قلق أوروبي حول مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلسي

ترمب وزوجته أثناء مشاركتهما في ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى بباريس في نوفمبر 2018 (أ.ف.ب)
ترمب وزوجته أثناء مشاركتهما في ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى بباريس في نوفمبر 2018 (أ.ف.ب)
TT

قلق أوروبي حول مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلسي

ترمب وزوجته أثناء مشاركتهما في ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى بباريس في نوفمبر 2018 (أ.ف.ب)
ترمب وزوجته أثناء مشاركتهما في ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى بباريس في نوفمبر 2018 (أ.ف.ب)

أيام قليلة تفصلنا عن الموعد الذي ينتظره العالم لمعرفة هوية ساكن البيت الأبيض في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني). لكن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة. على الأقل هذا ما يجمع عليه العديد من المراقبين والمحللين. إذا فشل الأميركيون في إجراء انتخابات «حاسمة»، فإن احتمالات الغرق في فوضى سياسية قد تؤدي إلى تعقيدات تاريخية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ تأسيسها.
من بين المنتظرين، يتسمر الأوروبيون كما الأميركيون لمعرفة ما سيسفر عنه هذا الانقسام غير المسبوق بين تيارين يختلفان على كل شيء تقريبا، ومعرفة تداعياته على العلاقات بين ضفتي الأطلسي وحلف الناتو وعلى العلاقات الدولية عموما.
يرى البعض أن فوز الرئيس دونالد ترمب بفترة رئاسية ثانية سيؤدي إلى «تمزق» سريع وكارثي في العلاقات عبر المحيط الأطلسي. أما إذا فاز جو بايدن، فقد يكون الأمر أبطأ ومفتوحا على احتمالات واتجاهات مختلفة. وينقل عن دبلوماسيين أوروبيين اعترافهم بالسر والعلن، بأن العلاقات عبر الأطلسي هي في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة، بما في ذلك خلال حرب العراق عام 2003. فالخلافات السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت تدور حول السياسات. أما اليوم، فيتم التشكيك في مفهوم الوحدة عبر الأطلسي وقيمتها.
لكن هل ترمب هو المسؤول عما آل إليه الحال بين الحلفاء، أم أن الأمر يمتد عبر عقود من تراكم المصالح المتضاربة سياسيا واقتصاديا وعسكريا؟
يعبر الأوروبيون سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي عن ارتياحهم إذا خسر ترمب الانتخابات الأميركية، وهم يفترضون أنها ستؤدي إلى تلاشي التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبحسب استطلاعات رأي عديدة، فقد أعرب العديد من الأوروبيين أنهم يفضلون بايدن لأنه سيدعم حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ويزيل القلق بشأن تغير المناخ، كما سيقف بوجه روسيا ويلتزم بشكل أكبر بالتعاون عبر الأطلسي. لكن أسلوب ترمب وعدم شعبيته في أوروبا يخفيان حقيقة غير مريحة للأوروبيين، مفادها أن العديد من التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هي نتاج تباين هيكلي طويل المدى بين مصالحهما. فوز ترمب أو خسارته قد لا يغير كثيرا في هذه الديناميكية المتسارعة، في الوقت الذي يعتبر فيه بعض المحللين بأن هناك عوامل عدة تفرق بين الطرفين ويمكن أن تتفاقم في السنوات الأربع المقبلة، بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ميزانية الناتو

قد يكون ترمب هو أول رئيس أميركي منذ الحرب العالمية الثانية يدعو، أو على الأقل يدعم بشكل علني، تقويض التكامل الأوروبي. وهو ينظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه تهديد، ويطرح شروطا متزايدة على العضوية في حلف الناتو. لكن من نافلة القول إن سياساته هذه لا تختلف كثيرا عما دعا إليه الرؤساء السابقون، على الأقل منذ جورج بوش الابن وباراك أوباما.
ترمب الذي طالب دول الناتو برفع إنفاقها الدفاعي اختلف مع أسلافه بالشكل فقط. وبايدن قد لا يختلف كثيرا عنه. لا بل يمكن أن تتزايد التوترات إذا قرر بايدن وإدارته خفض الإنفاق العسكري، وطالب الأوروبيين بسد الفجوة. كما أن التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن تختفي ببساطة، على ما تؤكده مراكز أبحاث أميركية عدة.

الصعود الصيني

ملف الصين بدوره يشكل قضية خلافية أخرى قد لا تختلف معالجته لدى بايدن عن ترمب. فمواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من الصين أصبحت أكثر تشددا، فيما العديد من دول الاتحاد الأوروبي مترددة في الاختيار بين التجارة المتزايدة وأسهم الاستثمار مع الصين، وعلاقاتها الأمنية والقيمية مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يشكل مادة خلافية مستمرة بين الطرفين.
كما أنه ليس سرا أن الاستراتيجية الأميركية الدفاعية والخارجية التي يعتمدها ترمب، هي استمرار للاستراتيجية التي دعا إليها سلفه أوباما عندما قال إن التركيز من الآن فصاعدا سيكون على المحيط الهادئ، وليس الأطلسي. بايدن ليس غريبا عن هذه السياسة وقد يضاعف من خفض اهتمام أميركا «بالقارة العجوز»، بعدما تحولت الحرب الباردة إلى صراع مع الصين وليس مع روسيا. ومع تصاعد الميول الانعزالية داخل الولايات المتحدة، قد يجد بايدن نفسه قبل ترمب محكوما باتجاهات الاستقطاب السياسي الداخلي، والدعوة إلى خفض التدخل بالخارج، وهي سياسة بدأها أوباما أيضا، وانعكاس ذلك على القيادة العالمية لأي رئيس أميركي

خلافات تجارية ومناخية

ومما لا شك فيه أن الخلافات التي اندلعت بين الأوروبيين وإدارة الرئيس ترمب، كانت غير مسبوقة شكلا ومضمونا. ترمب اعتبر الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية تماما بعد الصين في حروبه التجارية، واصفا إياه «بالعدو». وفرض تعريفات جمركية دفاعا عن «الأمن القومي» على الصلب والألومنيوم الأوروبي وشكك في التزامه بحلف الناتو. ووفقا لجون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، فقد يغادر ترمب الحلف في فترة ولايته الثانية، تماما كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية والمنتديات الدولية متعددة الأطراف الأخرى. ولكن هل يمكن لبايدن أن يبدل الحال؟ وحتى لو فعل ذلك هل يمكن للأوروبيين أن يطمئنوا من الآن فصاعدا بأن رئيسا جديدا قد لا يعود إلى نهج ترمب؟ يقول البعض أن الطرفين يحتاجان إلى إعادة الاتفاق على تعريف الديناميكيات الجيوسياسية الأكبر الموجودة في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعالجتها. وإذا لم ينجحا في ذلك، فإن خطر تبدد وتشظي تلك العلاقة سيكون خطيرا على مستقبلهما معا.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.