ترقب لتداعيات العقوبات بحق باسيل على مشاورات الحكومة اللبنانية

TT

ترقب لتداعيات العقوبات بحق باسيل على مشاورات الحكومة اللبنانية

أتى خبر العقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل ليطرح علامات استفهام حول انعكاساته داخليا وتحديدا حول التسوية السياسية التي أدت إلى تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة وفق المبادرة الفرنسية والمعلومات التي تبث بين الحين والآخر عن قرب تأليفها.
وتتباين الآراء حول تأثير هذه العقوبات لا سيما أنها أعادت إلى الذاكرة ما حصل مع السفير مصطفى أديب حيث فرضت عقوبات على الوزيرين السابقين يوسف فنياونوس وعلي حسن خليل خلال محاولته تأليف الحكومة، والتي فشلت بسبب تشدد الفريق الشيعي في مطالبه نتيجة هذه العقوبات، كما فسر على نطاق واسع حينها.
ومع الترقب الذي يسود لبنان لجهة تداعيات هذا القرار، كشف نائب رئيس البرلمان ايلي الفرزلي لـ«الشرق الأوسط» أن العقوبات على باسيل ليست جديدة وكان يعلم بها رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب باسيل وكان يفترض أن تعلن قبل أسبوعين لكن حصلت تدخلات لبنانية أدت إلى تأخيرها، مؤكدا في الوقت عينه «أنه لو عملت الأطراف المعنية على تسهيل التأليف بعد تكليف الحريري لكان ذلك شكل مدخلا لإلغاء هذه العقوبات لكن هذا ما لم يحصل».
أما وقد اتخذ هذا القرار، فيعتقد الفرزلي أنه يفترض أن لا ينعكس على مشروع التسوية السياسية ومن خلفها مسار تشكيل الحكومة، ويقول «في المبدأ لا يجوز لأي شخص أو طرف أن يؤثر على التسوية، إضافة إلى أن باسيل لن يشارك شخصيا في الحكومة ومشاركته في صناعة الواقع السياسي اللبناني، مباشرة أو عبر رئيس الجمهورية، هي أمر قائم وبالتالي يفترض أن لا تؤثر هذه العقوبات على تأليف الحكومة التي لا تزال مشكلتها محلية بين الأفرقاء اللبنانيين بشكل كامل».
وعما إذا كانت العقوبات الأميركية وتوقيتها تهدف إلى استهداف المبادرة الفرنسية خاصةً في ظل المعلومات التي تشير إلى أن واشنطن لم تكن تباركها، لا يؤيد الفرزلي هذه المقاربة، ويقول «المبادرة الفرنسية تمت بالتنسيق مع أميركا وهي كانت تهدف في الوقت عينه إلى إعطاء قوة دفع لمفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل وتأليف الحكومة وبالتالي استقرار البلد».
وفي الإطار نفسه، وعما إذا كانت ستؤثر العقوبات على رئيس «التيار الوطني الحر» على مجريات تأليف الحكومة، قال النائب ياسين جابر في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، في حديث تلفزيوني، إن «باسيل عليه مسؤولية والجميع مجبر على تسهيل تشكيل الحكومة».
في المقابل، تختلف مقاربة المحلل السياسي والأستاذ الجامعي مكرم رباح لتوقيت هذه العقوبات وتداعياتها، رابطا بينها وبين نسف المبادرة الفرنسية. ويقول لـ«الشرق الأوسط» توقيت وإعلان العقوبات على باسيل قبل خروج فريق عمل الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الخارجية يؤكد أن التسوية السياسية اللبنانية لا تعني الطرف الأميركي الذي جاء قراره ليستهدف رئيس «الوطني الحر»، أحد أبرز حلفاء «حزب الله» حليف إيران في لبنان، وبالتالي هي رسالة واضحة أنه ليس هناك من تسوية من دون استعادة لبنان لسيادته».
من هنا يعتبر رباح أن تبعات هذه العقوبات ستكون كبيرة لكونها لن تقتصر على باسيل وهي ستطال جميع الأطراف الذين يدورون في فلك «حزب الله» إن كان وزراء «الوطني الحر» أو «تيار المردة» وبالتالي هناك خوف من تشكيل الحكومة الآن قبل معرفة مدى هذه العقوبات ومن هي الشخصيات السياسية التي ستطالها في المرحلة المقبلة.
ومع إشارته إلى أن هذه العقوبات تؤكد أن الطرف الأميركي لا يميز من الجناح العسكري والسياسي لـ«حزب الله»، يذكر رباح بما سبق أن أعلنته الإدارة الأميركية بأنها غير معنية بتشكيل الحكومة إذا كان حزب الله موجوداً على طاولتها.
وعلى خط «الوطني الحر» فقد ساد الترقب ورفضت أوساطه التعليق، فيما صدر تعليق من الوزير السابق غسان عطالله معتبرا أنها تهدف إلى الضغط عليه (باسيل) لتقديم تسهيلات في مفاوضات ترسيم الحدود رافضا في الوقت عينه تغيير علاقات تياره بـ«حزب الله». وكتب على حسابه على تويتر «نسمع عن عقوبات ممكنة على الوزير باسيل، ولكن إذا كنتم تعتقدون أنه بالعقوبات سنقدم تنازلات عن ثروة بلادنا أو عن شبر أرض وعن قناعتنا بمد اليد لأي مكون من المكونات اللبنانية فيعني ذلك أنكم لا تعرفوننا جيدا»، مضيفا «نحن من مدرسة يستطيع العالم أن يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.