الخرطوم وواشنطن توقعان اتفاقاً لاستعادة حصانة السودان

الخارجية السودانية تقلل من تأثير قرار ترمب الأخير بتجديد حالة الطوارئ

TT

الخرطوم وواشنطن توقعان اتفاقاً لاستعادة حصانة السودان

وقعت الولايات المتحدة والحكومة السودانية اتفاقية ثنائية لتسوية القضايا المرفوعة ضد الخرطوم ومن بينها تفجيرات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، عام 1998، وحادثة المدمرة كول عام 2000، ويمهد لاستعادة الحصانة السودانية أمام المحاكم الأميركية.
ومن شأن الاتفاقية التي وقعت بمباني الخارجية الأميركية في واشنطن مساء أول من أمس، إسقاط الأحكام القضائية الصادرة بحق السودان والبالغة أكثر من 10 مليارات دولار لتعويض الضحايا في هذه القضايا، وتوقف فعلياً أي مطالبات بتعويضات مستقبلية ضد الخرطوم أمام المحاكم الأميركية.
وستدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد أن يقرها الكونغرس، وفق الخطوات المعمول بها في المجلس، بعد فترة الانتخابات الأميركية.
وأفادت وزارة العدل السودانية في بيان، بأن الاتفاقية ستعيد للمحاكم الأميركية ما يعرف بالحصانة السيادية للحكومة السودانية، ويأتي بعد عام من المفاوضات بين إدارة ترمب والقيادة السودانية الجديدة، اللذين عملا معاً لحل هذا الموضوع وتحقيق المتطلبات اللازمة من أجل رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ونبه البيان إلى أن حكومة السودان أعادت في هذه الاتفاقية تأكيدها عدم مسؤولية البلاد عن هذه الهجمات، ورغبتها في تطبيع وتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وبحسب وكالة «الأسوشيتد برس» الأميركية، قال نصر الدين عبد الباري وزير العدل السوداني، إن الاتفاقية ستسمح للسودان «بحل المسؤوليات التاريخية واستعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة، والمضي قدماً نحو الديمقراطية وفرص اقتصادية أفضل».
وكانت الحكومة الانتقالية السودانية وافقت على دفع 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا الهجمات التي نفذتها شبكة القاعدة بزعامة أسامة بن لادن بينما كان الزعيم المتشدد يعيش في السودان. وتم إيداع هذا المبلغ في حساب منفصل، حتى يتم انتهاء الولايات المتحدة من إجراءات استعادة الحصانة السيادية للسودان.
وكانت وزارة الخارجية قد أخطرت الكونغرس بالاتفاق الذي وصفته بأنه «انتصار هائل لضحايا الإرهاب»، وأضافت: «الصفقة تشمل أيضاً تعويضات لضحايا التفجير المميت الذي استهدف المدمرة الأميركية يو إس إس كول عام 2000 في ميناء عدن الجنوبي اليمني الذي أسفر عن مقتل 17 من مشاة البحرية، ومقتل جون غرانفيل المسؤول بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية الذي كان قتل في إطلاق نار من سيارة مسرعة في العاصمة السودانية الخرطوم عام 2008».
وقالت إديث بارتلي المتحدثة باسم عائلات الأميركيين الذين قتلوا في هجوم كينيا: «إن التوقيع يمثل خطوة حاسمة الأهمية نحو تحقيق العدالة لمأساة عائلاتنا»، وحثت بارتلي الكونغرس الأميركي على تمرير التشريعات «فوراً» لتنفيذ التسوية والإفراج عن الأموال.
ويعود تصنيف الولايات المتحدة للسودان كدولة راعية للإرهاب إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما حكم البشير السودان واستضافت حكومته لفترة وجيزة بن لادن ومسلحين مطلوبين آخرين، ويعتقد أيضاً أن السودان كانت وسيطاً بين إيران والميليشيات المسلحة الأخرى، مثل تزويد حركة حماس في قطاع غزة بالسلاح.
يذكر أن مصادر دبلوماسية أميركية قالت لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، إن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تطلب تنفيذ العديد من الإجراءات والسياسات الداخلية للتأكد من عدم دعم الإرهاب في المستقبل، واتخذ السودان خطوات للعمل مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب طوال عام 2019 رغم الاضطرابات السياسية التي كانت الحكومة تواجهها، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق.
وقال مصدر: «في سبتمبر (أيلول) 2019 العام الماضي، واصلت الحكومة السودانية متابعة عمليات مكافحة الإرهاب جنباً إلى جنب مع الشركاء الإقليميين، بما في ذلك عمليات مواجهة التهديدات لمصالح الولايات المتحدة والأفراد في السودان، ورغم عدم وجود هجمات إرهابية بارزة، عملت القوات السودانية دوريات مراقبة الحدود السودانية الليبية، وكذلك الحدود السودانية التشادية لمنع تدفق الإرهابيين المشتبه بهم الذين يعبرون المنطقة، ومنع تهريب الأسلحة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، وهذه جميعها تؤخذ بعين الاعتبار في الأوساط الأميركية، وهو ما استند عليها الوزير مايك بومبيو في رسالته إلى الكونغرس لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب».
ويأتي شطب السودان من القائمة السوداء كجزء من جهود الإدارة الأميركية لجعل السودان يطبع علاقاته مع إسرائيل. وأصبح السودان ثالث دولة عربية بعد الإمارات والبحرين في تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
إلى ذلك قالت الخارجية السودانية، إن تمديد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حالة الطوارئ الوطنية بشأن السودان، لن يؤثر على الخطوات الجارية لشطبه من قائمة الإرهاب، وهي المرة الثانية التي تمدد فيها الطوارئ، منذ تولى الحكومة الانتقالية في السودان السلطة في أغسطس (آب) 2019.
ووصفت الخارجية القرار بأنه إجراء روتيني ينتظر إلغاؤه مع القوانين التي فرضت على السودان في السنوات الماضية، بعد استكمال الإجراءات الجارية لإنهاء التصنيف وإلغاء جميع القوانين المتصلة به، التي يتوقع صدورها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومدد الرئيس ترمب، أول من أمس حالة الطوارئ للأمن القومي المفروضة على السودان التي تجدد بشكل دوري سنوياً منذ عام 1997، بالأمر التنفيذي رقم 13067، الذي بموجبه فرضت عقوبات اقتصادية على السودان، بتهمة رعاية الإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، الحق به أمر تنفيذي آخر في عام 2006، لحظر ممتلكات ضالعين في حرب دارفور.



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».