كيف غيّر ترمب العالم في أربع سنوات من الرئاسة؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصافح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصافح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (أ.ب)
TT

كيف غيّر ترمب العالم في أربع سنوات من الرئاسة؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصافح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصافح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (أ.ب)

كان ميت رومني، أحد المنافسين الجمهوريين لدونالد ترمب، هو الذي حذر حزبه قبل أربع سنوات من أنه في ظل رئاسة الأخير «لن تكون أميركا مشرقة». ونما التنبؤ من القلق بشأن شخصية ترمب، حيث لم يُعرف في ذلك الوقت سوى القليل من تطلعاته في السياسة الخارجية، وفقاً لصحيفة «التايمز».
وفي السنوات الأربع من إدارة ترمب، تعرضت التحالفات القديمة لضغوط شديدة، فبعد نهج المعاملات الذي اتبعه ترمب في الشؤون الخارجية، من الصعب تخيل وجود مشروع مارشال آخر، والذي فتح حقبة السلام الأميركي. ومن المغري رؤية الموقف العالمي لـ«أميركا أولاً» بوصفه تعصباً من ترمب لبلاده، فإن الانعزالية لها تاريخ طويل في أميركا وكانت موقف البلاد قبل الحرب العالمية الثانية، وقد يُثبت ترمب أنه شخصية انتقالية إلى حقبة جديدة.
ولا توجد حروب جديدة في إرث ترمب. ربما تكون التوترات التي تفاقمت مع إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي وتراكم العقوبات هي الأقرب، إلى جانب التوترات المتزايدة مع الصين والتي قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية، ويأتي الكثير من إرثه من النهج الذي حذّر منه رومني، بدلاً من خياراته السياسية المحددة.
ولم يعد لدى الحلفاء القدامى نفس الثقة في الاتساق الأميركي، ويبقى أن نرى ما إذا كان ستتم إعادة بناء تلك التحالفات. وأدى صعود الصين إلى تغيير الديناميكيات الأساسية بطرق من شأنها توجيه مسار العلاقات الدولية لسنوات قادمة، وقد يكون ترمب أكثر مسؤولية من أي زعيم عالمي آخر في تسليط الضوء على التحدي الذي أصبحت تمثله الصين. كما أن خيارات ترمب الأخرى، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قد لا يتم التراجع عنها أبداً. وعلى الرغم من أنه لم يقْدم على أي خطوة بشأن التهديدات بالانسحاب من الناتو، فإن التعبير عنها ببساطة أجبر أوروبا على التفكير بشكل مختلف حول أفضل السبل لضمان أمنها في عصر لم تعد فيه الثقة في أميركا مطلقة، وفقاً للتقرير.
وغالباً ما تضعه مواقفه على خلاف مع حلفاء مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحلف الناتو وروسيا والعلاقة عبر الأطلسي.
وأوضح ترمب منذ بداية حملته عام 2016 أنه رأى تركيز الناتو على الأمن الأوروبي «مهمة عفا عليها الزمن». لقد أثار قلق حلفاء الناتو من خلال التلميح إلى الانسحاب من الحلف والسعي إلى اتفاق جديد مع روسيا. ونجح الضغط في إجبار بعض الدول الأوروبية على زيادة إنفاقها الدفاعي. وتعهده بسحب 12 ألف جندي أميركي من ألمانيا بعد اتهام برلين بـ«التخلف» عن الإنفاق الدفاعي، ما جعل القارة الأوروبية تدرك أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد بشدة على أميركا من أجل أمنها. سيبقى هذا الدرس ثابتاً، فقد تأججت مواقف ترمب تجاه الناتو جزئياً بسبب علاقته الجيدة مع موسكو والرئيس فلاديمير بوتين ورغبته في تقويض العلاقة مع الصين، التي عدّها تهديداً استراتيجياً أكبر.

* الشرق الأوسط
لقد أسعدت تحركات ترمب في الشرق الأوسط الإسرائيليين وأغضبت الفلسطينيين. وأنهى ترمب المساعدات المالية الأميركية للفلسطينيين واعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى هناك. يبدو أنه من غير المعقول أن يتمكن رئيس أميركي آخر من إبعادها، كما يبدو من المرجح أن تصبح الجوانب الأخرى لسياسة ترمب في الشرق الأوسط دائمة. كما أسهم ترمب في تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
كما أن قرار ترمب التخلي عن اتفاق الرئيس السابق باراك أوباما النووي مع إيران أعاد الولايات المتحدة إلى مسار المواجهة. وادّعى أنه يريد إبرام اتفاق نووي جديد أفضل مع إيران، لكنّ حملة عقوبات «الضغط الأقصى» التي فرضها، والتي دمّرت اقتصاد طهران، لم تضعها على طاولة المفاوضات.
وأذهل قرار ترمب قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، المنطقة. وتعهدت طهران بالرد، لكنها لم تفعل. وأغلقت الضربة، إلى جانب العقوبات، المجال أمام أي حل دبلوماسي مع الولايات المتحدة. وقال المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، إنه سيسعى إلى الانضمام إلى الاتفاق النووي، لكنّ المفاوضات ستكون صعبة.

* كوريا الشمالية
قال أوباما لترمب قبل انتهاء فترة ولايته، إنه من المحتمل أن تكون كوريا الشمالية قادرة على ضرب الولايات المتحدة القارية، وعلى الرغم من القمم والتفاخر بصداقة ترمب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لم يتغير الكثير في هذا المسار. واصل كيم إجراء التجارب النووية وإطلاق الصواريخ، ولم يتمكن ترمب من الوصول لأي إجراء متعدد الأطراف في الأمم المتحدة. وتواصل كوريا الشمالية العمل بشكل غير قانوني. وعلى الرغم من ذلك، أعلن الرئيس أنه «لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية».

* الصين
اتخذ ترمب موقفاً متشدداً بشأن التجارة مع الصين. وربما يُذكر ترمب على أنه الرئيس الذي أشرف على بداية حرب باردة جديدة بين أميركا والصين. وأن الكثير من ذلك لا يرجع إلى أي شيء اختار أن يفعله، بل إلى قوة بكين المتزايدة، وهو الخطر الذي ربما كان الرئيس أسرع في التصدي له من قادة العالم الآخرين.
وأصبح لدى واشنطن مخاوف بشأن ممارسات الصين التجارية غير العادلة وتوسيع نفوذها. كان من المفترض أن تنضم الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ للمساعدة في مواجهة استخدام الصين للأدوات الاقتصادية للأغراض الجيوسياسية في المنطقة، لكنّ ترمب انسحب منها واصفاً ذلك بـ«الاحتيال التجاري العملاق». وتتسابق بكين الآن لتسجيل جيرانها في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المنافسة، مما يؤدي إلى إنشاء أكبر كتلة تجارية في العالم. كما انسحب ترمب بشكل تدريجي من مؤسسة دولية واحدة تلو الأخرى، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية. وفتح مساحة لنفوذ صيني أكبر وإرسال رسالة مفادها أن النظام الدولي القائم على القواعد ربما لم يعد يحظى بدعم أحد مهندسيه الأصليين.


مقالات ذات صلة

رئيس مجلس النواب الأميركي: العاصفة الثلجية لن تمنعنا من التصديق على انتخاب ترمب

الولايات المتحدة​ رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (أ.ف.ب)

رئيس مجلس النواب الأميركي: العاصفة الثلجية لن تمنعنا من التصديق على انتخاب ترمب

قال رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، إن عاصفة شتوية ضخمة تجتاح الولايات المتحدة لن تمنع الكونغرس من الاجتماع للتصديق رسمياً على انتخاب ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توتراً متصاعداً بعد «اختراق صيني» مزعوم لوزارة الخزانة الأميركية (رويترز)

واشنطن وبكين تتبادلان فرض العقوبات قبيل تنصيب ترمب

أدت سلسلة من الاختراقات الإلكترونية الأخيرة المنسوبة إلى قراصنة صينيين إلى زيادة حدة التوتر بين واشنطن وبكين.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد دالي وكوغلر أثناء حضورهما المؤتمر السنوي للجمعية الاقتصادية الأميركية في سان فرانسيسكو (رويترز)

مسؤولتان في «الفيدرالي»: معركة التضخم لم تنته بعد

قالت اثنتان من صانعي السياسة في «الاحتياطي الفيدرالي» إنهما يشعران بأن مهمة البنك المركزي الأميركي في ترويض التضخم لم تنتهِ بعد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري يأتي لقاء ميلوني وترمب قبل أيام من زيارة بايدة إلى روما (رويترز)

تحليل إخباري قضية إيطالية محتجزة لدى طهران على طاولة مباحثات ميلوني وترمب

ظهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السبت، برفقة رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي كانت تزور منتجعه في مارالاغو بولاية فلوريدا الأميركية.

شوقي الريّس (روما)
الولايات المتحدة​ ترمب وماسك بتكساس في 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

كيف تثير تدخلات ترمب وماسك تحدياً دبلوماسياً جديداً؟

سلَّطت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الضوءَ على العلاقة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والملياردير إليون ماسك، وتأثيرها في العلاقات الخارجية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ترمب... رئيس لولاية واحدة يترك بلاداً تعيش حالة من الشك والغضب

الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب (أ.ب)
TT

ترمب... رئيس لولاية واحدة يترك بلاداً تعيش حالة من الشك والغضب

الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب (أ.ب)

كان دونالد ترمب يحلم «بأربع سنوات إضافية رائعة في البيت الأبيض» إلا أنه يغادره معزولاً بعدما تخلى عنه جزء كبير من معسكره إثر إجراءات عزل ثانية في حقه مرتبطة باقتحام الكونغرس، ووسط فوضى وغضب وانقسامات غير مسبوقة.
ويترك ترمب الذي أبرز حكمه انقسامات المجتمع الأميركي وزاد من حدتها، بلداً مجروحاً يعتريه الشك والغضب. وقد تلطخت صورة هذا البلد بشكل مستدام في العالم جراء ما حصل في الكونغرس.
وكتب ترمب (74 عاماً) من خلال الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة، فصلاً استثنائياً من تاريخ الولايات المتحدة، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وعلى مدى أربعة أعوام شهد الأميركيون بحماسة أو ذهول أو خوف أحياناً، عرضاً غير مسبوق لرئيس وصل إلى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.
لكن للمفارقة سيبقى الرجل المهووس بالأرقام الذي يصنف الناس على أنهم «فاشلون» و«راجحون»، خلافاً لأسلافه الثلاثة المباشرين (باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون) رئيساً لولاية واحدة.
وأبرزت ولايته هذه هشاشة الديمقراطية الأميركية، فضلاً عن صلابتها أمام رئيس يرفض الإقرار بنتيجة صناديق الاقتراع ويلوح بفرضيات المؤامرة على أنها حجج قانونية.
فمشاهد مناصريه وهم يهاجمون عرين الديمقراطية الأميركية ملوحين بأعلام ترمب وأعلام الولايات الكونفدرالية وتاركين على الجدران رسوم غرافيتي تدعو إلى قتل الصحافيين، ستبقى بصمة لا تُمحى لمروره في البيت الأبيض.
وقال البرلماني الديمقراطي خواكين كاسترو خلال مناقشات في مجلس النواب لتوجيه الاتهام إلى الرئيس المنتهية ولايته: «دونالد ترمب هو أخطر رجل دخل المكتب البيضوي»، ومكتب الرئيس في البيت الأبيض.
وقد حاول الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة إعادة رسم حدود الديمقراطية الأميركيةم ما دفع البعض إلى الحديث عن محاولة انقلاب فعلية. وتحدثت الدبلوماسية فيونا هيل التي كانت لفترة ضمن فريقه للأمن القومي عن «محاولة انقلاب ذاتية» شُنت «ببطء» و«في وضح النهار».
واضطلع الجيش والشرطة والمسؤولون المنتخبون المحليون ووسائل الإعلام بدورهم وشكلوا رادعاً لذلك. وتؤكد هيل أن «النبأ السار هو أن هذا الانقلاب الذاتي فشل، أما النبأ غير السار فهو أن أنصاره لا يزالون يؤكدون الكذبة الكبيرة بأنه فاز بالانتخابات».
وفجر ترمب أكبر مفاجأة في التاريخ السياسي الحديث وعرف كيف يتوجه إلى أميركيين شعروا بأنهم «منسيون» لكنه رفض على الدوام أداء دور شخص يوّحد الشعب الأميركي.
وركزت جائحة «كوفيد - 19» التي أسفرت عن نحو 400 ألف وفاة في الولايات المتحدة أكثر من أي مرحلة أخرى، الضوء على هذا الموقف. فقد سخر ترمب من وضع الكمامة وانتقد ذلك مرات عدة. كما هاجم الطبيب أنطوني فاوتشي مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية وعضو خلية مكافحة فيروس «كورونا»، الذي عمل مع خمسة رؤساء سابقين ويُعتبر عموماً صوت الضمير العلمي في البلاد.
وقلل الملياردير الجمهوري من شأن التهديد الصحي مقدماً نفسه على أنه بطل خارق مثل «سوبرمان». وحتى بعد إصابته بالوباء، فوت الفرصة التي أتيحت له لإبداء بعض التعاطف مع المصابين.
ويجدر القول إن البلاد لم تشهد الانهيار الاقتصادي الذي توقعه البعض في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 يوم انتخابه المفاجئ، لا بل بقيت مؤشرات عدة وفي مقدمها مؤشر العمل عند مستويات مشرقة قبل آثار الجائحة المدمرة.
لكن في رئاسة شهدت عدة فضائح وتتناقض تماماً مع رئاسة باراك أوباما، ألحق ترمب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، الضرر بهذا المنصب وهاجم قضاة ومسؤولين منتخبين وموظفين رسميين وصبّ الزيت على نار التوتر العرقي.
وفي الخارج عامل حلفاء الولايات المتحدة بخشونة وأبدى إعجابه بقادة سلطويين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأوقف بشكل مفاجئ جهود مكافحة التغير المناخي.
ترمب المتبجح والمتلاعب الذي يستخدم بحسب تعبير الكاتب فيليب روث «مجموعة مفردات لا تتجاوز 77 كلمة»، أفقد معجبيه ومنتقديه على حد سواء الشعور بمعنى الأمور. وقال في أحد الأيام: «العرض يحمل عنوان (ترمب) والبطاقات تنفد دائماً... استمتع بذلك وسأستمر في الاستمتاع».
ونجح الملياردير الأميركي الذي يتميز بأداء قوي على منصات الحملات الانتخابية، في تنصيب نفسه ناطقاً باسم الأميركيين «المنسيين» أو «الجديرين بالشفقة» بحسب تعبير منافسته الديمقراطية عام 2016 هيلاري كلينتون.
عرف ترمب كيف يلعب على وتر مخاوف أميركيين، غالبيتهم من البيض والمتقدمين في السن عموماً، كانوا يشعرون بأنهم «مُحتقَرون» من «النُخب» على ساحل الولايات المتحدة الشرقي ونجوم هوليوود على الساحل الغربي. واعتمد الرجل الذي عرفه الأميركيون أساساً من خلال برنامج تلفزيون الواقع «ذي ابرينتس»، قاعدة بسيطة طبقها على الدوام وهو أن يشغل الساحة بأي ثمن.
وبسبب استخفافه بالعلم وتصريحاته غير المطابقة للواقع، اضطر فريق تقصي الحقائق من صحيفة «واشنطن بوست» إلى استحداث فئة جديدة للتثبت من المعلومات الخاطئة التي تتكرر أكثر من 20 مرة.
ومن جناحه الشهير في البيت الأبيض «ويست وينغ»، عمد رجل الأعمال السابق إلى توسيع الهوة بين المجتمع الأميركي المنقسم بين الجمهوريين والديمقراطيين. وبدلاً من إطلاق دعوات جامعة على غرار أسلافه، لعب ترمب على خوف الأميركيين. ولوح عند إعلان ترشحه في 2015، بشبح المهاجرين غير الشرعيين واصفاً إياهم «بالمُغتصِبين»، ونصّب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد «للقانون والأمن» في مواجهة تهديد «اليسار الراديكالي».
وفي بلد يعشق اللحظات المؤثرة التي تعبر عن الوحدة الوطنية، لم يعتمد ترمب إلا نادراً لهجة تبلسم الجراح، حتى بعد حدوث كارثة طبيعية أو عمليات إطلاق نار دامية. واستخدم هجماته العنيفة على وسائل الإعلام التي دأب على وصفها بأنها «كاذبة» و«فاسدة» و«عدوة الشعب»، لكي يؤلب قسماً من الشعب ضد قسم آخر.
لكن ترمب يبقى الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم تصل شعبيته إلى نسبة 50 في المائة خلال توليه مهامه.
يتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة وهي أن ترمب وفى بجزء من وعوده الانتخابية. فكما أعلن سابقاً، انسحب ترمب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها طويلاً، في مقدمتها اتفاق باريس حول المناخ الذي وقعته معظم دول العالم للحد من الاحترار المناخي. لكن هذا الوفاء بتعهداته ووعوده الانتخابية جاء عبر عمليات اعتبرت هدامة. وتبدو حصيلة مبادراته هذه هزيلة نسبياً. ويبدو ذلك جلياً على صعيد الملف النووي الإيراني، فهو مزق الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه لفترة طويلة وزاد الضغوط على إيران لكن بدون تقديم استراتيجية فعلية.
ويبقى مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 خلال عملية أميركية في سوريا، المحطة الأقوى في رئاسته. لكن تحركه الأكثر جرأة الذي فاجأ فيه العالم وخوله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأت بالنتائج المرجوة. فقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وزيارة ترمب التاريخية للمنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و«الرسائل الرائعة» بينهما، من دون تحقيق نتيجة ملموسة. فالنظام الكوري الشمالي لم يقدم أي تنازل بشأن مسألة نزع الأسلحة النووية.
في الأجواء الجيوسياسية المعقدة والمتقلبة للقرن الحادي والعشرين، هاجم ترمب شخصياً رئيس وزراء كندا جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي.
وفي سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أي محافظ، أقدم ترمب بقدرته على إشعال مشاعر قاعدته الانتخابية، على ترويض الحزب الجمهوري الذي كان قلل من أهميته في البداية أو حتى تجاهله.
وعبر بعض النواب الجمهوريين أحياناً عن معارضتهم لبعض قراراته مثل موقفه المتساهل بشكل غير عادي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن حتى الهجوم على الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 ظل الجمهوريون يشكلون كتلة واحدة وراءه، باستثناء بعض الأصوات المعارضة مثل السيناتور جون ماكين الذي حذر قبل وفاته في أغسطس (آب) 2018 من نزعة نحو «قومية غير منطقية ومضللة».
ويعتمد ترمب في الأعمال كما في السياسة، على مبدأ بسيط: معه أو ضده. وتحدث المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) جيمس كومي الذي أقاله الرئيس فجأة، في مذكراته عن رئيس يُخضع أوساطه لمعايير ولاء تذكره بموقف زعماء المافيا عندما بدأ حياته المهنية كمدع عام.
ولد دونالد جاي ترمب في كوينز في نيويورك وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال. وهو ليس «رجلاً عصامياً» خلافاً للصورة التي يريد عكسها عن نفسه. فبعد الحرب العالمية الثانية بنى والده فريد ترمب المتحدر من مهاجر ألماني، إمبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مبان للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.
وعندما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في صيف عام 2020 أنه لم يدفع سوى 750 دولاراً من الضرائب الفيدرالية على الدخل في 2016 وأن العديد من الشركات تكبدت خسائر، تلقت صورته كرجل أعمال ناجح ضربة.
لم يتوقف ترمب وهو أب لخمسة أبناء وُلدوا لثلاث زوجات مختلفات، وله عشرة أحفاد، عن الإشادة علناً بزوجته ميلانيا، عارضة الأزياء السابقة التي أصبحت «السيدة الأولى الرائعة».
لكن فضح علاقات يُعتقد أنه أقامها خارج إطار الزواج، وخصوصاً مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، واتهامات بالاعتداء الجنسي موجهة إليه، لا تتناسب تماماً مع مديحه المتكرر للقيم العائلية.
إلا أن ترمب تجاوز كل هذه الفضائح مستنداً إلى دائرة عائلية صغيرة ومتضامنة، فضلاً عن «غريزة» دائمة الحضور.
وكما كان ترمب رئيساً مختلفاً سيبقى رئيساً سابقاً على حدة أيضاً. فلا يمكن تصوره مشاركاً مع رؤساء سابقين لا يزالون على قيد الحياة في صورة جماعية تعكس الوحدة الوطنية.
ويباشر دونالد ترمب حياة ما بعد الرئاسة معزولاً في مارالاغو في فلوريدا.
جدير بالذكر أن الرئيس السابق باراك أوباما حذر من أن رئاسة جو بايدن وحدها لن تكون قادرة على بلسمة جراح الشعب الأميركي قائلاً: «أنا أعرف أن انتخابات واحدة لن تكون كافية لحل المشكلة... فانقساماتنا عميقة».