سوريا المريضة والدواء الأميركي ـ الروسي

جنود روس قبل انضمامهم إلى جنود أتراك لتسيير دورية مشتركة في شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
جنود روس قبل انضمامهم إلى جنود أتراك لتسيير دورية مشتركة في شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

سوريا المريضة والدواء الأميركي ـ الروسي

جنود روس قبل انضمامهم إلى جنود أتراك لتسيير دورية مشتركة في شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
جنود روس قبل انضمامهم إلى جنود أتراك لتسيير دورية مشتركة في شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)

«خطوط التماس» بين مناطق النفوذ الثلاث في سوريا، قد تشهد بعض المناوشات، دون أن تؤدي إلى تغييرات كبرى. القلق الغربي ليس على هذه «الحدود»؛ بل من انهيارات وفوضى وأزمات اقتصادية في أعماق هذه المناطق الثلاث. أي إن سوريا المقسمة، قد لا تستطيع انتظار انحسار غيوم المرحلة الانتقالية في واشنطن وعقد صفقة أميركية - روسية.
لأول مرة منذ بداية 2011 لم يجر تغيير جوهري في «الحدود» بين المناطق السورية الثلاث... ثابتة في شمال شرقي سوريا، بفضل الاتفاقات الأميركية - الروسية - التركية التي أبرمت في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. صامدة رغم هشاشتها في شمال غربي البلاد، جراء التفاهمات بين أنقرة وموسكو في بداية مارس (آذار) الماضي. التحرشات والاحتكاكات والتعزيزات والدوريات، لم تؤد إلى اختراقات كبرى.
هناك اعتقاد سائد أن الأسابيع المقبلة قد تشهد اختبارات وغارات وزيارات لهذه «الحدود». يريد اللاعبون الإفادة من انشغال أميركا بترتيب بيتها الداخلي لفرض وقائع على الأرض السورية. دمشق تريد التقدم من شمال حماة نحو جنوب إدلب وطريق حلب - اللاذقية. أنقرة تريد التوغل وتمديد منطقة «نبع السلام» شرق الفرات. قد تحصل مقايضة جديدة برعاية روسية: جنوب طريق حلب - اللاذقية لدمشق، مقابل إرضاء أنقرة في منبج وتل رفعت في ريف حلب أو «نبع السلام».
يستند بعض هذا التحليل إلى قناعة الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، بأن جو بايدن سيكون أصعب في التعامل من الرئيس دونالد ترمب في ساحات عدة؛ بينها سوريا.
يقابل هذا السيناريو، تحليل آخر، على أساس أن الرئيسين بوتين وإردوغان، لا يريدان استقبال «سيد البيت الأبيض» بساحات متوترة. الإشارات غير مطمئنة ولا داعي لتعقيدها. لذلك، هناك ترجيح لفكرة حصول مناوشات على «خطوط التماس» من دون تفجيرها. هذا لا ينهي القلق. يأخذه إلى مكان آخر. هناك رأي أميركي بأن «حملة الضغط الأقصى» على دمشق؛ التي تتضمن أدواتها عقوبات «قانون قيصر» والعزلة السياسية والإهمال الاقتصادي والوجود العسكري والغارات الإسرائيلية، ستدفع بها في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات سياسية داخلية وجيو - سياسية. وهناك رأي أوروبي بأن «الضغوط القصوى» لن تدفع بدمشق إلى تنازلات، بل ربما تؤدي إلى انهيارات في مناطق الحكومة من دون تنازلات. أحد المعنيين يرى أمثلة حية لذلك في الفوضى والاغتيالات في جنوب سوريا، والأزمة الاقتصادية والمعيشية في دمشق.
عليه؛ هناك من يقدم وصفة مختلطة: تحقيق توازن بين الضغوط والنوافذ لتحقيق المصالح الكبرى للاعبين الدوليين، وهي: منع تدفق المهاجرين والإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي ومعالجة جذور الأزمة السياسية السورية ومنابع القلق الدولي المتعلقة بالسلاح الكيماوي ومعايير القانون الدولي. ماذا يعني هذا؟ تصميم السياسة الغربية تجاه سوريا، بحيث تكون مؤلمة لموسكو كي تدفع بها باتجاه اتخاذ قرارات مؤلمة. إلى الآن، موسكو حذرة في ممارسة أقصى الضغوط على دمشق خشية من «انهيار الدولة».
لذلك هناك دعوة غربية لتنسيق برمجة الضغوط والعزلة بطريقة تكون كافية لتغيير حسابات بوتين في سوريا. على الأقل؛ هذا ما يعتقده مسؤولون أوروبيون تدارسوا الملف السوري والانتخابات الأميركية في الأيام الماضية.
في حال فاز بايدن بالرئاسة، يُعتقد أن يستثمر أكثر في العملية السياسية السورية، وأن يضغط أكثر على تركيا، ويفاوض بعمق روسيا وإيران، وأن يترك الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات في حالة استقرار مع قليل جداً من التقلبات التي وضعه ترمب فيها سابقاً. أي أن يكون مستعداً لاستثمار أدوات الضغط الموجودة لديه (عقوبات «قانون قيصر» والوجود العسكري وإغراء التطبيع). الرهان؛ أن تدخل واشنطن وموسكو في مفاوضات لعقد صفقة سورية تتضمن تغييرات سياسية وتنازلات تخص وجود إيران.
هذا يعني أيضاً ترك العملية السياسية والإصلاح الدستوري في «مسار جنيف» على قيد الحياة رغم كل الملاحظات الأميركية والأوروبية على أدائها. كي تكون جنيف منصة شرعنة الصفقة الدولية بتواقيع سورية. هذا يعني أميركا أيضاً، وأد مبادرات روسية لتغيير الوقائع وإحداث اختراقات سياسية عبر ضمان مقاطعة عربية وأوروبية وأممية لمؤتمر اللاجئين السوريين المقرر في دمشق يومي 11 و12 من الشهر الحالي، واستمرار الضغط على دول أوروبية وعربية لعدم التطبيع مع دمشق والتزام تركها في «صندوق العزلة»... كي لا تحقق موسكو اختراقات تفاوضية سابقة لأوانها.
بين التأهب الأميركي والتريث الروسي، ينبت قلق أوروبي من ثلاثة أمور: الأول؛ أن تكون سوريا لم تعد قادرة على انتظار مواعيد صفقة أميركية - روسية بحيث تتدحرج انهيارات مفاجئة للاعبين. الثاني؛ أن يكون لم يعد ممكناً تجاهل عمق التوغل والتدخل الإقليمي؛ الإيراني والتركي والإسرائيلي. الثالث؛ أن تكون سوريا المريضة وصلت إلى نقطة اللارجعة، حيث لم يعد يفيدها أي دواء، حتى لو كان مراً، يصفه الكرملين والبيت الأبيض، وفق مبدأ «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).