يريفان تطلب مساعدة بوتين... وموسكو تقبل إذا انتقلت الاشتباكات إلى داخل أرمينيا

معارك ضارية في قره باغ واتهامات لباكو باستخدام أسلحة محرمة

أخفقت أرمينيا وأذربيجان خلال محادثاتهما في جنيف (الجمعة) في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار لكنهما اتفقتا على تدابير لتخفيف التوتر(أ.ب)
أخفقت أرمينيا وأذربيجان خلال محادثاتهما في جنيف (الجمعة) في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار لكنهما اتفقتا على تدابير لتخفيف التوتر(أ.ب)
TT

يريفان تطلب مساعدة بوتين... وموسكو تقبل إذا انتقلت الاشتباكات إلى داخل أرمينيا

أخفقت أرمينيا وأذربيجان خلال محادثاتهما في جنيف (الجمعة) في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار لكنهما اتفقتا على تدابير لتخفيف التوتر(أ.ب)
أخفقت أرمينيا وأذربيجان خلال محادثاتهما في جنيف (الجمعة) في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار لكنهما اتفقتا على تدابير لتخفيف التوتر(أ.ب)

أخفقت أرمينيا وأذربيجان، خلال محادثاتهما في جنيف (الجمعة)، في الاتفاق على وقف جديد لإطلاق النار في ناغورني قره باغ، لكنهما اتفقتا على تدابير لتخفيف التوتّر، بما في ذلك التعهد بعدم استهداف المدنيين. والتقى وزيرا الخارجية الأرميني زُهراب مناتساكانيان والأذربيجاني جيهون بَيْراموف وجهاً لوجه في المدينة السويسرية، في محاولة لإيجاد مخرج من هذه الأزمة التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص في شهر ونيّف.
وأمس، لاحت بوادر تشير إلى احتمال دخول النزاع الأرميني - الأذري منعطفاً جديداً بعدما وجه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان طلباً رسمياً لتدخل موسكو لضمان «حماية أمن أرمينيا». وتزامن التطور مع تواصل المعارك الضارية في غالبية نقاط التماس في قره باغ، ومع ارتفاع حدة الاتهامات الأرمينية لباكو بإقامة تجمعات لإرهابيين داخل مناطق الإقليم بهدف تنفيذ عمليات تخريب، وباستخدام أسلحة محرمة (بينها الفوسفور) في مناطق لجأ إليها مدنيون هرباً من القصف.
ووجه باشينيان رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعا فيها إلى «إجراء مشاورات عاجلة لتحديد نوع وحجم المساعدة التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الروسي لأرمينيا لضمان أمنها». وأشار رئيس الوزراء في رسالته إلى علاقات التحالف بين البلدين، واستند في طلبه إلى المادة الثانية من «معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة» المبرمة بين البلدين في أغسطس (آب) 1997.
وأوضحت وزارة الخارجية الأرمينية أن باشينيان «عرض في رسالته بدقة الوضع الناشئ نتيجة العدوان العسكري الأذري - التركي على قره باغ، والتحديات التي برزت بسببه». وشدد باشينيان على التهديد الجديد المتمثل بنقل «الإرهابيين الأجانب المسلحين من الشرق الأوسط، ومشاركتهم في الأعمال العدائية».
ولم يطل انتظار الرد الروسي على الطلب، إذ أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً أكدت فيه أنها لا ترى تهديداً مباشراً على أراضي أرمينيا. ومع تجديد موسكو تأكيد «تمسك الاتحاد الروسي بالتزاماته تجاه أرمينيا، بصفتها دولة حليفة، بما في ذلك في إطار التعاون والمساعدة المتبادلة المنصوص عليها في معاهدة الصداقة». لكن البيان أشار إلى أن «عدداً من مواد هذه المعاهدة يحدد إجراءات ملموسة في حالة وقوع تهديد بشن هجوم مسلح أو عمل عدواني ضد أراضي الطرف الآخر». وزاد أنه «وفقاً للمعاهدة، ستقدم روسيا ليريفان كل المساعدة اللازمة إذا انتقلت الاشتباكات مباشرة إلى داخل أراضي أرمينيا».
ودعت الوزارة أطراف النزاع إلى التزام وقف فوري لإطلاق النار، وتهدئة التوتر، والعودة إلى مفاوضات جدية. وبدا الموقف الروسي لافتاً في تحفظه، علماً بأن أوساطاً روسية كانت قد أشارت في وقت سابق إلى أن «موسكو قد تكون بانتظار طلب رسمي من جانب يريفان لتوسيع مجالات تدخلها المحتمل». لكن معلقين في موسكو رأوا أن الصيغة التي قدم بها الطلب الأرميني، والسند القانوني الذي قام عليه، قد يكونان وراء أسباب التحفظ الروسي، إذ لم تستند رسالة باشينيان على معاهدة الأمن الجماعي التي تضم فضلاً عن روسيا وأرمينيا بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة، بل استند إلى معاهدة الصداقة الثنائية الموقعة مع موسكو.
وأوضح السفير الأرميني في موسكو، فاردان توجانيان، لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية أن يريفان «طلبت إجراء مشاورات حول الأمن في إطار الاتفاقيات الثنائية مع روسيا، ولا يوجد حديث عن مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، علماً بأن منظمة معاهدة الأمن الجماعي كانت قد أعلنت سابقاً أن الجانب الأرميني لم يتقدم بطلب للمساعدة. وفي كل الأحوال، فقد أثارت التطورات رد فعل سريع من جانب باكو التي أعلنت معارضتها تدخل أي أطراف خارجية، وزادت أنها «لم تطلب تدخلاً من جانب تركيا». وقال الرئيس الأذري، إلهام علييف، إن بلاده «لا تريد تدخل أطراف أخرى في الصراع الدائر في إقليم قره باغ»، وجدد نفي أن تكون تركيا طرفاً فيه، متهماً أرمينيا بالسعي لتدويل الأزمة.
وقال علييف، رداً على سؤال صحافيين عما إذا كانت باكو تنتظر مساعدة من تركيا: «لا نتوقع تدخل دولة ثالثة. كما أننا لا نرى إمكانية لتدخل أي دولة لأن الدول من حولنا شركاء وأصدقاء لنا». وقال علييف إن أرمينيا، حسب معلومات الجانب الأذري «تريد جر الدول الأخرى للمشاركة في المعارك»، وأضاف: «لكنني متأكد من أن هذا لن يحدث».
وشدد الرئيس الأذري على أن «هذا صراع بيننا وبين أرمينيا، وعلى الجميع الامتناع عن التدخل فيه»، مجدداً تأكيد أن «مقاتلات إف-16» التركية المرابطة في أذربيجان «لا تشارك في القتال». وكان لافتاً أمس تأكيد صحيفة كندية أن طائرة مسيّرة تركية، أسقطتها أرمينيا خلال النزاع، كانت مزودة بنظام استهداف كندي. وأوقفت كندا صادرات الأسلحة إلى تركيا في بداية الشهر، في أعقاب تحقيق حول احتمال تزويد هذا البلد معدات عسكرية كندية إلى أذربيجان.
والتقط مصور من الصحيفة الكندية ذهب إلى مجمع عسكري أرميني صوراً لأجزاء من الطائرة التي تم إسقاطها الخميس الماضي. ونقلت الصحيفة عن الخبير كيلسي غالاغر أن الصور تظهر نظام تصوير واستهداف من طراز «إم إكس-15 دي»، صنعته شركة «إل 3 هاريس ويسكام» الكندية. وسمحت أوتاوا للشركة، ومقرها في برلنغتون في أونتاريو، بتصدير هذه الأنظمة إلى شركة بايكار التركية المصنعة للطائرات المسيرة. وأوضح غالاغر أن «لوحة القاعدة نفسها تحتوي على كتابة بايكار، مصنّعة الطائرة التركية المسيرة (بايكار تي بي 2)».
وكان رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، قد أشار، خلال مؤتمر صحافي، إلى انتهاك محتمل لاتفاقيات بيع المعدات العسكرية. وقال إن «علينا التأكد من احترام القواعد والاتفاقيات الواردة في العقد حول استخدام المعدات الكندية».
إلى ذلك، أكد علييف استعداد باكو للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بهدف تسوية النزاع في قره باغ، ورأى أن إطالة أمد المعارك في المنطقة تعتمد فقط على موقف أرمينيا التي اتهمها بخرق 3 اتفاقات هدنة في الإقليم، موضحاً أن «أرمينيا وحدها هي التي يمكنها أن تضع حداً للحرب. عندما تعترف بالهزيمة، سنحرر أراضينا بطريقة أو بأخرى».
وفي غضون ذلك، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن مجلس الأمن الدولي سوف يعود إلى مناقشة قضية قره باغ، في حال تواصل تدهور الأوضاع بمنطقة الصراع. وأشار نيبينزيا إلى أن «نظام وقف إطلاق النار يتم خرقه بشكل دائم، رغم الالتزامات التي جرى تحملها في كل من موسكو وواشنطن»، مضيفاً: «لا توجد آلية لمراقبة تطبيق نظام وقف إطلاق النار، ولا يوجد التزام بالهدنات الإنسانية».
وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد خلال الشهر جلستين مغلقتين لمناقشة قضية قره باغ لم تسفرا عن إصدار قرارات أو وثائق ملزمة.



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.