ما أسباب الانقسام الأميركي؟

ما أسباب الانقسام الأميركي؟
TT

ما أسباب الانقسام الأميركي؟

ما أسباب الانقسام الأميركي؟

مع اقتراب موعد التصويت النهائي في الانتخابات الأميركية المقررة الثلاثاء، تزايدت المخاوف من اندلاع العنف في شوارع بعض المدن. فقد شرع مواطنون بالفعل في شراء كميات من الأسلحة النارية فيما تستعد متاجر في بعض الأحياء للإغلاق أو تقوم بالتأمين لدى شركات التأمين بأسعار باهظة لتعويض الخسائر المالية الناجمة عن أضرار العنف السياسي. وها قد أعلنت وكالة الأمن الداخلي أنها في حالة تأهب قصوى.
أتذكر الانتخابات الأميركية التي جرت عام 1968، لكني لا أتذكر استعدادات كتلك التي نراها الآن. يتساءل عديد من المحللين الأميركيين: لماذا أصبحت أميركا منقسمة ومستقطبة للغاية؟ أعتقد أن أفضل إجابة سنجدها في الكتاب الجديد لمرشح الحزب الديمقراطي السابق بيتر بوتيجيج بعنوان «الثقة». فقد كتب بوتيجيج أن الهوية القومية الأميركية غير مرتبطة بالهوية العرقية لأن الولايات المتحدة أمة من المهاجرين. وبدلا من تلك الهوية العرقية، فإن هويتنا الوطنية تقوم على اتفاق مشترك حول القيم المدنية. في الماضي، كانت هناك ثقة سائدة في أن جميع المواطنين الأميركيين يشاركون نفس القيم المدنية.
خرج «أعظم جيل من الأميركيين»، على حد تعبير الصحافي الكندي توماس بروكاو، من وقوف أميركا صفا واحد، الديمقراطيين والجمهوريين، لهزيمة ألمانيا النازية واليابان في الحرب العالمية الثانية. الآن لا يوجد عدو مشترك، لكن أميركا تواجه مشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة. فالوضع الاجتماعي للجماعات المهيمنة بات موضع تساؤل، فحركة «حياة السود تهمنا» وأنصارها يدينون ممارسات الشرطة والنظام القضائي. اليساريون مثل الديمقراطي بيرني ساندرز والمحافظون المتطرفون يدينون الشركات الكبرى. الوظائف في سبيلها للاختفاء من المصانع ببطء، والعديد من أفراد الطبقة العاملة يشعرون بالتهديد، وعدد الأميركيين الذين يرتادون الكنائس في تراجع، والجماعات المسيحية المحافظة تشعر بالتهديد. كذلك عنف الشرطة وحملات الاعتقال يجعل الأقليات وأنصارها يشعرون بالتهديد دائما.
العديد من الدلائل التي نراها وتثني على ترمب تقول أيضًا: «كفانا كلاما»، وهو ما يعني رفض النظام السياسي الطبيعي. وبهذا المعنى، قالت ليليانا ميسون في كتابها الجديد «اتفاق الفتحة» إن هذه المواجهات لا تتعلق بالسياسة بل تتعلق بالهويات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية، حيث يسهل على أحد الطرفين الادعاء ضمنيًا أن الطرف المقابل ليس طبيعيًا، وربما ليس بشرا.
لا يثق أنصار الأحزاب السياسية في أن الطرف الآخر يتخذ أي قرارات بشأن الهوية الوطنية. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته «مجموعة بيو البحثية» في أكتوبر (تشرين أول) 2019 إلى أن 57 في المائة من الجمهوريين يعتقدون أن الديمقراطيين غير أخلاقيين وأن 47 في المائة من أنصار الحزب الديمقراطي يعتقدون نفس الشيء بالنسبة للجمهوريين، وهذا يتعلق بالقيم وليس السياسة.
بالإضافة إلى ذلك، أتوقع أن تكون الأرقام أعلى الآن حال جرى نفس الاستطلاع في عام 2020. وأظهر استطلاع «بيو» للرأي كذلك أن أقل من نصف أنصار الحزب الديمقراطي (45 في المائة) يعتقدون أن الجمهوريين يشاركونهم قيمهم وأن 38 في المائة فقط من الجمهوريين يعتقدون أن الديمقراطيين يشاركونهم قيمهم. فعندما لا يثق أنصار الحزبين في بعضهم البعض ولا يعتقدون أن آراءهم ذات قيمة، فمن المستحيل السماح للطرف الآخر بتعريف القيم الوطنية والهوية الوطنية. إن أولوية الهدف من المنافسة السياسية يتغير ليسد الطريق أمام الطرف الآخر، ولم يعد يقتصر على التعامل مع برنامج حزبك.
إذا نظرت إلى انتخابات 2020، فإن الرئيس ترمب يفهم هذا التقسيم، ولم يعلن قط عن أي خطة لولايته الثانية حال فاز في الانتخابات. لم يتحدث ترمب أبدًا عن سياساته الداخلية أو الخارجية، بل اكتفى فقط بمهاجمة الديمقراطيين. وهناك لافتات في الحي الذي أسكن فيه تقول: «صوتوا لترمب واجعلوا الليبراليين يبكون مرة أخرى».
هناك حركة داخل الحزب الجمهوري قلقة من هذه الانقسامات، وتطلق على نفسها اسم «مستحيل لترمب» ويمكنك مشاهدة إعلاناتها التلفزيونية القوية على التلفزيون واليوتيوب التي أعدتها مجموعة «لينكولم بروجيكت» (كان الرئيس أبراهام لينكولن أول رئيس للحزب الجمهوري). كتب ديفيد فرينش، وهو مفكر من الحزب الجمهوري من حركة «نيفر ترمب» في كتابه الجديد بعنوان «نسقط إذا انقسمنا» أن الأميركيين لا ينبغي أن يفترضوا ديمقراطية في قارة تضم مجموعات عرقية متعددة أو أن تبقى الجماعات الدينية المتعددة موحدة دائمًا، حتى أنه تخيل موقفا تحاول فيه كاليفورنيا والساحل الغربي الانفصال عن الولايات المتحدة بسبب قوانين الحكومة المركزية التي تسمح بالبنادق في كل مكان، أو أن تحاول تكساس وبعض الولايات الجنوبية الانفصال بسبب قوانين الحكومة المركزية التي تسمح بالإجهاض. يمكنك أن ترى بعض النقاش في هذا الصدد على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، فإن الانقسام السياسي الداخلي لم يصل بعد إلى هذه النقطة، كما يتفق الفرنسيون، ولا توجد حتى الآن أي حركة انفصالية جادة. وقد كتب أحد كتابي الصحافيين المفضلين، وهو توماس ريكس الذي التقيته في العراق أثناء الحرب، مؤخرًا أن أميركا ستنجو في هذا الوقت الصعب مثلما نجت من الحرب الأهلية قبل 160 عامًا تحت قيادة لينكولن. لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين كيف نحد من الغضب في السياسة الأميركية أو كيف نعيد بناء الأسس السياسية للولايات المتحدة.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».