فيلم «أسرار مقبرة سقارة» يجتذب مشاهدي «نتفليكس» حول العالم

يوثق يوميات تنقيب «أحفاد الفراعنة» عن الآثار بشكل إنساني

مدخل المقبرة
مدخل المقبرة
TT

فيلم «أسرار مقبرة سقارة» يجتذب مشاهدي «نتفليكس» حول العالم

مدخل المقبرة
مدخل المقبرة

رغم تصنيفه فيلماً وثائقياً، فإن فيلم «أسرار مقبرة سقارة» الذي بدأ عرضه قبل أيام على منصة «نتفليكس» استطاع أن يُنافس المحتوى الدرامي الواسع الذي تزخر به تلك المنصة الترفيهية العالمية، حيث وصل إلى قائمة الأفلام الأعلى مشاهدة منذ بداية عرضه، وهو يتناول قصة اكتشاف مقبرة سقارة التي تصدرت عناوين الأخبار العالمية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، بصفتها مقبرة استثنائية لم تُمس ولم تُفتح منذ 4400 عام.
عامل الإبهار الذي يتكئ عليه الفيلم، وهو من إخراج المخرج الإنجليزي جيمس توفيل، ليس فقط في إعادة قصة هذا الكشف الأثري العملاق لبؤرة الضوء، ولكن لأن تصوير الفيلم كان يتم خلال يوميات التنقيب نفسها، عبر معايشة حيّة لكل مفاجآت الكشف لحظة وقوعها دون إضافات تمثيلية، فأبطاله الحقيقيون هم فريق الكشف الأثري المصري الذين تتبع الفيلم تحدياتهم وانفعالاتهم التي كانت ترافق كل لحظة في هذا الكشف الأثري، إلى أن تم اكتشاف المقبرة بالكامل التي تعود للكاهن واح تي الذي كان يعمل الكاهن المطهر المشرف على قصر الإله الملكي في عهد الأسرة الخامسة، وتعد مقبرته واحدة من أضخم الكشوف الأثرية منذ عقود. ويبدأ الفيلم منذ قيامهم بالتنقيب عن الممرات والأعمدة في منطقة جبانة «بوباستيون» بمنطقة سقارة بمحافظة الجيزة بمصر.
«قصة قديمة تعود للحياة من تحت رمال الصحراء غرب القاهرة» هذه إحدى الجمل التي تأتي على لسان أحد العاملين ضمن فريق البعثة الأثرية المصرية التي يسلط عليها الفيلم الضوء، متتبعاً تحديات التنقيب عن المقبرة، ومفاجآتها المستمرة أو «ألغازها»، على حد تعبيرهم. وبالبحث والتنقيب، وُجد أفراد أسرته بالكامل مدفونين بها، بما فيهم أطفاله. وبين محاولة ترجمة النقوش الهيروغليفية على جدران المقبرة وتحليل العظام والجماجم التي وُجدت أسفل آبار المقبرة، كانت ثمة محاولات لاقتناص آثار القصة المفقودة، أو البحث وراء أسئلة من عينة «من هو واح تي؟»، و«ماذا حل بأسرته وأطفاله؟». هكذا، يتشعب الفيلم الوثائقي لفروع لا يمكن تفادي مشاعرها الدرامية والتشويقية على مدار مدته التي قاربت الساعتين من الزمن.
«كل عظمة وراءها قصة، ليست فقط قصة عن الموت، وإنما قصص مثيرة عن حيواتهم: هل كانوا أصحاء؟ هل كانوا سعداء؟».. تأملات جاءت على لسان الدكتورة أميرة شاهين، أستاذة الأمراض الروماتيزمية بكلية طب القصر العيني إحدى أفراد البعثة الأثرية المصرية، التي كانت مهمتها تتلخص في فحص العظام التي عُثر عليها في المقبرة، والتي تعود لأكثر من 4 آلاف عام، لمحاولة التوصل لأي براهين حول صاحب المقبرة وقصة عائلته.
تقول الدكتورة أميرة شاهين، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن مهمتها بدأت بعد الكشف عن المقبرة بالفعل، وعثور الفريق بها على عظام متفرقة. وبالفحص، وجدت أن جانب من تلك العظام يعود لأطفال وسيدتين من عمرين مختلفين، وهو ما رُجح أن تكون عظام زوجته ووالدته وأطفاله الأربعة، وقد «كانت الحالة الجيدة للمقبرة تسمح بأن تكون العظام في حالة يمكن رصد وتحليل علامات ما قبل الوفاة عليها»، على حد تعبيرها.
ولعل ما يضاعف القيمة الأثرية للمقبرة أن تحليل العظام أشار إلى علامات تُرجح إصابة الكاهن واح تي وأسرته بمرض الأنيميا، ورُجح إصابتهم بفقر الدم في فترات متقاربة إلى احتمالية إصابتهم بالملاريا، إذ «عادة ما تترك الأمراض بصماتها على العظام، وما يرجح مسألة الملاريا هنا اقتراب توقيتات وفاة أفراد تلك الأسرة، وموتهم بشكل سريع».. تقول الدكتورة أميرة وأبرز القائمين على الفيلم هذا الترجيح العلمي، في ضوء أنه «إذا صح هذا التشخيص، فإنها ستكون أول حالة إصابة بالملاريا مُوثقة في التاريخ منذ أكثر من ألف عام»، علاوة على كشف آخر قيّم أسفرت عنه المقبرة، وهو العثور على شبل مُحنط داخل جبانة الحيوانات بها، جرى التأكد من أنه أول أسد مُحنط في التاريخ.
ويركز الفيلم على الصعاب التي تواجه العاملين في مجال البعثة الأثرية في منطقة سقارة، والتقاطعات الإنسانية التي تجعلهم يشعرون بالتواصل الدائم مع أجدادهم من المصريين القدماء، وتلك التفاصيل التي تجعلهم يشاهدون حياتهم وكأنها نسخة أخرى من حياة المصري القديم، لا سيما الزراعة والحصاد، واستخدام بعض الأدوات حتى اليوم كالإزميل والأقفاص المصنوعة من الخوص، وغيرها من الملامح اليومية، علاوة على تلك السعادة الجمة التي تغمر جميع الفريق عند الوصول لأي خيط جديد للوصول لمزيد من الحكايات المدفونة تحت أعماق الرمال، بصفتها حكايات تخصهم.
ولعل هذا «التواصل» الذي يسعى الفيلم لبنائه بين المصريين القدماء و«الأحفاد» من أفراد الفريق الأثري قد ظهر في المشاهد الختامية للفيلم، كما جاء على لسان أحد أفراد الفريق، بقوله: «جعلنا واح تي مشهوراً بعد 4400 سنة، لو جاء اليوم لعالمنا لشكرنا على ما قد فعلنا باكتشاف مقبرته، ونحن نشكره لأننا لو لم نكن وجدناه لكان عملنا قد نُسي سريعاً».


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)