الانتخابات الأميركية تسرق العراقيين من همّ تأخير الرواتب

TT

الانتخابات الأميركية تسرق العراقيين من همّ تأخير الرواتب

بينما دخل نحو 6 ملايين موظف ومتقاعد في العراق يومهم الخامس من الشهر الحالي دون أن يلوح في الأفق حل لأزمة الرواتب، فإن اللافت أن الجدل الذي احتدم في أوساط العراقيين حتى على المستوى الشعبي بشأن الانتخابات الأميركية، سرقهم مؤقتاً من الهم الأول المسيطر عليهم، وهو هم الراتب.
ومثلما أن المواطن الأميركي سوف تتحدد خياراته بشأن الميل إلى أي من المرشحين: الجمهوري (دونالد ترمب) أو الديمقراطي (جو بايدن) انطلاقاً من همومه وخياراته الشخصية، دون أن يعبأ إلى حد كبير بالسياسة الخارجية التي تحتل لديهم آخر سلم الأولويات، فإن العراقيين وجدوا أنفسهم في حالة انقسام شديد بين مؤيد للجمهوريين ومؤيد للمعسكر الديمقراطي.
الأسباب التي تقف وراء ذلك تعود إلى الانقسام داخل الطبقة السياسية العراقية حيال الملفات الداخلية والخارجية. الاستقطاب الحاد الذي خلقته السياسة الأميركية حيال الموقف من إيران انعكس على الداخل العراقي بشكل حاد وغير مسبوق. وقد تجلى ذلك سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي اشتعلت منذ مساء الثلاثاء بتوقيت بغداد، عند بدء التصويت من قبل الأميركيين، أو النقاشات داخل الصالونات السياسية أو المقاهي حتى الشعبية منها.
المبررات التي ينطلق منها العراقيون بشأن تحديد موقفهم من سباق الانتخابات، تتمثل في الموقف من السياسة التي مثلها الجمهوريون؛ خصوصاً على صعيد الصراع مع إيران، وما ترتب عليه من استقطاب طائفي داخل العراق، وكانت الدعوة إلى انسحاب الأميركيين من العراق التي تتبناها الكتل السياسية الشيعية، مقابل موقف رافض من الكرد والسُّنة، هي إحدى مفردات هذا الاستقطاب.
فالأحزاب الشيعية ترى أن بقاء ترمب في البيت الأبيض 4 سنوات أخرى يعني مزيداً من التصعيد ضد إيران، وبالتالي يعني مزيداً من الإحراج بالنسبة لهم، أو على الأقل لبعض القوى والأحزاب التي لا تميل إلى هذا التصعيد الذي يمكن أن تستغله الفصائل المسلحة التي تملك ما بات يسمى «السلاح خارج سيطرة الدولة».
هذا السلاح غالباً ما استُخدم في إحراج السلطة السياسية التي يقودها الشيعة، وذلك من خلال القصف المستمر للسفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء وسط بغداد، وجعل واشنطن تهدد بغلق سفارتها في بغداد. في مقابل ذلك فإن الكرد والعرب السُّنة لديهم منظور مختلف للتعامل مع الإدارة الأميركية المقبلة؛ سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.
وبينما يبدو الموقفان السني والكردي موحدين حيال الانسحاب الأميركي من العراق، بتأييدهم الواضح لبقاء الأميركيين، وبقاء القاعدتين الرئيسيتين في العراق، وهما في محافظة الأنبار (قاعدة عين الأسد) وفي محافظة أربيل بإقليم كردستان (قاعدة حرير)، وموقفهما الذي كان غير متطابق في الماضي مع موقف بايدن حيال العراق الموحد، فإنهما الآن في خندق واحد حيال الفيدرالية.
فالمعروف عن بايدن أنه صاحب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم (شيعية وسنية وكردية)، وهو ما يرفضه الشيعة حالياً بينما يقبل به الكرد تماماً والسُّنة إلى حد بعيد؛ لكنه في الوقت الذي يبدو فيه موقف بايدن منسجماً مع الطروحات التي تقوم بها عديد من الأطراف السنية لإقامة الإقليم السني، فإنهم يرون من جانب آخر أن بايدن في حال فاز بالانتخابات سيكون مهادناً لإيران، وهو ما لا يتمناه العرب السُّنة.
في الوقت نفسه، فإن الشيعة الذين يرون أن وصول بايدن سيعني نهاية حقبة التصعيد مع إيران؛ ليسوا مطمئنين لنيات بايدن حيال إمكانية إعادة طرح موضوع تقسيم العراق. المخاوف الشيعية من تقسيم العراق على أسس فيدرالية - وهو ما يتضمنه الدستور العراقي - باتت تذهب بعيداً باتجاه إمكانية انفصال الأنبار عن العراق، وإقامة دولة بديلة هناك كجزء من «صفقة القرن»؛ مثلما يروج لذلك بعض القيادات والسياسيين الشيعة.
السياسيون السُّنة يعلنون رفضهم لمثل هذه الطروحات، ويبررون توجههم نحو الأقاليم طبقاً للدستور العراقي بسبب سياسات التفرد التي يتهمون الأحزاب الشيعية بممارستها، وعدم تحقيق التوازن المطلوب في مؤسسات الدولة.



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.