عائلة كردية إيرانية بين ضحايا غرق مركب للمهاجرين في بحر المانش

مركب مهاجرين في بحر المانش (أرشيفية)
مركب مهاجرين في بحر المانش (أرشيفية)
TT

عائلة كردية إيرانية بين ضحايا غرق مركب للمهاجرين في بحر المانش

مركب مهاجرين في بحر المانش (أرشيفية)
مركب مهاجرين في بحر المانش (أرشيفية)

فرضت صورة أفراد عائلة كردية إيرانية من بين ضحايا غرق مركب للمهاجرين في بحر المانش، نفسها، أمس، على الصفحات الأولى للصحف البريطانية.
وذكرت وسائل إعلام بريطانية أن 4 أشخاص لقوا حتفهم عندما انقلب قارب كان يقلهم مع مهاجرين آخرين أثناء محاولتهم عبور بحر المانش من فرنسا إلى بريطانيا، كانوا أفراد عائلة كردية إيرانية واحدة.
ولقي رسول إيران نجاد، وشيفا محمد بناهي، وكلاهما يبلغ من العمر 35 عاماً، وطفلاهما أنيتا (9 سنوات) وآرتين (6 أعوام)، مصرعهم غرقاً، خلال عاصفة الثلاثاء.
وخصصت صحيفة «التلغراف» صورة الصفحة الأولى للطفل آرتين، وعنونت صحيفة «مترو» البريطانية: «أموال الدم» في إشارة إلى ما دفعته الأسرة للمهربين من أجل عبور بحر المانش. وقالت صحيفة «الغارديان» في صفحتها الأولى إن «أسرة فقدت حياتها بحثاً عن حياة أفضل».
وسجلت في هذا الحادث أكبر خسارة في الأرواح في حادثة واحدة. وبذلك ارتفع عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم أثناء محاولتهم عبور المانش هذا العام إلى سبعة.
وقال علي؛ شقيق رسول إيران نجاد، لـ«بي بي سي» إن الطفل أرتين؛ البالغ من العمر 15 شهراً، لا يزال مفقوداً لكن توقف البحث عنه. وأضاف أن «البعض يقولون إنه حي، والبعض يقول إنه مات. ونحن مرتبكون». وأضاف أن العائلة دفعت مبلغاً كبيراً للوصول إلى بريطانيا.
من جهته، صرح شومان مانيش، الذي كان يعرف العائلة، بأنه حذرهم مراراً من السفر إلى بريطانيا. وقال مانيش الذي يعيش في مخيم للمهاجرين في دانكرك، لقناة «سكاي نيوز» إنهم «توكلوا على الله، وكانوا مؤمنين بأن الله سيحميهم».
وأضاف أن الأكراد الإيرانيين في المخيم ذهلوا بفقدان العائلة التي جاءت من سردشت قرب الحدود العراقية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أرقام رسمية في فرنسا أن 6200 مهاجر حاولوا عبور البحر بين 1 يناير (كانون الثاني) و31 أغسطس (آب) الماضيين، مما أثار غضباً ودعوات إلى التحرك من الجانب البريطاني.
واتهمت بريطانيا فرنسا بعدم بذل جهود كافية لمنع المهاجرين من مغادرة أراضيها، لكن رئيس الوزراء بوريس جونسون عرض على السلطات «كل دعم» في التحقيق. وانتقد هو ووزيرة الداخلية بريتي باتيل «العصابات الإجرامية القاسية» التي تستغل الضعفاء.
وكان المدعي العام في دانكرك، سيباستيان بيفي، صرح قبيل ذلك لصحافيين بأنه جرى انتشال 14 مهاجراً أحياء من المياه، وبأنه سيجري استجوابهم جميعاً في محاولة لتحديد المسؤولين.
وكانت المجموعة أبحرت إلى الساحل الجنوبي لإنجلترا في قارب صيد صغير، لكنه انقلب بسبب الموج في الصباح.
ويعتقد المحققون أن المهاجرين نُقلوا من مخيم «غراند سانت» للمهاجرين في فرنسا إلى شاطئ قريب، ثم أبحروا لمدة 40 دقيقة، قبل أن يجبرهم سوء الأحوال الجوية على العودة. وقال بيفي: «أعتقد أنه لم يكن أي منهم يرتدي سترة نجاة».
وأوضح أن جميع هؤلاء المهاجرين تجاوزوا سن السادسة عشرة، موضحاً أن عدد الذين كانوا على متن القارب يبلغ 22 شخصاً، موضحاً أن «ثلاثة أشخاص ما زالوا في عداد المفقودين؛ بينهم طفل صغير جداً»، هو الابن الثالث للعائلة الإيرانية. وأضاف أن التحقيق يسعى لتحديد المسؤول عن الحادث وأي أسباب محتملة للمقاضاة، بما في ذلك ضد قبطان السفينة.
وعبر الإيرانيون عن صدمتهم عبر شبكات التواصل من الخبر، وتفاعل عدد كبير منهم مع نشر الصحافة البريطانية على صفحاتها الأولى صورة الطفل آرتين (15 شهراً).
وكتب الصحافي رضا حقيقت نجاد، عبر «تويتر»: «آرتين... أراد الذهاب إلى بريطانيا. لقد ضاع في بحر المانش. ومات والداه وأخوه وأخته. ربما كان الوطن جحيماً له. كان يحلم بالجنة. خُدع، وأصبح ضحية المهربين. كان سيئ الحظ، لكنه الآن الصورة الرئيسية في الصحف. حياة الطفل الإيراني، المشرد، الضائع. ارفع قبتك للأعلى يا سيد الجمهورية الإسلامية».
أما مغردة باسم مرجان، فأرسلت «لعنات» إلى الديمقراطيين في الولايات المتحدة وحمّلتهم مسؤولية ثورة 1979. وقالت: «غرقت أسرة إيرانية في بحر المانش، للهروب من الظلم والتمييز، ولبلوغ السعادة».
وقال علي رضا في تغريدة: «الأيام المظلمة... وداعاً. أرض البعض وداعاً. خمسة إيرانيين فقدوا أرواحهم في المانش».
وقارن الصحافي مهدي بربنجي بين الصفحات الأولى للصحف البريطانية، أمس، والصحف الإيرانية. وقال: «سترون لماذا الصحف في بلد يبلغ (تعداده) ثمانين مليوناً تتراجع (مبيعاتها) إلى أقل من 10 آلاف نسخة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟