه مسيحي في لبنان وفي الشرق؟»، و«أين هي مصلحة أميركا بضرب المكون اللبناني الذي يرفض الذهاب إلى الشرق فقط، ويريد إبقاء لبنان همزة وصل بين الشرق والغرب؟». وقال: «هذه ليست مصلحة أميركا، هذه مصلحة إسرائيل بضرب المسيحيين في لبنان».
وقال إن «إضعاف التيار لرفع الغطاء عن الحزب لن يضعف الحزب، بل سيعزله وسيضطره إلى الدفاع عن نفسه، وسينتصر. وسيكون هناك مشروع فتنة وحرب داخلية في لبنان بين الشيعة والسنة، ومن تسول له نفسه من المسيحيين للتآمر والمشاركة فيها، وسيدفع المسيحيون ثمنها الأكبر بالهجرة الكثيفة». ورأى أن «عزل حزب الله» هو «وصفة حرب، ونحن ولبنان أولى ضحاياها، وتريدون أن أمشي بها؟! الثمن صغير جداً لتفاديها، وأنا أدفعه طالما هو عقوبات على شخصي - وهذا أرخص شيء!».
وعن علاقته مع «حزب الله»، قال باسيل: «نحن لا نطعن بأي حليف أو صديق أو أحد تفاهمنا معه لصالح أحد في الداخل»، وأضاف: «لا نترك بضغط خارجي، فإذا أردنا أن نترك فلأسباب داخلية تتعلق فينا وفي مصلحة البلد»، لافتاً إلى «أننا اتفقنا مؤخراً على إجراء مراجعة وإعادة نظر في وثيقة التفاهم (مع حزب الله) كي نطورها لنقدم شيئاً لجمهورنا وللناس المتأملة فينا الخير للبلد». وقال: «نحن نختلف مع (حزب الله) حول أمور أساسية وعقائدية، مثل السلام في المنطقة، ووجود إسرائيل»، مضيفاً: «لبنان يريد السلام، لا الحرب. والسلام يقوم على أساس المبادرة العربية، وعلى الحقوق المتبادلة: للعرب الحق بالأرض، ولفلسطين الحق بالدولة، ولإسرائيل الحق بالأمن (هذا 1701، وهذا ما نعيشه على الحدود منذ 2006). هذا خلاف كبير، يهاجمني فيه جمهورهم على وسائل التواصل الاجتماعي!».
وشدد على أنه ليس «إرهابياً، وليس في تاريخ (التيار) إلا محاربة الإرهاب»، وأضاف: «أنا لست فاسداً، ولا دولار واحداً عمولة أو رشوة في تاريخي»، وتوجه إلى واشنطن بالسؤال: «من أين لكم الحق أنتم لتحاكموني بالفساد وأنتم تدعمون كل الفاسدين؟»، كما قال: «أنا لست مجرم حرب كغيري من الناس، ولم أتسبب بمقتل إنسان واحد أو هدر نقطة دم».
وفي الملف الحكومي، قال: «العقوبات يجب أن تكون سبباً للتسريع بتأليف الحكومة». ورغم تأكيده «أننا لم نضع أي شرط، ولم نتمسك بحقيبة، وتركنا حتى مشاركتنا بالحكومة أو عدمها وشكل المشاركة مفتوحة». وظهر أنه متشدد بموقفه بقوله: «ما طالبنا به هو اعتماد معايير واحدة للتأليف من أجل الإسراع، لأن غير ذلك يؤخر ويعرقل، وهذا ما علمتنا إياه التجربة»، في رفض مبطن للاتفاق على منح «الثنائي الشيعي» حقيبة المالية، ومنعه من تسمية مرشحيه لتولي الحقائب الحكومية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.