انتخابات أميركا في صميم اهتمام العراقيين

> هذه هي المرة الأولى التي تحتل فيها الانتخابات الأميركية الرئاسية والتشريعية أولوية لدى العراقيين. وجاءت لتفوق حتى الانتخابات العراقية الدورية كل أربع سنوات، التي كثيراً ما تتعرض بنسب عالية ولا تجري متابعتها من قبل معظم الناس.
وطبقاً لتسلسل الأحداث، فإن الولايات المتحدة احتلت العراق عام 2003 على عهد جورج بوش الابن. وبعد سنة، فاز الأخير بفترة رئاسية ثانية. ثم، في عام 2008 تنافس الجمهوريون والديمقراطيون على البيت الأبيض فحلّ ضيفاً عليه لسنوات ثمانٍ تالية أول رئيس من أصل أفريقي هو باراك أوباما. وبقدر ما كان وصول أوباما «طفرة جينية» في التاريخ الأميركي، فإن السياسات التي رسمها ونفّذها طوال فترة حكمه تركت، ربما لعقود آتية من الزمن، تأثيراتها على العراق والمنطقة العربية. ففي عهد أوباما تحوّل العراق إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات بدت مؤجلة لبعض الوقت بين واشنطن وطهران.
وإذا كان باراك أوباما قد منح إيران كل ما كانت تريد عبر «الاتفاق النووي» معها، فإن القيادة في طهران لم تتنازل حتى اللحظة عن تسمية أميركا «الشيطان الأكبر». غير أن استفادة إيران من سياسات أوباما «الناعمة» اهتزت؛ إذ سرعان ما قلب سلفه الجمهوري دونالد ترمب سياسة واشنطن تجاه طهران رأساً على عقب، بدءاً من تمزيقه «الاتفاق النووي» الذي راهنت طهران عليه ولا تزال تراهن، لجهة إمكانية العودة إليه في حال دخل جو بايدن، نائب أوباما السابق، البيت الأبيض.
بالنسبة لتفكير طهران، قد لا يختلف توقيتها في ترقب الانتخابات ونتائجها عن ترقب بغداد. إذ لا فارق زمنياً أو ربما واقعياً بين توقيتي بغداد وطهران. القاسم المشترك بينهما، حقاً، هو التوقيت الأميركي وحصيلة الانتخابات والدروس المستفادة من الماضي. والقصد هو إما ستبقى إيران تحت وطأة العقوبات في حال ظل ترمب رئيساً، مع ما يمكن أن يتركه ذلك من آثار مختلفة بشأن وجودها ودورها في العراق، أو تتنفس الصعداء في حال فاز بايدن بالبيت الأبيض واستأنف سياسات أوباما. وهذا، مع أن الأخير سيحتاج إلى مائة يوم أولى لتقييم سياسته.
في أي حال، ستنتظر طهران - وحلفاؤها والموالون لها في المنطقة - متغيّرات تحلم أنها ستكون لصالحها.
في العراق، تنقسم المواقف بين من يخشى بقاء البلاد ساحة لتصفية الحسابات بين الأميركيين والإيرانيين، وبين من يرى أن السياسة الأميركية مؤسساتية لن تتغير كثيراً على صعيد الثوابت. ولقد تحدث أكاديميون ومحللون عراقيون لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل العلاقة بين بغداد وواشنطن بعد الانتخابات الأميركية، وكانت لنا معهم هذه الحصيلة:
- الدكتور حسين علاوي، رئيس «مركز أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية» وأستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين، قال إن «الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات، وستبقى استراتيجياتها لأمن القومي الأميركي واحدة ولن تتغير. لكن التغير سيحدث بوسائل استخدام وإدارة المصالح الوطنية الأميركية من قِبل الإدارة الفائزة». وأردف أن «كلا المعسكرين لديهم الخبرة والمنظور الاستراتيجي في إدارة الدولة». وفي حين يرى علاوي أن «المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن عهد دونالد ترمب سجل نمواً مقبولاً، فإن المواطن الأميركي المصوّت يريد مكاسب اقتصادية أكثر ما تكون سياسية». وبشأن ما يمكن أن يفعله الرئيس الفائز، يقول علاوي، إن «الرئيس الفائز ستكون له عقيدة يسعى للبوح بها خلال الـ100 يوم الأولى من عمله، وبالتالي هنا التجارب تشير إلى، هل العقيدة ستستخدم في ميل السياسة (التكتيك والمناورة) أم في اتجاه السياسة الأساسي (الاستراتيجية). ولذلك؛ نشهد ما يقال في الـ100 يوم الأولى قد يكون ميلاً سياسياً أكثر من اتجاه استراتيجي، أم العكس هو الصحيح؟». ويوضح علاوي، أن «مؤسسات الدولة الأميركية، في البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون والخارجية الأميركية ووزارة الخزانة، تحدد المسارات الاستراتيجية ومظلة عمل الاستراتيجية، ولكن يظل الرئيس، وأفكاره وعقائده في تعريف الأصدقاء والحلفاء والأعداء والمارقين، هي الفيصل في تحديد مسارات العمل للحكومة الأميركية ولن تتجاوز المصالح الأميركية قناعات المصوّتين».
- الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي»، قال إنه «بحكم غياب الرؤية والتشظّي الداخلي للطبقة السياسية، وارتهانها أيضاً لمسارات خارجية، يبدو أن الوضع العراقي مرتبك الآن وإلى حين ظهور نتائج الانتخابات... حيث إنه الآن منقسم بين الجمهوريين من جهة والديمقراطيين من جهة أخرى». ويضيف الشمري، أن «عملية الانقسام هذه ستؤثر على توجّهات العراق إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ذلك أن قسماً من الطبقة السياسية ينظر إلى ترمب على أنه أكثر انغماساً في الشأن الداخلي العراقي لجهة الحد من النفوذ الإيراني، بينما ثمة من يرى أن بايدن وفريقه سيكونان أقل تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي». ويبيّن الشمري أن «كلاً من نظرة ترمب أو بايدن إلى العراق هي من خلال المشكلة مع طهران، وهو خطأ كبير. وهذا على الرغم من أن الطبقة السياسية العراقية ساهمت في تعميق مثل هذه النظرة». ثم يؤكد «صعود ترمب مرة أخرى سيلقي بظلاله على القوى الحليفة لإيران، وبالتالي هي الخاسرة الأكبر، في حين أن فوز بايدن يعني أن مساحة المعادلة ستكون بمناصفة النفوذ، مع أن الأمر يبقى رهناً بما يحصل بين واشنطن وطهران». وفي المطلق، يتوقع الشمري «ثباتاً نسبياً في المواقف الأميركية باعتبار أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات. وبالتالي، فإن أي تغيير قد يحصل لن يكون على حساب مصالح الولايات المتحدة... وربما يفاجئ بايدن الجميع (في حال فوزه) ويتخذ قرارات أكثر حدة، لا سيما أنه صاحب مشروع تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث».
- الدكتور فاضل البدراني، أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية، قال «إن انعكاسات الوضع الرئاسي في أميركا، سواءً جاء بايدن رئيساً أو ظل ترمب في موقعه، لن يطرأ عليها تغيير جوهري. وسيبقى العراق يعاني انتكاسات اقتصادية وسياسية وحتى أمنية». وتابع «إن السبب في ذلك يعود إلى أن السياسة الخارجية الأميركية محكومة بالنظام المؤسساتي، الذي لا يجعل السلطات كلها بيد الرئيس وله حرية مطلقة في التعامل مع الملفات المطروحة حسب توجهاته... هذا من حيث الثوابت في السياسات والبرامج الأميركية حيال العراق». ويضيف البدراني، أنه «مع ذلك هناك مؤشرات بأنه في حال فاز بايدن قد يذهب العراق إلى الفيدرالية وتطبيق ما طرحه قبل سنوات، في حين أنه في حال بقاء ترمب في البيت الأبيض فربما نشهد تدخلاً محدوداً يتعلق بمواجهة القوى والأحزاب المعارضة للوجود الأميركي عسكرياً ودبلوماسياً. وقد يعمل لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق».