ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

آمال بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»
TT

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

ملفات عراقية عالقة... الرواتب والعلاقة مع أميركا و«الجيران»

حسم البرلمان العراقي الأسبوع الماضي قانون الانتخابات المثير للجدل، القائم على الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات. وبعد هذه المرحلة تنتظر الجميع في العراق معركة أخرى مؤجلة هي معركة المحكمة الاتحادية العليا، التي لم يستكمل قانونها بعد، كما لم يكتمل نصابها، وهو أمر يتعذر معه إجراء الانتخابات قبل. ثم، تضاف إلى هذه وتلك معركة أخرى لا تقل حساسية وأهمية عن سابقتيها، هي الرواتب والإصلاح الاقتصادي. ذلك أنه للشهر الثاني عجزت الحكومة العراقية عن تأمين الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد إلا عبر القروض التي من شأنها زيادة أعباء المديونية واستنزاف رصيد البنك المركزي، مع احتمال انهيار العملة. ومع أن إقرار قانون الانتخابات بدا إنجازاً، لا سيما أنه جاء تحت وطأة المظاهرات الجماهيرية التي انطلقت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول إمكانية إجرائها في وقتها الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو السادس من يونيو (حزيران) 2021.

قبل أيام فجّر نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي «قنبلة» سياسية حين قال في تصريح متلفز، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أعرب له عن شكوكه بإمكانية إجراء الانتخابات النيابية المقررة في الموعد المحدد يوم 6 يونيو المقبل. وفي حين لم يصدر عن مكتب الكاظمي ما يؤكد هذا الكلام، أو ينفيه، فإن قانون الانتخابات جرى رفعه إلى رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح للمصادقة عليه، وهو ما يعني أنه سيغدو بعد نحو أسبوعين نافذ المفعول.
شاكر حامد، المتحدث باسم رئيس البرلمان، أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه «بعد هذا التصويت يكون قانون الانتخابات الجديد مكتملاً من الناحية التشريعية، وهو الذي اعتمد الترشيح الفردي وأعلى الأصوات ضمن الدوائر المتعددة في 18 محافظة عراقية». واعتبر أن «هذا القانون جاء ملبياً لمطالب المتظاهرين الإصلاحية وتأدية لجزء من الدين لضحاياها». وبما أن الانتخابات مرتبطة بما إذا كانت الطبقة السياسية قادرة خلال الفترة المقبلة على حسم قانون المحكمة الاتحادية، إما بتعديله أو إكمال نصابه، فإن الكلام عن إمكانية إجراء انتخابات حتى في غير موعدها المبكر يعد ضرباً من الوهم.
أما عن الكيفية التي يمكن من خلالها تفعيل المحكمة الاتحادية، فيقول النائب عن كتلة «سائرون» بدر الزيادي، موضحاً «هناك طريقتان لتفعيل عمل المحكمة: الأولى من خلال تشريع قانون جديد للمحكمة، وهو أمر يتضمن الكثير من الخلافات بشأن موضوع فقهاء الدين وخبراء القانون والتصويت بالإجماع أو الأغلبية وغيرها من النقاط. وسيصار إلى تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات بحال عدم الوصول إلى اتفاق نهائي... والطريقة الأخرى، وهي الأسهل، فمن خلال التنسيق مع باقي الرئاسات وتعديل القانون النافذ لإيجاد آلية ترشيح عضوين جديدين بديلاً عن الأول المُحال على التقاعد والآخر المتوفى».
من جهته، يرى آراس حبيب كريم، النائب عن محافظة بغداد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «باستكمال التصويت على قانون الانتخابات، أصبحنا الآن أمام تحديين جديدين، هما: المحكمة الاتحادية والإجراءات العملية الخاصة بكيفية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر». ويضيف حبيب، أن «معركة المحكمة الاتحادية لا تقل خطورة وأهمية، إن لم تتفوق على قانون الانتخابات ذاته؛ لأنه في حال لم يحسم قانونها أو نصابها، فلا قيمة من الناحية العملية للانتخابات؛ كونها ستبقى بلا شرعية طبقاً للدستور». ومن ثم، أشار حبيب إلى أن «الجهود خلال الفترة المقبلة يجب أن تنصبّ على استكمال هذه الأمور، بما في ذلك إجراء الانتخابات عبر البطاقة البيومترية كي نضمن نزاهتها ونقطع طرق التزوير».
وفي المقابل، انتقد الدكتور إياد علاوي، زعيم «ائتلاف الوطنية»، قانون الانتخابات، قائلاً إنه «جاء وفق مقاسات بعض الكتل والأحزاب الحاكمة». وتابع في بيان، أن «قانون الانتخابات سيكرّس الطائفية والمحاصصة، وسينتهي بإجراءات واضحة لتقسيم العراق، كما سيعزز الانقسامات التي يشهدها البلد على صعيد السلطات النيابية والقوى المكوّنة للمجلس». وأشار إلى أن «قانون الانتخابات الجديد سيضعف من دور النائب ويعزز المناطقية على حساب مصلحة البلد العليا؛ الأمر الذي سيرتد على الحكومة».

أزمة الرواتب

على صعيد آخر، للمرة الثانية خلال شهرين، يتأخر صرف الرواتب لنحو 6 ملايين موظف ومتقاعد عراقي. وكان السبب المعلن والمخفي هو انعدام السيولة المالية لدى وزارة المالية، وهذا بينما لم يعد رصيد البنك المركزي العراقي قابلاً لمزيد من الاستنزاف. ويأتي هذا الوضع على أثر استنزافه منذ سنوات عبر ما يُسمّى بـ«نافذة بيع العملة» التي تعد إحدى أهم بوابات الفساد في العراق. وفي حين تمكنت وزارة المالية، متأخرة، من صرف الرواتب، مع تقديم الحكومة ما سُمي «الورقة البيضاء» الخاصة بالإصلاح الاقتصادي، فإنها طلبت من البرلمان إقرار «قانون الاقتراض الداخلي» شرطاً لصرف رواتب الشهر الحالي. وفي هذه الأثناء، من المقرّر أن يعقد البرلمان العراقي جلسة حاسمة اليوم (السبت) نشر جدول أعمالها قبل نحو ثلاثة أيام الفقرة الأولى في جدول الأعمال هي التصويت على إقرار هذا «القانون». وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، أعلن أن بمقدور المالية صرف الرواتب لكل الموظفين والمتقاعدين في البلاد خلال هذا الأسبوع بمجرد إقرار «قانون الاقتراض الداخلي»، الذي طلبت بموجبه الحكومة اقتراض نحو 41 ترليون دينار عراقي (ما يعادل 38 مليار دولار أميركي)؛ كي تتمكن من دفع الرواتب لنهاية السنة الحالية، فضلاً عن الالتزامات الأخرى، على أمل البدء بالإصلاحات الاقتصادية المنشودة مع مطلع العام المقبل.
وبالتزامن مع أزمة الرواتب التي بدأت تتأخر على نحو غير مسبوق في تاريخ الدولة العراقية، انطلقت حملة لمحاربة الفساد عبر لجنة مركزية شكلها الكاظمي تمكنت من توقيف عدد كبير من المسؤولين في قطاعات مختلفة، كان آخرهم وكيل وزارة الكهرباء أواخر الأسبوع الماضي. وبينما يأمل العراقيون بتحقيق إصلاحات عبر مكافحة الفساد وتفعيل الاستثمار، فإن الطبقة السياسية العراقية تتبادل كرات الاتهام بشأن مسؤولية كل طرف في مجمل الأزمات التي تمر بها البلاد... ومنها أزمات الداخل وأزمات الخارج.

نهاية الحراك أم تأجيله؟

في سياق متصل، ما كان أحد يتصور أن الحراك الشعبي الذي انطلق في الأول من أكتوبر 2019 يمكن أن يكتب نهايته بنفسه في الذكرى الأولى لانطلاقه.
هذا الحراك الجماهيري دفع ثمنه مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى... وبالتالي، أصبحت له استحقاقات يبحث عنها، في المقدمة منها محاسبة قتلة المتظاهرين.
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأقرب إلى الحراك الشعبي، والذي جاءت حكومته بناءً على ما أحدثه هذا الحراك من متغيّرات، شكّل لجنة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، لكنها لم تعلن نتائجها بعد. ومعلوم أن الحراك رفع الخيَم من ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد، التي فُتحت مع جسر الجمهورية القريب منها بعد سنة على إغلاقها مع الجسر وعدد آخر من الجسور القريبة (السنك والخلاني) التي أغلقت لفترات مختلفة، غير أن قوى الحراك ما زالت من إمكانية الاضطرار إلى العودة إلى الشوارع والساحات ثانية، لكن بوتيرة أخرى... ربما تكون هذه المرة أكثر حسماً. في المقابل، يرى المراقبون والمتابعون، أن الطبقة السياسية العراقية تمكنت من التغلغل داخل الحراك عبر عدد من الأحزاب والقوى. وأنها أسهمت في تفتيت الحراك، مثلما عملت قوى أخرى، أطلقت عليها تسميات مختلفة، في حرف الحراك عن مساره في محافظات الوسط والجنوب بحيث تحولت إلى عمليات تخريب وإحراق مقرات.
المهم أن الأحزاب والقوى السياسية، لا سيما الشيعية منها - بوصفها المستهدفة الأولى بالحراك الجماهيري - تنفست الصعداء جرّاء نهاية الحراك. ولكن في حين يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الإيفاء بوعوده - سواءً للمتظاهرين أو المواطنين - عبر إجراء انتخابات نزيهة في العام المقبل، فإن القوى السياسية ماضية في وضع العراقيل أمام طريقه، وبخاصة، بعدما شعرت أنه بدأ يقترب أكثر من هموم الناس.
ولعل بين أبرز العراقيل التي بدأت توضع أمام رئيس الوزراء ملف العلاقات الخارجية، ولا سيما، العلاقة مع «الجيران» والولايات المتحدة الأميركية. وبما أن ملف العلاقة مع واشنطن يحتل الأولوية الأولى لحكومة الكاظمي، سواء لجهة الوجود الأميركي في العراق أو بناء علاقة متوازنة للمستقبل، فإن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت قبل أيام في الولايات المتحدة أخذت حيزاً واسعاً من اهتمامات العراقيين انطلاقاً من ملف العلاقة الأميركية - الإيرانية المعقّد... الذي بات العراق ساحة له.


مقالات ذات صلة

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

حصاد الأسبوع الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين…

الشيخ محمد (نواكشوط)
حصاد الأسبوع ميرتس

فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

انتظر فريدريش ميرتس 23 سنة قبل تحقيق طموحه بأن يصبح المستشار الألماني؛ إذ كان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي قاد حزبه إلى الفوز بالانتخابات

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع شولتز (رويترز)

ألمانيا: حسابات الداخل والخارج تدفع نحو تسريع التفاهم على الائتلاف الحاكم الجديد

تنتظر ألمانيا أسابيع، أو حتى أشهراً، من المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (المحافظ) بزعامة فريدريش ميرتس الذي فاز بالانتخابات الأخيرة،

«الشرق الأوسط» ( برلين)
حصاد الأسبوع زامير

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

لم يعرف الجيش الإسرائيلي في تاريخه وضعاً أصعب من الوضع الذي يعيشه اليوم، لدى استعداده لاستقبال رئيس أركانه الجديد، إيال زامير. صعب، ليس لأنه يعاني من نقص في الذخيرة والعتاد، ولا لأنه ثبت فشله في تحقيق أي من أهداف الحرب على غزة، بل إن المشكلة الراهنة والاستثنائية هي أنه يفقد مزيداً من ثقة الناس، ويتعرّض في الوقت ذاته إلى حملة تحريض شعواء من الحكومة ورئيسها ووزرائها وجيش «النشطاء» في الشبكات الاجتماعية التابع لحزب «الليكود» الحاكم. هذه المشكلة تُدخل الجنرالات في أجواء توتر دائم وتهزّ ثقتهم بأنفسهم؛ ولذا فبعضهم يحاول إرضاء الحكومة بالنفاق، والبعض الآخر يحاول إرضاءها بتشديد القبضة ضد الفلسطينيين، وثمة فئة ثالثة أفرادها يرفضون فيستقيلون، وآخرون يرفضون ويبقون «دفاعاً عن أهم ركن من أركان الدولة العبرية» معتبرين أن الجيش يعيش موجة عابرة سيستطيع تجاوزها. ومع كل هذا، الجميع يشعرون أنهم في قلب معركة أقسى عليهم من الحرب على ست جبهات، ولا أحد سيخرج منها بلا جروح.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع تعزيز سلاحي الدبابات والمدرعات في مقدم المطالبات الإسرائيلية لتطوير قدرات الجيش (آ ف ب)

رسالة مفتوحة إلى زامير من أكاديمي استيطاني يميني

إحدى الإشارات التي تدل على ما هو مطلوب من رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير، وردت على شكل رسالة مفتوحة وجّهها إليه الدكتور عومر أريخا؛ وهو ناشط يميني.


معالم جيوسياسية لافتة في زيارة مودي المتزامنة إلى فرنسا والولايات المتحدة

ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
TT

معالم جيوسياسية لافتة في زيارة مودي المتزامنة إلى فرنسا والولايات المتحدة

ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)
ترمب يرحب بمودي في البيت الأبيض (آ ب)

لقد أكد الرئيس دونالد ترمب مجدداً، إبان زيارة الزعيم الهندي ناريندرا مودي لواشنطن أنه يعني الأعمال التجارية... حرفياً.

عبارة «أرني المال» قد تكون شعار الولاية الثانية لترمب، وهذا النهج لا يصب بالضرورة في مصلحة الهند. ولأن اقتصادها سريع النمو مع ارتفاع المطالب، فإن الهند في وضع يسمح لها بعرض صفقات على الولايات المتحدة إذا كان لها أن تستفيد من جوانب أخرى.

استقبال مميز

منذ اللحظة التي وصل فيها مودي إلى واشنطن، بدا كل شيء سلساً. وقبل اجتماعه مع الرئيس ترمب، التقى مودي مع إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، الذي حضر رفقة أطفاله الثلاثة. وكذلك التقاه مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، وفيفيك راماسوامي رجل الأعمال الهندي الأميركي المقرّب من ترمب الذي من المقرّر أن يترشح لمنصب حاكم ولاية أوهايو. وزارته أيضاً بعد وقت وجيز من وصوله إلى واشنطن تولسي غابارد، المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية الأميركية، التي تربطها بمودي علاقة وطيدة.

جورح سوروس (آ ب)

المحلل السياسي الهندي إم دي نالابات قال معلقاً: «لدى الرئيس ترمب فهم عميق للحقائق الجيوسياسية، وهي السمة التي يتشاركها مع رئيس الوزراء مودي. فكلا الزعيمين يدرك أن الحرب الباردة الثانية هي معركة وجودية بقدر ما كانت الحرب الباردة في نسختها الأولى. وقد التزم الزعيمان بسياستَي (الهند أولاً) و(الولايات المتحدة أولاً) على التوالي...».

ولفت المحلل إلى أنه «بعد مباحثات الزعيمين الثنائية، استعار مودي شعار ترمب (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى) ليضفي عليه لمسته الخاصة (جعل الهند عظيمة مرة أخرى)... وفي المقابل، لم يكن ترمب ممن يمتنعون عن الإشادة بذلك، بل أعرب عن إعجابه بالمهارات (التفاوضية) التي يتمتع بها مودي... وقال إنه (مفاوض أكثر صرامة مني، إنه مفاوض أفضل مني بكثير. ولا مجال حتى للمنافسة في ذلك)».

وتابع نالابات: «من ناحية ثانية، قال محللون آخرون إن مودي كان ودوداً مع ترمب. لمّح بكل الإشارات والتصريحات الصحيحة، لكنني بصفتي شخصاً درس شخصية مودي وحكمه من كثب، كان واضحاً لي أنه كان محتاطاً لأمره أو ربما حذراً».

فيفيك راماسوامي (رويترز)

وحقاً، من المثير للاهتمام أن ترمب رفض مرتين الإجابة عن أسئلة حول الدور المحتمل للهند في الوساطة من أجل السلام بين روسيا وأوكرانيا، وبدلاً من ذلك أكد على دور الصين. أيضاً عرض التوسط في المناوشات الهندية - الصينية، متجاهلاً حقيقة أن عرضه السابق للتوسط مع باكستان إبان فترة ولايته الأولى لم يلق قبولاً جيداً من قبل الهند.

وحول الصين، قال ترمب في لقاء صحافي عُقد في أعقاب اجتماعه بمودي إنه مستعد للمساعدة إذا أدت مساعدته إلى تخفيف التوتر المزمن بين بكين ونيودلهي. وتابع أن للصين الآن نفوذاً عالمياً، وبإمكانها لعب دور في إنهاء حرب أوكرانيا.

الرسوم الجمركية وترمب

ولكن تحت سطح آيات الإعجاب والثناء المتبادل، كمنت الحقائق الثابتة للتجارة والرسوم الجمركية. فقبل ساعات من اجتماع ترمب بمودي، أعلن ترمب فرضه رسوماً جمركية متبادلة شاملة... وهذه المرة لا تستثني الهند.

وهنا، ذكر الصحافي الهندي أبيشيك دي أن «الاجتماع بين مودي وترمب كان متوقعاً أن يكون ذا أهمية كبيرة من الناحية المرئية. إذ تبع العناق الحار المصافحة الحازمة عندما دخل رئيس الوزراء مودي إلى البيت الأبيض، لكن البرودة كانت ملموسة عقب إعلان الرئيس الأميركي عن الرسوم الجمركية المتبادلة الشاملة. وحقيقة أن درجة حرارة الطقس لم تتجاوز درجة واحدة فقط في العاصمة واشنطن لم تساعد في حل هذه المسألة».

ثم إن ترمب قال في مؤتمر صحافي إن الهند «في صدارة المجموعة» عندما يتعلق الأمر بالرسوم الجمركية. وعلى الرغم من وقوف مودي إلى جانبه، ترمب بأسلوبه الفج الأميل للعداء «أياً كانت الرسوم الهندية، فإننا نفرض رسومنا سواءً بسواء. لذا، وبكل بصراحة، لم يعد ما يفرضونه من رسوم مهماً بالنسبة لنا».

للعلم، الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للهند، ومعها تتمتع الهند بفائض تجاري. ولذا كانت الرسوم الجمركية نقطة خلافية رئيسة، إذ انتقد ترمب مراراً الرسوم الجمركية الهندية «المرتفعة» - ووصفها بأنها «ملك الرسوم الجمركية» - وبالذات الرسوم على السلع الأميركية كالدراجات النارية والمنتجات الزراعية. لكن أحدث ميزانية في الهند شهدت خفض الرسوم الجمركية من 13 في المائة إلى 11 في المائة في محاولة لتجنب أي رسوم يفرضها ترمب. ومع هذا، واصل ترمب الضغط بشدة على الهند لشراء المزيد من الغاز والنفط الأميركي، فضلاً عن المعدات الدفاعية الأميركية.

تحدّي «بريكس» للدولار

من جانب آخر، شن ترمب هجوماً لاذعاً على دول مجموعة «بريكس» قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء الهندي، بسبب محاولات إلغاء الدولار، إذ قال إن «البريكس قد ماتت». واتهم المجموعة بأنها أسست «لغرض سيئ»، زاعماً أنه حذّر دول المجموعة من أنها «ستتعرض لرسوم جمركية بنسبة 100 في المائة... إذا أرادت اللعب بالدولار». ومضى قائلاً: «في اليوم الذي يذكرون أنهم يريدون فعل ذلك، سوف سيعودون ليقولوا: نتوسّل إليكم، إننا نتوسل إليكم!.. لقد ماتت مجموعة البريكس منذ أن ذكرت ذلك».

«مكاسب سياسية» للهند على حساب «جاراتها»

في المقابل، رأى أنيل تريغونايات، السفير الهندي السابق لدى الأردن وليبيا ومالطا، أن «بين ما جاء لمصلحة للهند وقف المساعدات البالغة 20 مليون دولار في إطار عملية (ديمقراطية الظل) الهادفة إلى تصوير الهند على أنها دولة مارقة، جنباً إلى جنب مع نمط مستمر من التدخل في شؤون الهند وتجاهل (مصالحها الاستراتيجية). وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن ترمب يميل إلى الاستثمار في أي من بنغلاديش أو باكستان، وسيكون راضياً إذا تعاملت الهند كما تشاء مع كليهما. وبدا أنه مستعد لتعزيز موقف الهند عبر تصريحات تعتبر باكستان مركزاً للإرهاب بشأن الهجمات عبر الحدود في البيان المشترك، أو قوله: سأترك بنغلاديش لرئيس الوزراء (أي لمودي). ثم إنه مع وجود ترمب في واشنطن، وتجميد التمويل الأجنبي، والتفكيك المستمر للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، جرى تحييد التدخل الأميركي في بنغلاديش إلى حد كبير».

ورأى السفير أن «التزام ترمب بإزالة عناصر (الدولة العميقة)، بمَن فيهم شخصيات مثل جورج سوروس، يمكن أن يخفف من المخاوف (الهندية) وموقفه (أي ترمب) السلبي تجاه محمد يونس، ونظرة مُرشح ترمب لشؤون جنوب آسيا إلى باكستان على أنها دولة خطيرة بصورة استثنائية، مقابل موقف وزير خارجيته الإيجابي من الهند... كلها إجمالاً مكاسب صافية للهند على حساب جاراتها بجنوب آسيا. كما منح ترمب مودي نصراً آخر بالإعلان عن تسليم المطلوب في هجمات 26 نوفمبر (تشرين الثاني) في مومباي».

من جهة أخرى، قالت ليزا كيرتيس، التي كانت جزءاً من إدارة ترمب الأولى، في برنامج حواري على قناة «الهند اليوم»، إن اجتماع مودي وترمب أرسى جدول أعمال الشراكة بين الولايات المتحدة والهند خلال السنوات الأربع المقبلة، وأضافت: «لقد كان اجتماعاً ناجحاً. وكونه حصل حدث في وقت مبكّر للغاية من رئاسة ترمب الثانية يُظهر أهمية الهند بالنسبة للولايات المتحدة. لقد أراد مودي اكتساب قدر من الحصانة من سياسات ترمب الإشكالية في مجال التجارة. لقد كانت زيارة بشعار (مودي يصنع السحر)، لأنه من الصعب للغاية نزع سلاح شخصية مثل ترمب. ومن خلال مشاهدة تفاعلاتهما خلال المؤتمر الصحافي، أعتقد أنه حقق ما اعتزم القيام به».