نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

الصحافي الأرميني المتمرد... من السجن إلى رئاسة الوزراء

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ
TT

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

نيكول باشينيان يواجه الامتحان الأصعب في قره باغ

آخر ما كان يريده نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، حرباً جديدة في جنوب القوقاز تضعه أمام خيارات صعبة ومعقدة، وتعرقل مسيرة إنجازات مهمة تم تسجيلها خلال سنتين أمضاهما في السلطة، ونجح خلالهما في إطلاق عمليات إصلاحات شاملة في الجمهورية السوفياتية السابقة. ولكن، يبدو الامتحان عسيرا، ليس فقط على المستوى الداخلي، فالصحافي الشاب الذي واظب التمرد على الظروف المحيطة به، لم يكن قد تمرس في عالم السياسة العليا، عندما برز نجمه بقوة قبل سنتين، خلال احتجاجات واسعة ضد الفساد، وغدا رمزاً شعبياً للتغيير، ما قاده إلى مقعد رئاسة الوزراء وهو الذي كان حلمه أن يغدو نائباً في البرلمان.
لقد وجد باشينيان نفسه في منصبه الجديد، مضطراً للتراجع عن الكثير من الأفكار «الثورية» وتخفيف حدة اندفاعه، فسعى إلى كسب ود روسيا التي نظرت إليه بكثير من الريبة. وعمد في الوقت ذاته إلى انتهاج سياسة الانفتاح على الغرب وتنويع الخيارات، آملا في دعم واسع لمشاريعه الإصلاحية. وكاد أن يثبت مسار سياسته وينجح في إقامة هذا التوازن الصعب، لولا الحرب التي باغتته، ووضعته أمام خيارات، أحلاها مر.
لم يكن نيكول باشينيان، الذي ولد في العام 1975 في مدينة إجيفان القريبة من الحدود مع جمهورية أذربيجان، قد أكمل تعليمه المدرسي عندما انخرط في تنفيذ إضرابات مدرسية ومسيرات ومظاهرات، بعد اندلاع المواجهات في إقليم ناغورني قره باغ (قره باغ العليا) في العام 1988. ولقد طبعت تلك الفترة مراحل تطوره لاحقا، فظلت صفة التمرد والانخراط في النشاطات الاحتجاجية تلازمه لسنوات طويلة.
ثم عام 1991. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق باشينيان بقسم الصحافة في الكلية اللغوية بجامعة يريفان الحكومية في مدينة يريفان عاصمة أرمينيا. إلا أنه ورغم أن درجاته الدراسية كانت ممتازة... طُرد من الجامعة بعد أربع سنوات بسبب انتقاده آليات عمل إدارة الجامعة وانخراطه بتنظيم فعاليات وصفت بأنها تخريبية. وبالتوازي مع دراسته عمل في الأنشطة الصحافية. وبين العامين 1993 و1997 تنقل بين عدد من الصحف المهمة في يريفان قبل أن يؤسس في العام 1998 صحيفة «أوراجير»، التي غدا رئيسا لتحريرها. وفي العام ذاته، ولج إلى عالم السياسة ضمن فريق لتنسيق حملة المرشح الرئاسي آنذاك، أشوت بليان.
كان عنوان الحملة يومذاك مكافحة الفساد، وبدلا من النجاح فيها والتمهيد للانخراط في السياسة، وجد باشينيان نفسه في العام اللاحق في السجن. وفي العام 1999، بدأت محاكمة باشينيان، الذي اتُهمت جريدته بنشر مواد تشهير ضد شخصيات برلمانية وأكاديمية اتهمها بالفساد. وكانت النتيجة تغريم صحيفة «أوراجير» بـ25 ألف دولار أميركي ثم إغلاقها لاحقا. كذلك، وجدت المحكمة نيكول باشينيان مذنباً بثلاث اتهامات وجهت إليه، هي الإهمال وإهانة مسؤول حكومي أثناء أداء واجباته الرسمية ورفض الامتثال لحكم المحكمة الابتدائية. وهكذا أمضى عامه الأول في السجن الذي سيعود إليه أكثر من مرة.

الصحافي الناشط الغاضب
بعد خروج باشينيان من السجن في العام التالي، واصل الصحافي الغاضب نشاطه، ليشغل منصب رئيس تحرير صحيفة واسعة الانتشار في يريفان، وظل في هذا المنصب حتى العام 2008. لكن تلك الفترة أيضاً لم تخلُ من مشاكل، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2004. انفجرت سيارة باشينيان في وسط يريفان وكانت متوقفة على مقربة من المبنى الذي يقع فيه مكتب تحرير صحيفة «أرمينيان تايم».
لم يكن هناك أحد في السيارة في تلك اللحظة. واعتبر الصحافي الحادث محاولة لاغتياله، اتهم رجل الأعمال جاجيك تساروكيان بتدبير محاولة قتله. وفقًا لباشينيان، كان تساروكيان غير راضٍ عن سلسلة تحقيقات صحافية أظهرت أنه قام بتخريب منتجع وقطع الأشجار فيه من أجل بناء فيلا. ولقد نفى تساروكيان تورطه في الحادث، ولم تظهر نتائج التحقيقات في «محاولة الاغتيال» أبداً.
سار الصحافي المثير للجدل أولى خطواته في عالم السياسة خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2007. وبالفعل، احتل باشينيان المرتبة الأولى على قائمة كتلة «الإقالة» التي انحصر برنامجها الانتخابي في الدعوة لإطاحة الرئيس روبرت كوتشاريان ورئيس الوزراء سيرج سركسيان. غير أن هذه الكتلة احتلت المركز الثاني عشر في ترتيب الكتل المتنافسة... ولم تحصد، بالتالي، سوى أكثر بقليل من واحد في المائة من أصوات الناخبين. ودفعت النتائج إلى تنظيم احتجاجات جديدة تطالب بإعادة العملية الانتخابية.
وفي العام التالي، واصل باشينيان نشاطه المعارض عضواً في مقر الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي ليفون تير بتروسيان. ومع خسارة المرشح وبعد تجدد أعمال الشغب في ربيع العام، بات اسم باشينيان مدرجا على قائمة المطلوبين في يريفان. ولذا اضطر إلى الاختفاء عن الأنظار لمدة سنة كاملة، قام بعدها بتسليم نفسه إلى السلطات. وفي بداية العام 2010. حُكم عليه بالسجن 7 سنوات بتهمة تنظيم أعمال شغب جماعية. وفي وقت لاحق، خفضت المحكمة المدة إلى النصف، وفي مايو (أيار) 2011 أطلق سراحه بموجب عفو بمناسبة الذكرى العشرين لاستقلال أرمينيا.

نائب في البرلمان الأرميني
لم يكد باشينيان يغادر سجنه حتى استأنف نشاطه السياسي. وفي العام 2012 حقق أول اختراق جدي، عبر انتخابه نائبا في الجمعية الوطنية (البرلمان) لأرمينيا بفضل نظام الانتخاب النسبي. وهكذا، غدا واحداً من أبرز أعضاء كتلة «المؤتمر الوطني الأرمني» النيابية، وعضواً في اللجان البرلمانية الدائمة للعلاقات الخارجية وقضايا الإدارة الإقليمية والحكم الذاتي المحلي.
أيضاً، ترأس باشينيان فترة لجنة الأخلاقيات المؤقتة. إلا أن طبيعته المتمردة قادت إلى خلافات جدية داخل الكتلة التي سعت إلى إعلان نفسها حزباً سياسيا يحمل الاسم نفسه «المؤتمر الوطني الأرمني». إذ رفض باشينيان الانضمام إلى التنظيم الجديد بسبب خلافات مع قيادة الحزب، ليتضح فيما بعد أن سبب الخلاف الأساسي حقيقة أن الحزب الجديد قرر عدم تسمية مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو أمر اعترض عليه باشينيان بقوة.
ولكن رغم مغادرته الحزب بقي نائباً في البرلمان، حتى شارك عام 2015 في تأسيس حزب «العقد المدني»، الذي خاض بعد سنتين انتخابات نيابية ضمن إطار تحالف واسع حمل باشينيان مرة أخرى إلى عضوية البرلمان. لكن السياسي والصحافي الطموح لم يكتف بذلك، بل خاض في سبتمبر (أيلول) من عام 2017. المنافسة على منصب عمدة يريفان واحتل المركز الثاني، بنحو 21 في المائة من الأصوات.

نقطة تحول مهمة
أما نقطة التحول الأساسية في حياة باشينيان السياسية، فجاءت يوم 13 أبريل (نيسان) 2018. عندما نظم وقاد احتجاجات واسعة ضد انتخاب سيرج سركسيان. وفي 22 أبريل استقبل سركسيان وفداً من المحتجين يرأسه باشينيان، في محاولة لامتصاص نقمة الشارع. بيد أن المحادثات فشلت، وغادر الرئيس المنتخب حديثًا الاجتماع بعدما قال زعيم المعارضة إنه مستعد لـ«مناقشة استقالة سركسيان فقط». وفي اليوم نفسه أثناء مسيرة في وسط يريفان، اعتقلت الشرطة نيكول باشينيان.
ولكن سجنه هذه المرة لم يدم طويلا، إذ أثار الإعلان عن احتجازه غضباً عارماً في الشارع الأرميني الذي انضم بغالبية واسعة لمطالب مواجهة الفساد وإطاحة النخبة السياسية. وفي اليوم التالي، الذي كان حاسما، اضطرت الأجهزة الأمنية التي حاصر المتظاهرون مقراتها إلى إطلاق سراح باشينيان. وفي اليوم ذاته، استقال سركسيان، معلنا أنه اتخذ القرار بهدف حقن الدماء ومنع انزلاق الموقف نحو تصعيد أوسع. وهنا يقول مقربون منه إنه قال «كان نيكول باشينيان على حق. لقد ارتكبت خطأ. للوضع الحالي عدة حلول، لكنني لن أذهب إلى أي منها. لن أسمح بانفجار حقل الألغام. سأترك منصب رئيس البلاد».
في تلك اللحظة، تحول باشينيان إلى الزعيم الأوحد للمعارضة. وأثارت التطورات قلق القوى الإقليمية بقوة، وخصوصا روسيا التي ربطتها بسركسيان علاقات وثيقة. إذ كانت موسكو تنظر بكثير من الشك، إلى السياسي الشاب الذي برز فجأة من خلال ثورة شعبية، ولا سيما، أن بين أنصاره من رفع شعارات تنادي بإدارة الظهر لروسيا وتقويض التحالفات معها.
لم يحتج باشينيان إلى أكثر من ثلاثة أيام من النقاشات العاصفة في البرلمان لإقرار ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. غير أنه واجه صعوبات كثيرة فيما بعد. وفي الفترة بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول) كان عليه خوض معارك كبرى مع البرلمان الذي يضم في غالبيته نواباً يمثلون النخب التي ثار ضدها. وهو ما دفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة الوزراء، بهدف حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة.
الواقع، أن باشينيان استفاد من نص دستوري يقضي بحل مجلس النواب إذا ما فشل في تعيين رئيس وزراء جديد في غضون أسبوعين بعد تقديم الاستقالة. وبالفعل، هذا ما حصل، إذ قد فشل البرلمان خلال جلستين عاصفتين في ترشيح بديل عنه، ما دفع رئيس أرمينيا أرمين سركسيان لتوقيع مرسوم بشأن حل البرلمان وتحديد موعد انتخابات برلمانية مبكرة في أرمينيا. وفي هذه الانتخابات التي أجريت قبل نهاية العام، اكتسحت كتلة باشينيان البرلمان بحصولها على أكثر من 70 في المائة من الأصوات، ولم يلبث أن عاد رئيس الوزراء ظافرا إلى موقعه في الشهر التالي.

برامج إصلاح داخلية واسعة
كان الفساد أحد الأسباب الرئيسية للثورة في أرمينيا. وعد باشينيان بمحاربة الفساد بكل الوسائل. رغم أنه تمكن من كسر العديد من الاحتكارات التي كانت قائمة لمدة 30 عامًا، إلا أن معظم أصحاب الملايين وممثلي النخب الأوليغارشية مالت للتعاون مع السلطات لحماية مصالحها. وعموما، خلال عامها الأول في السلطة، جعلت حكومة باشينيان الرعاية الصحية مجانية للمواطنين دون سن الـ18. كذلك أطلق برنامجا لعلاج السرطان بالكامل على نفقة الدولة ما أكسبه تعاطفا واسعا في الشارع.
لقد كان الهدف الأول لباشينيان تحسين سمعة بلاده على صعيدي الفساد ومؤشر الديمقراطية. وفي السنة الأولى من حكمه، صنفت مجلة «الإيكونيميست» البريطانية أرمينيا بكونها «بلد العام» لإنجازاتها في مجال بناء الديمقراطية. واتضح أن يريفان حققت أكبر تحسن في أدائها على هذا الصعيد على المستوى الإقليمي. وفي دراسة مماثلة لعام 2019. صعدت أرمينيا 17 نقطة، لتتصدر مؤشرات الإصلاح الديمقراطي في المنطقة وفي الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وعلى صعيد محاربة الفساد حقق باشينيان نجاحات مماثلة، وفي المنشور السنوي لمؤشر مدركات الفساد لعام 2019، حققت أرمينيا أكبر قفزة بين بلدان رابطة الدول المستقلة والمنطقة لتنتقل من المركز 105 إلى المركز 77. وأيضًا، بعد عام من حكم باشينيان، في تصنيف منظمة حقوق الإنسان الذي يتولى «تصنيف البلدان حسب مستوى حرية الوصول إلى الإنترنت» احتلت أرمينيا المركز الأول في «رابطة الدول المستقلة» ودخلت البلدان العشر الأولى التي تتمتع بأكبر قدر من حرية الإنترنت. وأشار التقرير إلى أن «رئيس الوزراء الإصلاحي نيكول باشينيان بدأ في الحد من القيود المفروضة على المحتوى وانتهاكات حقوق المستخدم».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.