جيل بايدن... سيّدة أميركا الأولى شريكة نجاح الرئيس

جو بايدن وزوجته جيل (أ.ب)
جو بايدن وزوجته جيل (أ.ب)
TT

جيل بايدن... سيّدة أميركا الأولى شريكة نجاح الرئيس

جو بايدن وزوجته جيل (أ.ب)
جو بايدن وزوجته جيل (أ.ب)

جابت جيل بايدن على مدى أشهر الولايات الأميركية بلا كلل حاملة رسالة مفادها أن وحده جو بايدن قادر على توحيد بلد منقسم إلى أبعد حد، وذلك بحيوية تجاوزت في بعض الأحيان قدرات زوجها الذي فاز السبت بالرئاسة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
فقد كثفت هذه الأستاذة الجامعية البالغة من العمر 69 عاماً زياراتها إلى الولايات الرئيسية التي تمكّن زوجها من انتزاع عدد منها من الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترمب والفوز بالرئاسة، وفق تقديرات وسائل الإعلام.
كما كانت تدعو الأميركيين سواء كانوا «ديمقراطيين أو جمهوريين، من الأرياف أو من المدن» إلى توحيد الصفوف لتجاوز الانقسامات السياسية، وهزم وباء كوفيد – 19، ومواجهة الأزمة الاقتصادية.
وخطابها يتعارض كلياً مع كلام ترمب، فهي تقول: «نحن لا نتفق على كل شيء، هذا ليس ضرورياً، يمكننا دائماً أن نحب ونحترم بعضنا البعض». كذلك، تعكس صورة إنسانية عن جو بايدن الذي عرف في حياته «مآسي لا يمكن تصورها».
وتروي جيل بايدن كيف تمكن النائب السابق للرئيس باراك أوباما من استئناف أنشطته في البيت الأبيض، بعد أيام فقط على وفاة ابنه بو الذي توفي بسرطان في الدماغ في 2015.
وقالت في خطاب تناولت فيه الأزمات التي تشهدها الولايات المتحدة بسبب الوباء والتوترات في البلاد منذ أربع سنوات: «لقد عرف كيف يداوي أسرة، وبالطريقة نفسها نداوي بلداً: عبر الحب والتفهم وبادرات لطف صغيرة وشجاعة وأمل لا يتزعزع».
وتزوج جو وجيل بايدن عام 1977 بعد مرور خمس سنوات على أول مأساة واجهها مع وفاة زوجته الأولى وابنته في حادث سيارة.
ويروي جو بايدن في مذكراته أن نجليه، بو وهانتر وهما لا يزالان صغيرين طلباً من والدهما الزواج من جيل، قائلاً: «لقد أعادت لي الحياة».
وأوقفت جيل بايدن مسيرتها المهنية حين أنجبت ابنتهما آشلي عام 1981 لكنها تابعت بعد ذلك دراستها ونالت دكتوراه في التعليم.
ولا تزال تدرس في إحدى جامعات شمال فيرجينيا بالقرب من واشنطن، وهو تقول إنها ستواصل العمل بغض النظر عن منصب زوجها.
وباستثناء هيلاري كلينتون التي شغلت لفترة وجيزة منصب عضو في مجلس الشيوخ في نهاية ولاية زوجها، ستصبح جيل بايدن أول سيدة أولى تواصل مسيرتها المهنية.
وتقول كايت أندرسن بروير وهي مؤلفة كتاب عن تاريخ زوجات الرؤساء الأميركيين إن جيل بايدن ستقوم عندها بتحويل «تطلعات هذا المنصب وحدوده».
وتضيف كاثرين جيليسون المتخصصة في التاريخ الأميركي في جامعة أوهايو: «ستدخل مهام السيدة الأولى في القرن الحادي والعشرين» مؤكدة أن «غالبية الأميركيات عليهن التوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية».
كانت حاضرة في حملة زوجها الانتخابية منذ بدء الانتخابات التمهيدية ودرج المرشح الديمقراطي عادة على تقديم نفسه على أنه «زوج جيل بايدن».
رغم قوامها النحيف، صدت جيل وبدون تردد متظاهرة اقتربت من زوجها خلال تجمع انتخابي في لوس أنجليس في مارس (آذار).
ورغم حملة الانتخابات المحتدمة، أشاد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو حليف دونالد ترمب، بجيل بايدن معتبراً أنها «شخصية مميزة» بعد خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي.
وهي نددت بـ«الافتراء» الذي أطلقه معسكر ترمب «لتحويل الانتباه» في قضية الاتهامات بالفساد الموجهة في الآونة الأخيرة إلى جو وهانتر بايدن الذي ارتبط بأعمال تجارية في الصين وأوكرانيا حين كان والده نائباً للرئيس أوباما.
لكنها لزمت الصمت بشأن اتهام امرأة تدعى تارا ريد، جو بايدن، بالاغتصاب في التسعينيات، وهو ما نفاه المرشح الديمقراطي نفياً قاطعاً.
كذلك يواجه بايدن انتقادات بعدما اشتكت عدة نساء من ميله للمس محاوريه، وتقول جو بايدن إنها لا ترى سوى سلوك بريء من زوجها الذي قال إنه استخلص العبر من أقوال هؤلاء النساء اللواتي اعتبرن أنه اخترق مساحتهن الخاصة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟